المهاجم الأميركي والتمريرة البرازيلية

عربي و دولي

لولا داسيلفا مرر مبادرة برازيلية لإيران، لكن بالملعب لاعبون كثر

1824 مشاهدات 0

صورة مركّبة للرئيس أوباما يرفب تمريرة برازيلية


تعود أسطورة لاعب كرة القدم البرازيلي بيليه إلى عام 1962، عندما راوغ أربعة مدافعين ليسجل هدفا لبلاده ضد المكسيك، لكن دوره كصانع ألعاب يفوق كل مهاراته التي من ضمنها لعبة الكرات الخلفية. ففي بطولة كأس العالم 1970 فاز منتخب البرازيل على تشيكوسلوفاكيا «4-1»، وقد سجل بيليه هدفا بعد تمريرة مع جيرسون استقبلها على صدره وسددها في المرمى، وأمام إنجلترا صنع بيليه الهدف الوحيد لجارزينيو، وأمام رومانيا سجل الهدف الأول ثم سجل هدفاً آخر لتنتهي المباراة بفوز البرازيل «3-2». وأمام منتخب بيرو فازت البرازيل «4-2». وقد صنع بيليه الهدف الثالث لتوستاو، ومع أوروغواي فاز منتخب البرازيل لكرة القدم «3-1» بعد أن صنع بيليه هدفاً لريفيلينو. وفي المباراة النهائية أمام منتخب إيطاليا لكرة القدم افتتح بيليه تسجيل الأهداف برأسية، وبعدها صنع هدفا لجارزينيو وكارلوس ألبرتو، وانتهت المباراة بفوز البرازيل «4-1».
وفي سياق المساعي الدبلوماسية الرامية لحل أزمة النووي الإيراني وقعت إيران اتفاقاً بينها وبين تركيا والبرازيل صباح يوم الاثنين 17 مايو الجاري يقضي بتبادل اليورانيوم الإيراني الضعيف التخصيب بوقود نووي برازيلي عالي التخصيب في تركيا. هذا الاتفاق الذي تلقفه المراقبون كمؤشر على انفراج أزمة الطموح النووي الإيراني قابلته واشنطن بطلب تشديد العقوبات على إيران في مجلس الأمن الدولي، مما يوحي بتململ الأميركيين من النشاط البرازيلي والتركي في الملعب الذي اعتبرته واشنطن ضمن مناطق نفوذها.
وليس هذا المقال لمناقشة الخطوات الواثقة التي أخذت برازيليا وأنقرة في وضعها بكل ثقة على الساحة الدولية، لكن الرئيس البرازيلى «لولا دا سيلفا» يدعو للإعجاب كمواطنه بيليه، حيث يستند في سعيه لوضع اسم بلاده على خريطة الأحداث على قوة شخصيته وعلى قوة اقتصاد بلاده الذي يحل ثانيا في القارة الأميركية بعد الولايات المتحدة، وأضخم اقتصاد في أميركا الجنوبية قاطبة. أما رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان فيرى بلاده وهي في صعودها الإقليمي إنما تستعيد دوراً تم تهميشه من قبل الحكومات العلمانية السابقة مستندة على موقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب وعلى إرث الدولة العثمانية الحضاري، وعلى كونها عضوا بارزا في حلف الناتو، ومبادرة أنقرة التي بعضنا في دول مجلس التعاون جزء منها، بالإضافة إلى الاقتصاد التركي المتنامي.
لقد استغرق الجهد الدبلوماسي البرازيلي-التركي مع إيران 18 ساعة من المفاوضات، حيث تمخضت عن موافقة طهران على إرسال 1200 كلغ من اليورانيوم الضعيف التخصيب «%3.5» إلى تركيا لمبادلته في مهلة أقصاها عام واحد بما يصل إلى 120 كلغ من الوقود العالي التخصيب «%20» وهو ما تحتاجه إيران لتشغيل مفاعل الأبحاث لديها.
لقد كان دور البرازيل في هذه الاتفاقية واضحاً للعيان لكن واشنطن لم تستهوها تمريرة الكرة البرازيلية الرشيقة التي تشبه ما كان يقوم به فريق السامبا في السبعينيات، وهي التي اعتادت على التمريرات الأوروبية الرتيبة والتي لم تنجح في الوصول إلى نصف الملعب الإيراني، فضاعت فرصة الجهود الدبلوماسية ودخلنا في متوالية العقوبات. فهل ستوسع شقة الخلاف بين الطرفين وتقوي صلف كل منهما، أم ستؤتي ثمارها؟
ولعل من المثير في هذه القضية أن نتتبع ما يريد جمهور المشاهدين، المتابعين لهذه المباراة، وهل كان منهم من كان يتمنى نجاح الوساطة البرازيلية التركية، ومعها التقارب الأميركي الإيراني؟
إن علينا أولاً أن نقول إن إيران تمتلك أقوى قوة عسكرية تقليدية في الميدان، ولو لم تثقلها العقوبات الاقتصادية المتتالية لكانت ماردا عسكريا يخشى الجميع إفلاته من عقاله. وأول من يقلقه عودة إيران إلى حرية الحركة بعد الانطلاق من قيد المماحكات مع المجتمع الدولي هي دول مجلس التعاون، ليس فقط انزعاجاً من قوتها العسكرية، بل من عودتها إلى سوق الطاقة العالمي بما تملكه من احتياطيات ضخمة قد تؤثر في الأسعار مما يجعلنا قريبين من عودة السيناريو الذي فرض نفسه بعد خروج صدام من معركته الخاسرة مع إيران، وإملاء شروطه النفطية على دول الخليج.
أما إسرائيل وهي أكثر المتفرجين انفعالا فترى في عودة إيران إلى زمن ما قبل طموحها النووي شرا مستطيرا أكثر مما هي عليه الآن بحكم أن إيران الآن في مواجهة العالم كله. أما عودتها لحالتها السابقة فيضيفها إلى هموم إسرائيل الجديدة ومنها الهم التركي والتحول في العلاقات مع مصر، إلى جانب هم حزب الله في لبنان وصواريخه المرعبة للصهاينة.
أما تركيا -حسب تحليل مصادر غربية منها ما كتبه جورج فريدمان في 19 مايو الجاري- فتسعى منذ فترة لتحييد إيران وفرض نفوذ أنقرة على المنطقة، رغم تعارض ذلك منطقياً مع جهودها الحالية في عملية تبادل اليورانيوم. أما باكستان فلا تروق لها رؤية إيران وهي منافستها في أفغانستان، وقد عادت إلى تحسين علاقتها مع المجتمع الدولي أو مع الولايات المتحدة خاصة. أما المجموعة الأوروبية فقد أرهقها تتبع سياسة الولايات المتحدة السلبية تجاه إيران، ويسعدها التحول إلى النقيض من ذلك للاستفادة من الغاز الطبيعي الإيراني بدل الغاز الطبيعي الروسي المهينة شروطه. أما روسيا التي أقامت مفاعل بوشهر وبصدد توريد نظام الدفاع الجوي الاستراتيجي «S300» لطهران فمن صالحها استمرار النزاع الإيراني الأميركي، وفي الموقف نفسه تتقدم جمهورية الصين الشعبية على روسيا في تمنّي بقاء العلاقات الإيرانية الأميركية كما هي من السوء، لكن بقية دول شرق آسيا الصناعية لا تشارك بكين هذا الرأي، لأن إنهاء عزلة طهران يعني فتح الأبواب أمام الاستثمارات الآسيوية في ميادين الطاقة، كما أن تعكر العلاقات بين إيران والغرب يعني اقتراب الخطر من مضيق هرمز، الذي تمر منه سفن اليابان وكوريا وسنغافورة محملة بالنفط والبضائع.
لقد اشتهر بيليه كما قلنا بالكرات الخلفية Backward وبقراءة حركة الخصم من المدافعين وهذا ما فعله الرئيس البرازيلي «لولا دا سيلفا» مع الإيرانيين لكنه لم يفطن إلى ما في ذهن زملائه في نفس الفريق في المجتمع الدولي.

د.ظافر محمد العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك