إشكالية الجاهزية القتالية الخليجية
عربي و دوليرافال، أس 300 إكسوسيت وترايدنت وغياب التنسيق الخليجي
مايو 18, 2010, 9:20 ص 2639 مشاهدات 0
في عالم التسلح يأتي الخليجيون كجسر لم يتأثر بحركة السائرين عليه، فقد استوردنا قطعة المعدن ولم نستورد الأنظمة ومقاييس الجاهزية التي تخص أهل تلك الأسلحة؛ حيث لا يقف مسؤول عسكري خليجي برتبه ونياشينه إلا وأوصى بالاستمرار في رفع الجاهزية القتالية، يشاركه صانع القرار السياسي الخليجي فيسوق بسطحية مخلّة مبدأ أن زيادة التسلح زيادة في أمن الوطن من خلال ثغرة رفع الجاهزية القتالية. وتستمر متلازمة الصفقات والإخفاقات في المؤسسة العسكرية في دول مجلس التعاون، كما يستمر انهمار الأسلحة على دول المجلس عبر صفقات تسلح ضخمة مثل ما يدور مؤخرا عن مشروع شراء طائرة الرافال (Rafal) الفرنسية للكويت، وصواريخ ترايدنت (Trident) للسعودية، وصواريخ S300 للإمارات، وصواريخ إكسوسيت (Exocet missiles) الفرنسية لقطر، ما يوجب فتح ملف إشكالية الجاهزية القتالية للجيوش الخليجية؛ حيث إن كشف تدني الجاهزية القتالية صار أمراً مطلوباً في شفافيةِ عسكريةِ القرن الـ21؛ فقد نشرت مجلة تايم الأميركية في منتصف أبريل 2010 أن القوات البريطانية تمر بأزمة كبيرة في جاهزيتها القتالية في ظل ضعف المعدات العسكرية الدفاعية وتزايد أعداد القتلى بين جنودها في الحروب الحالية، ووفقاً لبيانات سجلات وزارة الدفاع البريطانية، فإن واحداً من كل 5 جنود بريطانيين يعتبر غير لائق للخدمة العسكرية، خاصة في جبهات القتال الأمامية، والمهم في الأمر أن الشفافية في كشف تدني الجاهزية القتالية البريطانية لم تؤثر على أمن المملكة المتحدة. فهل شراء السلاح من قبلنا هو الحل لرفع الجاهزية القتالية؟
في 2 أغسطس 1990 ظهر الانكشاف العملياتي والاستراتيجي ليس للقوة العسكرية الكويتية وقوة درع الجزيرة فحسب، بل لمنظومة الأمن الجماعي لمجلس التعاون في أقسى صورها. وتوالت الأزمات التي مرت بها جيوش دول مجلس التعاون، بدءاً باحتلال الخفجي المروِّع في قاطع عمليات القوات الخليجية عام 1991، ثم تعرض الكويت لصواريخ «سيلك وورم» الصدامية إبَّان حرب تحرير العراق 2003، رغم نذر الحرب وشبكات الإنذار ومظلة باتريوت، إلى المواجهات الدامية بين الحوثيين والقوات المسلحة السعودية 2010م.
فهل سمعنا بإقرار من مسؤول خليجي واحد بتدني جاهزية قواته القتالية؟! لن نجد مسؤولا واحدا عسكريا أو مدنيا على استعداد للقول بعدم جاهزية القوات المسلحة الخليجية، وكأننا أسبرطة اليونانية ومقاتلوها الـ300 الذين أوقفوا جيش فارس.
وفي ذلك الحذر جزء بسيط من الصحة؛ حيث صار السر العسكري منحصراً بقدر كبير في الجاهزية القتالية. لكن تحفظ المسؤول الخليجي لم يمنع كينيث بولاك Kenneth Pollack مدير قسم الأبحاث والدراسات في مركز سابان للشرق الأوسط بمعهد بروكينغز بواشنطن من أن يقول في كتابه «العرب في الحرب.. الفعالية العسكرية» (1948-1991 Arabs at War: Military Effectiveness): إن نقطة الخلل المفصلية في ضعف الأداء العسكري العربي عموماً هي بؤس الصيانة والعناية بالسلاح؛ حيث يقول: «يبدو أن هذه كانت مشكلة كبرى تعانيها معظم الجيوش العربية وكانت لها آثار مهمة على صعيد المعركة، وتفاوتت درجة تفاقم المشكلة بين جيش وآخر ووصلت في بعض الجيوش درجة سيئة من الإهمال حتى فيما يتعلق بالسلاح الشخصي. لكن الأهم هو المشاكل المتعلقة بصيانة الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدافع وطائرات؛ إذ كان لها دور كبير في تحديد الجاهزية العملياتية للجيوش العربية قبل دخول المعركة وكان متوسط هذه الجاهزية يبلغ 50-%65 بشكل عام في حين كانت نسب 70-%80 نادرة ونسب 25-%30 ليست قليلة. وهذا أدى في قسم من الحالات إلى دخول بعض الجيوش العربية الحرب دون قدراتها الكاملة». فما البؤس الذي ينتظر رافال.. أس 300.. إكسوسيت وترايدنت ؟
الجاهزية القتالية (Military Readiness) في الموسوعة هي «الوصول بالقوات المسلحة إلى قدرة قتالية محسوبة؛ بحيث تستطيع أن تخوض الحرب ولديها الكفاية من الأفراد والأسلحة والمعدات التي تصل إلى نسبة %100 أو أكثر، وتكون قادرة على استمرار المحافظة على هذه النسبة أثناء المعركة بعملية الإمداد المستمر للبقاء على درجة الجاهزية بأعلى معدلها». وإن أشد ما يؤلم في موضوع جاهزية القوات الخليجية هو عدم فهم معنى الجاهزية بحق والتي لا يوجد أساس لدى بعضنا لقياسها إلا بعدد قطع السلاح وسنة صنعه رغم وجود عِلم عسكري كامل تحت اسم قياس الجاهزية العسكرية (Assessing Military Readiness)؛ حيث يظهر قصور الجاهزية في الجيوش الخليجية بشكل رئيس، كما نعتقد في أن هياكل تلك الجيوش فضفاضة غير متناسقة، فهناك لواء مدرع مصمم تشكيله على استيعاب 5 آلاف مقاتل، ومع أن البطالة تضرب بأطنابها في أجزاء عدَّة من مناطق الخليج إلا أن العسكريين في ذلك اللواء لا يصلون إلى 500 رجل، ناهيك عن عدم الأخذ بنظام الخدمة الإلزامية التي من الممكن أن تمثل رافدا لسد النقص من أبناء الخليج أنفسهم.. من جهة أخرى تقف مدرعات ذلك اللواء بسبب أعطال تافهة لا يتعدى سبيل إصلاحها أكثر من إصلاح النظام اللوجستي لتوريد قطع الغيار.
