حقائق حول الخصخصة والشرعية الدولية
الاقتصاد الآنمسألة تضارب المصالح واضحة وجلية في بعض أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية
مايو 3, 2010, 12:58 ص 3807 مشاهدات 0
خص الدكتور ثقل العجمي جريدة بالورقة التالية التي هي عبارة عن رأي قانوني في قانون الخصخصة الذي تم إقراره في المداولة الأولى:
قانون الخصخصة والشرعية الدولية
د. ثقل سعد العجمي – أستاذ القانون الدولي بجامعة الكويت
من جديد يقوم المشرع الكويتي – وبشكل خاص بعض أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الأمة – بإظهار عدم اكتراث واعتبار للشرعية الدولية والمتمثلة في الاتفاقيات الدولية التي صادقت دولة الكويت عليها وأصبحت ملتزمة باحترام ما جاء فيها من أحكام قانونية. ومن هذه الاتفاقيات الدولية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 والتي صادقت دولة الكويت عليها بموجب القانون رقم 47 لسنة 2006, حيث تضمنت هذه الاتفاقية الكثير من الأحكام القانونية التي تهدف إلى منع الفساد بأي صورة من الصور بما في ذلك الفساد التي قد يقع من عضو البرلمان أو الوزير في أي عمل من الأعمال الداخلة في اختصاصاتهم, ولعل من أهم صور منع الفساد الذي حرصت هذه الاتفاقية على تضمنيه في نصوصها هو ما جاء في المادة 7 من الاتفاقية والتي استلزمت الاتفاقية من خلال هذه المادة ضرورة منع تضارب المصالح وتعارضها. ولا شك أن مسألة تضارب المصالح واضحة وجلية في بعض أعضاء اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة عند قيامهم بوضع قانون الخصخصة, والذي قد يستفيدون منه بحكم ملكيتهم لحصص مؤثرة في كثير من الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية والتي قد تؤول إليها نسبة من ملكية المشروعات العامة كما جاء في المادة 16 من قانون الخصخصة.
ومع ذلك وعلى الرغم من وضوح هذا الالتزام الدولي ووضوح المخالفة لهذا الالتزام فقد يقول البعض أن أحكام هذه الاتفاقية غير قابلة للتطبيق إلا بعد صدور قوانين من السلطة التشريعية أو لوائح من السلطة التنفيذية, وفي ردنا على ذلك نقول ما يلي:
أولا: إن الدولة بعد المصادقة على أي اتفاقية تلتزم فور هذه المصادقة بتنفيذ وتطبيق ما جاء فيها من أحكام قانونية, وفي ذلك تقول المادة 26 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول لعام 1969 أنه يجب على الدولة أن تقوم - وبحسن نية - بتنفيذ الاتفاقيات الدولية التي التزمت بها.
ثانيا: إن عدم إصدار قوانين داخلية أو لوائح تنفيذية لا يجوز أن يكون سببا في عدم تنفيذ الاتفاقيات الدولية, وفي ذلك تقول المادة 27 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات بين الدول لعام 1969 أنه لا يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية دولية أن تحتج بقوانينها الداخلية كسبب لعدم تنفيذ التزاماتها الدولية. والسوابق الدولية بهذا الخصوص كثيرة ومتنوعة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
• قضية ألاباما لعام 1872 بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفيها قالت هيئة التحكيم الدولية إن عدم منع القوانين الداخلية لتصرف معين لا يجعله مشروعاً إذا كان مخالفاً للقانون الدولي.
• قضية المصالح الألمانية في سيليزيا البولندية لعام 1926 في قالت المحكمة الدائمة للعدل الدولي أنه لا يجوز لدولة أن تتحلل من التزاماتها الدولية عن طريق التمسك بالقانون الداخلي.
• قضية النزاع الإقليمي بين تشاد وليبيا لعام 1994 وفيها قالت محكمة العدل الدولية أن القانون الدولي يفوق ويسمو على أي قانون داخلي مخالف.
ثالثا: إن الدولة مسئولة عن أعمال السلطات العامة الموجودة فيها بما فيها ذلك السلطة التشريعية والتي تثير أعمالها غير المشروعة مسئولية الدولة الدولية, ومن صور الأعمال المخالفة للقانون الدولي التي قد ترتكبها السلطة التشريعية هو قيامها بسن قوانين يتضمن إصدارها مخالفة للقانون الدولي أو عدم قيامها بإصدار القوانين اللازمة لوضع الاتفاقيات والالتزامات الدولية موضع التنفيذ, وذلك لأن القانون الدولي ينظر إلى الدولة كوحدة واحدة وبالتالي تعتبر أعمال سلطاتها العامة أعمالاً منسوبة إلى الدولة ككل.
رابعا: إن عدم إصدار مجلس الأمة لقوانين لوضع بعض أحكام اتفاقية مكافحة الفساد موضع التنفيذ هو تقصير وخطأ لا يجوز أن يستفيد منه من تسبب في وقوعه, وذلك لأن الكويت صادت على الاتفاقية منذ أربع سنوات وهي مدة كافية لإصدار القوانين اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.
أخيرا, فإنه ومما يخفى على الكثير فإن الاستعجال بإقرار قانون الخصخصة في هذه الأيام إنما هو بهدف ترتيب الأوضاع المالية وتوزيع المصالح التجارية قبل دخول اتفاقيات التجارة العالمية حيز التنفيذ بالنسبة للكويت في فترة تقل عن سنتين من الآن, حيث تلزم هذه الاتفاقيات الكويت بمعاملة التاجر أو المستثمر الأجنبي معاملة التاجر الكويتي دون أي تمييز, لذا فإن الخصخصة اليوم تهدف توزيع هذه المصالح قبل دخول هذا الأجنبي ومطالبته بمساواته بالمستثمر الوطني مما قد يضعف من القدرة التنافسية بين المستثمر الأجنبي والوطني ومن ثم يؤدي إلى التقليل من الفائدة التي قد تجنيها الدولة من هذا التنافس, وهو ما يسبب إضرارا للمال العام قد يشكل مخالفة لقانون حماية الأموال العامة. وهذا أيضا قد يكون دليل على سوء نية لدى البعض الذي يعرفون هذه الحقيقة ويحاولون الالتفاف على هذه الاتفاقيات الدولية.
تعليقات