بخل الخليج يُقلق الغرب ؟!
عربي و دوليإبريل 25, 2010, 12:22 ص 5057 مشاهدات 0
يتجول المواطن الخليجي في شوارع بلده فيشاهد أعلام غريبه يعجز عن معرفة دولها، ويشاهد النشرة المسائية فيرى رجال من اقاصي الارض في معية قادته، ثم يقرأ صحيفة الصباح فيعرف ان العاهل السعودي أصدر توجيهات بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين من الفيضانات في إندونيسيا. وفي خبر آخر دفع أمير دولة قطر رواتب موظفي جزر القمر للأشهر لتسعة الماضية ، وقدمت الامارات مساعدات عاجلة لمنكوبي الزلزال في ايران. ويقرأ ان سلطنة عمان ومملكةالبحرين ودولة الكويت قامت بخطوات مماثلة . ويتساءل اين ستذهب اموالنا هذه المرة ؟
ثم يسمع صدى لكلماته يقول : ماذا يفعل الخليجيون بأموالهم ؟
السؤال الاخير كان هو الجمله الافتتاحية التي تسائل فيها باستهجان كل من 'Debra Shushan and Chris Marcoux ' في مقالهما المعنون (كرم العرب اقل من رخائهم ) ' Arab generosity not keeping up with Arab prosperity'. ويبني الكاتبان هيكل مقالهما على قاعدة بيانات تسمى 'Aid Data' حيث عقد مؤخرا مؤتمر في اوكسفورد ثبت من خلاله ان دول الخليج العربي التي كانت صاحبة تبرعات في السابق وخصوصا الكويت والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة قد أصبحت أقل كرما في السنوات العشر الماضية رغم الثراء الفاحش الذي اصابها في الفترة نفسها .
بل ان التقرير يتجاوز تهمة البخل دون حرج الى تهمة جديدة وهي الاعانات غير المعلنة او الاعانات غير المشروعة وخصوصا من قبل المملكة العربية السعودية وبدرجة اقل دولةالكويت ودولةالامارات العربية المتحدة .
أما كيف وصل الباحثان الى قرار وصمنا بالبخل فيذهبان الى أن قياس ذلك يتم من خلال حساب النسبة التي تتبرع بها الدول من دخلها القومي .وقد حددت الامم المتحدة تلك النسبة منذ عام 1970م بما يصل الى0.7 % من دخلها القومي . وعليه فالدول الخليجية موصومة بالبخل منذ عام 2000م وما اعقبها من سنوات حدثت خلالها طفرة نفطية ثالثة جعلت الدخل القومي لتلك الدول يتضاعف مرات عدة دون ان يصاحبة ارتفاع في نسبة التبرعات .
نقرأ ذلك وفي الوقت نفسه نستمع الى مايناقضه تماما . حيث تقول السكرتير الثالث في وفد دولة الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف الشيخة جواهر ابراهيم الصباح امام مجلس حقوق الانسان 'ان الكويت تقدم مساعدات انسانية تنموية للعديد من الدول في العالم تتجاوز النسبة التي تطالب بها الأمم المتحدة وهي %0.7 من الناتج القومي الاجمالي اذ بلغت %1.31. وادراكا لاهمية التعاون الدولي للحد من الفقر ورغبة منها في الحفاظ على الكرامة الانسانية قدر المستطاع دعا سمو امير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الى عقد أول قمة اقتصادية تنموية للدول العربية استضافتها دولة الكويت في يناير 2009 حين تم اعتماد مقترح الكويت بانشاء صندوق برأسمال قدره مليارا دولار امريكي بل و التزامها بتقديم 500 مليون دولار للمساهمة في تحسين مستوى المعيشة للمواطن العربي'.
ثم يأخذ التقرير نفسه المنشور في مجلة السياسة الخارجية' Foreign Policy' في 23 أبريل 2010م منحى اخر ويذهب الى تحريض الدول العربية على الدول الخليجية من خلال القول بأن ماقدمته الدول الخليجية من مساعدات للدول العربية في الفترة 2002-1998م كان 11.3 مليار دولار ثم انخفض الى 10 مليار فقط في الفترة 2007-2003م . بل إن نسبة المساعدات التي تلقتها الدول العربية من الخليجيين كانت تمثل 22% من قيمة المساعدات الخارجية ثم انخفضت الى 9% فقط في الفترة الثانية رغم الغنى الفاحش الذي اصاب دول الخليج .
وحتى لاينقاد إخواننا العرب الىمثل هذا التحريض الرخيص فقد جاء في دراسة تحليلية أجراها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، أن قيمة المساعدات الإنمائية العالمية الدولية ارتفعت من 42 مليار دولار أميركي في 1970 إلى 233 ملياراً في 2003، ساهمت السعودية بـ 69,5 في المئة، الكويت 16,5في المئة، الإمارات العربية 1, 11 في المئة، قطر 3, 2 في المئة، وعمان 6, 0 في المئة . الدراسة أظهرت أن مجموع المساعدات حتى نهاية 2003 بلغ نحو 3, 23 مليار دولار أميركي، قدم الصندوق الكويتي للتنمية 8, 53 في المئة، والصندوق السعودي 32 في المئة، وصندوق أبو ظبي للتنمية 2, 14 في المئة. لغت المساعدات الإنمائية التي قدمتها دول مجلس التعاون الخليجي 114,6 مليار دولار أميركي منذ 1970 حتى 2003، وشملت 127 دولة معظمها دول عربية.
ثم يخفف التقرير من تحامله علينا ويرجع سبب التراجع في الكرم الخليجي الى ذهابه عبر قنوات غير مباشرة مثل الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي و الاجتماعي لبنك الإسلامي للتنمية و صندوق أوبك للتنمية الدولية والمصرف العربي للتمية الاقتصادية في افريقيا . وفي ذلك التحول صارت المساعدات تجد طريقها لاقامة البنية الاسسية للدول المتلقية ، بدل ذهابها لجيوب الحكام وحاشيتهم .
اما للمهتمين بنشر الديمقراطية فيخلص التقرير الى ان للبخل العربي الخليجي جوانب مظلمة لأن الخليجيون لايشترطون على المتلقي توسيع قاعدة الديمقراطية عند التبرع باموالهم 'oil aid' كما تفعل الدول المانحة الاخرى . كما يخلص التقرير الى ان دخول دولة قطر وليبيا الى قائمة الدول المتبرعة سيغير من قاعدة بيانات المتبرعين .
واخيرا يجيب التقرير عن سؤاله الافتتاحي عما يفعل الخليجيون بأموالهم ؟
وفي ذلك لا يجرؤ التقرير على القول بمباشرة وبساطة انها ذهبت الى الانفاق الحكومي على المشاريع المحلية، لان ذلك هو ماتم بالفعل لاغلب عوائد النفط الخليجية التي نرى الازدهار العمراني من اثرها. بل يعلل ذلك بطريقة خبيثة ويقول بأن تلك الاموال كانت هي الطريقة الوحيدة التي استطاعت بها حكومات الخليج شراء ولاء مواطنيها !
نقرأ ذلك ونشعر في الكويت بحرج موقف حكومتنا التي خسرت في هذا التقرير جهودها على الساحة الدولية للعمل الانساني، وهاهي امام جولة مماحكات جديدة مع مجلس الامة الذي يستنكر إسقاط الديون العراقية ومساعدات حكومة الكويت الخارجية لكثير من الدول في الوقت الذي تصر على إغلاق الأبواب أمام اسقاط فوائد الديون عن المواطنين.
تعليقات