كما أن من أوجه قصور الجاهزية الخليجية عدم اعتماد سياسة التكامل المتناسق ليس بين دول المجلس فحسب بل في البلد الخليجي الواحد نفسه، فنصف الرجال يحملون بنادق «M16» الأميركية بينما يحمل آخرون بندقية «كلاشينكوفAK47» ويحمل البقية بندقية «جي 8»، ما يعني اختلاف نوع الذخيرة بينهم وتوقف ثلث مقاتلي اللواء لو تعثر إمدادهم بذخيرتهم الخاصة لعدم ملاءمة ذخائر الآخرين لبنادقهم. من جهة أخرى يجد قائد مركز توجيه المقاتلات الخليجي سرب طائرات الاعتراض من الميراج وسرب طائرات الأباتشي وسرب طائرات الهوك وسرب طائرات التورنادو وأف15 وأف16، وأف18؛ حيث لا تكمل جاهزية بعضها بعضا بالأدوار القتالية، مع أن كل واجب عمليات جوي يحتاج إلى صهريج وقود وطائرة تشويش وطائرات حماية.. ذلك كله غير الطائرة المنوط بها تدمير الهدف، فأغلب طائراتنا صفقات سياسية بالدرجة الأولى، ولطالما انكشف قصور جاهزيتها بأعذار نجلد بها بيئتنا الصحراوية القاسية، فالغبار قد أتلف محركات نصف هذا السرب، وقسوة الحرارة قد أدت لتشقق بدن ثلث طائرات ذلك السرب، ولدواعٍ أمنية تم إيقاف جميع المقاتلات هنا وهناك، فتوقفت أبسط العمليات وأهمها وهي الدوريات الجوية (combat air patrol)، ما يؤدي لانكشاف البلد أمام العدو ساعة شروق الشمس وساعة غروبها.
تتطلب الجاهزية القتالية كما هو معروف في جميع المدارس العسكرية أن تكون نسبة جاهزية رجال ومعدات الوحدة العسكرية %70 حتى يسمح لها بدخول المعركة. لكن المعيار الحالي لقياس الجاهزية القتالية الخليجية يتم من خلال إظهار 20 دبابة من أصل 100 دبابة، أو 15 طائرة من أصل 80 طائرة في العروض العسكرية المبهرة، كما تظهر أدوات قياس الجاهزية القتالية لدينا في المناورات والتمارين ببيان ختامي مطعم بمبالغات ومزاعم لا أدلّة أو قرائن عليها؛ حيث لا نسمع فيها إلا «أن المناورة قد حققت جميع أهدافها»، ما يعنى جاهزية تلك الوحدة %100. وما ذلك إلا استغلال بشع لتواري العديد من المؤسسات العسكرية عن الرقابة داخل معسكرات محصنة.
من جانب آخر وللانصاف تجدر الإشارة إلى أن انتقاد قدرات المؤسسة العسكرية في أي بلد بغير سند يُحدث الكثير من الضجة والقليل من التقدم، وما إدخال جاهزية العسكريّ في المماحكات السياسية إلا عبث لا تُحمد عواقبه. وما من سبيل لوقف متلازمة الصفقات والإخفاقات والتدخلات من السياسيين إلا باستحداث أجهزة لقياس الجاهزية العسكرية (Assessing Military Readiness) لتقوم بواجبها بسلاسة واحترام والتزام مؤسسي. وقد تلمس اللواء د.محمد فيصل أبو ساق ذلك في مقاله «رأي في الإدارة العسكرية» قائلاً: «من لا يعرف مفهوم الجاهزية قد لا يرضيه إلا أن يرى منشآت أو أشياء ملموسة مقابل تلك الميزانيات المدفوعة. بينما المحترف الحقيقي سوف يشاهد الميزانيات المدفوعة ويلمسها في مستوى احتراف الوحدة ومقدرتها ومهارات منسوبيها وانضباطهم ومهنيتهم وعملهم الجماعي وسلامة بيئتهم وقدرتهم على رد الفعل السريع وفعالية منظومة القيادة والسيطرة والاتصالات في مؤسستهم أو وحدتهم». لكن العتاب الخشن في حال تلمس القصور يظل أضعف الإيمان عندما يتعلق الأمر بأمن الأوطان.
تعليقات