يعود بالذاكرة إلى سيرة صلاح الدين ..أحمد الجار الله ينبه إلى عدم التفاؤل بالتعاطف الدولي مع القافلة، لأنه لن يلبث أن ينحاز لإسرائيل

زاوية الكتاب

كتب 1128 مشاهدات 0


 

 

سيرة صلاح الدين لا قوافل الرز والطحين
 

الكلام عن تحرير فلسطين, و نصرة شعبها يدعو الى العودة بالذاكرة الى سيرة صلاح الدين الايوبي, الذي استطاع, قبل ان يشرع في تلك المسيرة المظفرة, ان يجمع شتات بلاد الشام التي كانت مقسمة دويلات, ويوحدها مع مصر, ويجعل مملكته قليلة السكان كثيرة الخيرات والثروات الطبيعية, تمضي الى كلمة سواء.
واذ نستعيد سيرة صلاح الدين فذلك للتذكير بواقع الحال المزري الذي بتنا عليه اليوم, والذي فيه نطلق شعارات براقة أكبر من الحجم الحقيقي لقوتنا, ففي بلاد الشام دول عدة, وفي كل دولة عشرات الاحزاب, الطائفية والمذهبية والعرقية والمتبنية آيديولوجيات مستوردة من الخارج, ولا تختلف مصر عنها في شيء, ففيها عشرات الاحزاب أيضا, التي لكثرتها لم نعد نتذكر أسماءها, وكل هذه الجماعات والشراذم هي شتات تلعب بمصائر الناس لتحقيق مآرب شخصية.
القدس الشريف حررتها يومذاك نوايا الأيديولوجية النقية النابعة محليا, الاسلامية الحقيقية وليس الافكار المستوردة او الارتباطات المشبوهة. فالناصر صلاح الدين لم يستعن بالدولة العباسية في بغداد, و لا بايران ولا بالاوروبيين او الاميركيين. لقد استطاع هذا البطل التاريخي ان يطرد الغزاة بعد احتلال صليبي لعقود طويلة, وبعد أكثر من 150حملة غزو افرنجية كانت آخرها بقيادة البريطاني ريتشارد قلب الاسد الذي تحالف أيضا مع ملوك أوروبا, ورغم ذلك تحررت القدس بقوة الارادة الصادقة والوحدة.
المؤسف حقا ان العرب بين فترة وأخرى يهددون بسحب المبادرة العربية للسلام, من دون أن يدركوا ان هذا ما تريده اسرائيل التي تبذل اقصى جهدها لاحراجهم واخراجهم ودفعهم الى ارتكاب الخطيئة حتى تبرر كل أفعالها العدوانية وتكمل مشروع تهويد القدس, وتصفي القضية الفلسطينية الى الأبد, وعندها لن ينفع البكاء على لبن الحقوق المشروعة المسكوب هدرا في لحظة رعونة.
ان تحرير فلسطين لا يكون بفصل غزة عن الضفة الغربية, ولا بتشتت الصف الفلسطيني, ولا بحروب الفنادق والمنابر التي يخوضها أبناء الوطن الواحد بين بعضهم بعضا, ويتركون السكين الاسرائيلية تعمل في رقاب شعبهم من دون حسيب او رقيب.
ولا يكون تحرير فلسطين بالارتباطات الخارجية كما هي الحال لمن يقبضون على غزة الذين ينفذون أجندة ايرانية و'إخوانية', ومن دون ان تأخذهم رأفة بشعبهم, وهي ارتباطات تنم عن غباء بالتعامل مع المسرح الدولي, فهؤلاء الذين يتحدثون عن الفقر في غزة وهم يرتدون بذلات'إيف سان لوران' و'فرساتشي' ويدخنون السيجار الكوبي, كيف لهم ان يصدقوا في نواياهم ويقفوا الى جانب شعبهم? ان هؤلاء النفر من خالد مشعل الى محمود الزهار واسماعيل هنية وأسامة حمدان وغيرهم كثيرون من جماعة 'حماس' أو جماعة'فتح' وكل ذاك السيل العرم من دكاكين وبقالات المتاجرة بالدم الفلسطيني, يفرحون حين تعتدي اسرائيل على الابرياء العزل في كل أنحاء فلسطين, ولقد أخذتهم النشوة حين ارتكبت القوات الاسرائيلية تلك المجزرة البشعة بحق الابرياء على متن سفن قافلة الحرية, لأنهم وجدوا فيها تلميعا لصورتهم التي بدأت تبهت في العالم, وظنوا ان فورة التعاطف العالمي مع الابرياء ستفك الحصار عن غزة, لكنهم لم يدركوا ان اسرائيل متحالفة مع العالم وهو سرعان ما سيأخذ بكل المبررات التي تسوقها, وكل المزاعم التي تزعمها, بينما نحن لم نتحالف إلا مع أنفسنا, ولم نخاطب إلا أنفسنا, وكأننا نتحدث في غرفة مغلقة.
ان بضع سفن تحمل القليل من المعونات والمعلبات وأكياس الرز والطحين لن تحرر فلسطين, فكل الاساطيل حتى اذا حملت بكل محاصيل العالم لن تفك الحصار عن غزة او تحرر شبرا من فلسطين, لأن ذلك يبدأ من توحيد الكلمة فلسطينيا, ومن منطق الدولة, وليس عبر منطق الشلل والجماعات المتناحرة والمأجورة والأجندات الخارجية.
لن يهتز الضمير العالمي لقتل بعض الأبرياء على متن تلك السفن, وان ابدى تبرما فذلك لحين, ولن نستطيع ان نحقق أي شيء اذا استقبلنا العائدين كالابطال, كل ذلك لن يحرر القدس, طالما ان أبناء فلسطين يتناحرون على المناصب الزائلة, وطالما هم رهن قرارات بعض الدوائر الاقليمية التي لا تعنيها فلسطين الا بالقدر الذي تخدمها متاجرتها بأشرف القضايا الانسانية والعربية. فالتحرير يكون بالعودة الى سيرة صلاح الدين والسير على طريقه, وليس بالاصوات التي تنطلق مرة من فندق في دمشق, وأخرى من فندق في طهران, وثالثة من فندق في الارجنتين, ورابعة من البرازيل, ولن تزيد الشعارات والتصريحات الا الطين بلة لأن كل ذلك يؤكد ان العرب ظاهرة صوتية, ولا يعرفون غير الغرق أكثر وأكثر في تشتتهم وفرقتهم.
واذا كانت نشوة التعاطف الدولي مع هذه المجزرة قد أخذت بلب العرب وبدأت صيحات الانتصار تعلو من هنا وهناك, فعلينا الانتظار بضعة أيام حتى نرى كيف ان العالم سينقلب علينا مجددا ويقف الى جانب اسرائيل, و عندها لن تنفع كل التصريحات والشعارات العنترية, وستبقى فلسطين ترزح تحت نير الاحتلال, وستكون هناك مجزرة اسرائيلية أخرى أكثر فتكا من كل المجازر السابقة,  ستواجه مرة أخرى بالشعارات والتصريحات والتنديد العربي, يضاف إليه هذه المرة العويل التركي لا أكثر ولا أقل.
فهل يتعلم العرب مرة واحدة من دروس الماضي?
أحمد الجارالله
 

 

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك