الجهراء انتصرت قبل قرن، وهزمت هزيمة نكراء بعد قرن كامل-هكذا صور الشايجي معركة الجهراء عام 1920 مع هجوم متشددين لوقف حفل السريلانكيين

زاوية الكتاب

كتب 2537 مشاهدات 0


زمان قمري

قرن من الزمان القمري.. تعددت أهلّته.. وتكاثرت شموسه.. سطعت وغربت.. وأشرقت وغابت.. بزغت وعتمت..

تغيّرت الأشياء.. بأشياء.. والأزمنة بالأزمنة... والناس بالناس..

تناسل البشر.. وتكاثروا.

ودبّ النمل.. ودأب يسعى في مناكب منكوبة بمرّ الزاد.. .فما ملّ وما غلّ وما بشم..

وسعت ثعابين.. وتجردت حرباواتها من جلودها وبدّلنها..

وتقافزت عقارب.. سود وصفر.. نفثت في هذا سما فقتلته.. وداسها آخر بقدمه.. فترملت بسمّها..

اقتضمت اليابسة من زرقة البحر زرقة ورزقا كثيرا.. وانتهكت أعز ما يملك.. وخافت الأسماك في قيعانها وعقمت.

تشكلت سحائب وأمطرت.. وزمجرت السماء وأرعدت وأبرقت.

وانقشعت سحائب.. كأنها عذراء تفر من غيلة الليل.

> > >

قرن من الزمان القمري..

والفعل واحد..

والفاعل واحد..

والمكان واحد..

والفكر واحد..

يحلو الكلام.. تحت خيمة الغموض.. في ظلال غيمة التورية..

ما أكثر الكلام للستر أردية من كلام يتستر به كاتبه ويتدثر ويتدفأ..

يطول الكلام.. ولا ينفد..

فمن قصّر الكلام.. قصرت عليه مساحته.. وضاقت به أنفاسه.. وراح يخبط خبط عشواء في فيافٍ ضائعة خرائطها.. وفي بحار تشاكلت عليه نجومها..

ولكن من قال إني لن أجلّي الكلام أو لن أخرج من خيمة الغموض.. وغيمة التورية.. وأطلع كاشفا رأسي.. مزمجرة كلماتي.. ناصعة عباراتي.. مسددا سهمي صوب مرادي.. فأبطحه دونما وجل أو يد رعّاشة.. نخشى أن يطيش سهمها.

لقد دربت نفسي على صيد المراد.. وبلوغ الهدف.. والاتيان بالبيّنة محملة بالشهود..

> > >

قرن من الزمان القمري..

أما القرن القمري.. فهو قرن هجري تام.. يفصل بين معركة الجهراء الأولى.. ومعركة الجهراء الثانية..

الأولى.. فيها انتصار..

وفي الثانية هزيمة منكرة.

> > >

قرن من الزمان القمري..

والفعل واحد.. الفعل حرب على الكويت

والفاعل واحد.. شيطان أسود ذو قرون مسننة يطعن بها حرية الكويت..

والمكان واحد.. الجهراء الجاهرة الجهيرة.. نبت الشمس الساطعة...

والفكر واحد.. الاستعباد.. وتبديل الشرائع.. والانغماس في الجهل.. ووأد حرية الكويت.

> > >

نساؤهم.. حلُّ لكم

امتطوا خيولهم ولكزوها.. فحمحمت وصهلت وعدت عدوا.. تنهب الأرض نهبا.. صوب الكويت.. صوب جهراء الكويت.. من أجل إخراس صوت الكويت..

ولماذا الكويت..؟!

لأن في الكويت حرية.. والناس فيها «قليلو دين» يدخنون السجائر، ويأتون الأمور المنكرة.. وشيوخهم لا يحزّون الرقاب.. ولا يقطّعون الأيادي.. ولا يدقون الأعناق.. ولا يسملون العيون..

داخلهم المشركون ودخلوا بينهم.. أقام المشركون فيها مستشفى.. ومدرسة تعلم أبناءهم علوم الدنيا الدنيّة.

فالويل لهم.. ثم الويل لهم.. حاربوهم واقتلوهم حتى لا تكون فتنة..

إن الكويتيين خالفوا أوامر الله.. فحق عليهم القتال.. وحل فيهم القتل..

اسبوا نساءهم.. جواري لكم ومتاعا في لياليكم الحارة.. واقتلوا أطفالهم الكافرين..

واستعبدوا رجالهم.. رقيقا وعبيدا..

فهيا إلى القتال.. كبروا.. وتوكلوا على الله..

إنها الحرب.. إذن..

حرب المؤمنين ضد الكفار..

حرب معلنة على دار الكفر.. الكويت..

> > >

طارت غربانهم السوداء.. تحوم في سماء الجهراء.. تنعق بالشر.. وتنذر بالسوء.

وحمحمت خيولهم.. وصهلت.. وأشهروا سيوفهم.. ورفعوا أسنة رماحهم يبغون في الكويت شرا.. يسددون حرابهم صوب قلبها الحي.

يريدون استعباد الكويتيين.. ومنعهم مما هم عليه من شريعة الحق القاضية بتقدم الإنسان وحريته ورفاهيته وأخذه بأسباب التعلم والطبابة ومعطيات العصر.

تلك في نظر الاخوان الغزاة مبدعات.. وكل بدعة ضلالة.. وكل ضلالة في النار..

> > >

الجهراء الأولى

دعا داعي الحرب في المدينة الصفراء الصغيرة المستكينة.. نزّ طين بيوتها عرق السنين.. وكأنه يولول.. ونفرت رمال أزقتها.. واصطخب بحرها وزمجر.. وهاجت رمال صحرائها.

وانتظم العقد.. وتحلق الكويتيون حول كويتهم.. وطارت أشرعتهم الى الحرب.. الى الجهراء حيث الموقعة الفاصلة.. بين كويت ترتدي الشمس.. وكويت يدنسها الظلام..

انتصرت شمس الكويت.. على كويت الظلام..

أبت الكويت.. دنس الغزاة وما يحملون من عتمة

الكويت لا تستباح..

والكويتيون.. لا يُستعبدون..

فكان النصر.. وكانت الحرية.. وكانت العزة للكويت ولمن أرادها حرة تعيش في حدائق النور..

وجاء حامل البشارة.. يبارك للكويتيين كويتهم..

يبشر بالنصر..

ومنذ ذاك التاريخ.. عقدت الكويت اتفاقا مع نفسها بأنها «بنت النور».. بنت الحياة المتجددة.. بنت الغد.. وبأنها ترفض تسليم قيادها للناكصين الى الوراء.. المتقهقرين خوفا من الحياة وجديدها وربابنتها الجدد..

> > >

الكويت تلك.. الصغيرة.. الفقيرة.. البسيطة.. التي لم يكن لها جيش جرّار.. ولا عساكر مدربون.. ولا منظّرون ينظّرون.. ولا أموال تعجز خزائنها.. ولا «دستور» ولا.. حماة للدستور.. ولا مجلس نيابي.. يمثل الشعب.. ولا حكومات تجيد.. لبس البشوت.. وتعطيرها.. وتلتزم الصمت عند الملمّات.. وتخاطب النمل في الهزيع الأخير من الليل.

تلك الكويت.. انتصرت في الجهراء على غزاتها.. وردت كيدهم الى نحورهم..

ولكن ماذا عن الكويت «الدولة».. ذات المؤسسات والدستور والحكومات.. والجيش والشرطة والعساكر والمخافر.. والدوريات الراكبة والراجلة.. والهجانة والخيالة.. والمدافع والطائرات والبارجات؟

عضو الامم المتحدة.. والمنظمات الدولية والتي يمثلها سفراء في شرق الارض وغربها.. وشمالها وجنوبها.. والتي ترتفع اعلامها خفاقة في كل صقع من اصقاع العالم.. والتي.. والتي.. والتي..

ماذا عن هذه الكويت العظيمة؟

هل انتصرت في معركة الجهراء الثانية.. بعد قرن قمري من الوقعة الاولى؟

مباشرة أجيب.. لأن الجواب لا يحتاج تمهيدا ولا فرشة.. كي لا تنجرح المشاعر..

لا.. لا..

لقد انهزمت الكويت في موقعة الجهراء الثانية..

انتصرت الكويت القديمة العديمة الفقيرة الصغيرة..

وانهزمت الكويت الكبيرة الغنية ذات المؤسسات..

كيف..؟!

> > >

الجهراء الثانية

يوم الجمعة.. التاسع من جمادى الاولى.. لسنة 1431 هجرية.. الثالث والعشرون من ابريل لسنة 2010 ميلادية.. وفي الجهراء.. نفسها التي كتبت فيها شهادة النصر الكويتي قبل قرن من الزمان القمري.

هذه «الجهراء» ذاتها.. تكتب فيها في ذلك اليوم.. شهادة الهزيمة لكويت المؤسسات.. كويت الدولة..

انتصر في ذلك اليوم.. نفر من السابلة العزل.. ليس في ايديهم سيوف.. ولا يركبون جيادا جامحة.. على الكويت الحديثة.. الكويت الدولة.. الكويت الدستورية..

هؤلاء السابلة.. وارثو فكر الغزاة القدماء.. لم يهنأ بالهم.. ولم ترتح ضمائرهم.. لأمر من امور الدولة.. وشأن من شؤونها.. تمثل في حفل اقامته الجالية «السريلانكية» في البلاد.. بمباركة دولة المؤسسات والدستور.. فراحوا ـ وبمنتهى البساطة ـ يقيمون شرعهم هم.. ناسفين الدولة بقضها وقضيضها ومؤسساتها ودستورها وكل ما تملك.. وقرروا الغاء الحفل.. فكان لهم ما ارادوا..!

سقطت الدولة الكبيرة.. بنفخة من افواه بعض السابلة..

بينما صمدت البلدة القديمة الصغيرة وانتصرت على الغزاة المدججين بالسلاح وبرباط الخيل..

يا للسخرية..

أليس ذلك مبكيا.. مضحكا؟!

البلدة الصغيرة تنتصر على الغزاة المسلحين والمدربين على الحروب والذين ارادوا فرض فكرهم المتخلف عليها.. بينما الدولة الكبيرة الدستورية.. تنهزم امام نفر قليلين عزل يحملون الفكر ذاته..

فماذا حدث.. ايتها الكويت.. ويا ايها الكويتيون.. ويا حكومة الكويت «الدستورية»؟!

> > >

تحت ظل القانون

ذوو العرق الاسمر وذواته من الكادحين والكادحات، المستعبدون في بلادنا والمستعبدات، من ابناء الجالية السريلانكية وبناتها، والذين واللواتي ندين لهم ولهن بالكثير من امور حياتنا، ولا يدينون لنا بشيء، سوى تلك الدريهمات القليلة التي نلقي بها عليهم وعليهن في كل شهر كأجرة لا تتناسب مع ما يبذلونه من جهد في خدمتنا وترفيه حياتنا، هؤلاء القوم الافاضل الكرام، تجمعوا تحت ظل القانون وبحماية الحكومة الشرعية والدستورية للاحتفال بيومهم الوطني على طريقتهم، وايا ما تكون طرائق احتفالهم فهم أحرار في كيفية احتفالهم، لكن قرون الشياطين راحت تنغز خواصرهم وسيوف التشفي الاعمى راحت تنغرز في صدورهم.

ويا للمفارقة.. فإن ذلك يحدث في الجهراء الابية التي رفضت في الامس البعيد الاستسلام أمام هذا الفكر المتخلف نفسه.. الذي انتصر يوم الجمعة الفائت..

ان الذي انهزم في موقعة الجهراء الثانية.. هم ليسوا ابناء الجالية السريلانكية وسفيرهم.. بل ان الذي انهزم هو الكويت كلها بما كانت تحمله من فكر تنويري جاهدت به اعداءها في معركة الجهراء الأولى.. وتخلت عنه دون مقاومة في معركة الجهراء الثانية!

نبش القبور

لا يستغربن أحد منكم أيها الكويتيون.. اذا ما طرق بابكم طارق ليقول لكم.. ان هذا البيت ليس لكم.. فانفروا منه خفافا او ثقالا.. لأن شريعتنا التي أقمناها لا تبيح لكم التملك.. لأنكم من أهل الكفر والنار.. وليس لكم حق في ديار المسلمين..

ولا يستغربن أحد منكم.. اذا ما تصدى له صبي في الشارع وقرعه على رأسه بدرة مسننة..

ولا إذا ما فوجئ احدكم.. بأن زوجته لم تعد زوجته.. وابنته خرجت من عباءة شرعيته..

ولا.. ولا.. ولا.. وقد ينبشون القبور.. ليحرقوا ما تبقى من رميم عظامها.. لأن ساكن القبر.. كان مقصرا في حياته.. ولم يؤد واجبه حسب شرع الجماعة..

من الذي يضمن لكم حياتكم وبقاءكم على هذه الأرض التي تدعى الكويت.. بعدما غابت قوانين الدولة ونامت وديست في ملعب الجهراء..

وما الضمانة في ردع قانون الغاب الجديد.. مادامت الدولة صفّدت أيديها.. واستسلمت «شرعا» لأولئك الغزاة الجدد.. ورثة فكر الغزاة القدماء..

والعجيب صمت الدولة ورضاها في تخليها عن حماية دستورها وقوانينها..

والأعجب منه.. سكوت مجلس الأمة والمطنطنين بـ «الدستور» وحمايته.. فهل هناك انتهاك للدستور اكثر من ذلك الانتهاك وأبشع؟!

أما أعجب العجب.. فهو سكوت «الشارع الكويتي» والذي مر عليه الأمر وكأنه لم يُطعن في كرامته.. ولم تُدس حقوقه..

كيف يتحرك هذا الشارع.. للدوائر الخمس.. ويعقد الحلقات ويتظاهر ويعتصم و«يتبرقل» باللون البرتقالي.. مطالبا بالدوائر الخمس.. أو الموت الزؤام؟!

ويحشد التجمعات ويسيّر المسيرات بالآلاف.. انتصارا لفلسطين.. ولـ «حزب الله».. وينام ملء جفونه.. بينما دماء شهداء الجهراء الأولى.. تنزف داخل قبورها وتصرخ..

لم إذن ضحى أولئك الشهداء.. بحياتهم؟

لم ماتوا؟ أليس في سبيل الكويت البيضاء المستنيرة؟‍‍!

كيف لم يستفزكم أيها الكويتيون ذلك الأمر الجلل.. حين راحت زمرة سوداء الفكر.. تقيم شرعها وشريعتها.. رغم أنوفكم.. وأنتم سكوت صموت؟!

كيف تحرككم «الكوادر» والمطالبات المالية.. وتتجمعون بالآلاف وتهددون بالإضراب والتعطيل.. حتى تتحقق مطالبكم بزيادة دخولكم، بينما لا تحرككم النخوة تجاه بلدكم الذي ديست كرامته.. بتواطؤ واضح بين حكومتكم ومجلسكم النيابي.. وتلك الزمرة المنحرفة الضالة؟!

وأين الخائفون على «الدستور» من التعديل والتنقيح.. عما لحق به يوم جَمعة «السريلانكيين».. وموقعة «الجهراء» الثانية؟!

وإلى قرن قمري آخر

لم أحس ـ في حياتي منذ كتبت ـ بمرارة كما أحسستها اليوم وأنا أكتب هذه المقالة المطولة بالقهر.. ولم أحس بظلم كما أحسسته وأنا أشهد وقائع موقعة «الجهراء الثانية» وما أعقبها من تسليم.. وكأن الذي حدث هو ظاهرة من ظواهر الطبيعة التي لا راد لها.. أو كأنها حادثة مرور لم ينتج عنها سوى أضرار مادية بسيطة..

قد نحتاج إلى قرن قمري آخر.. حتى تستعيد «الجهراء» كرامتنا التي هدرت ولم يئن لها أحد.. أو يتوجّع!!

 

الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك