المستشار والنجار والمختار والسمسار !

زاوية الكتاب

كتب 1111 مشاهدات 0

حجاج بوخضور

عطفا على تكليف بلير بمهمة استشارية وايضا ما يجرى من ابرام صفقات مشبوهة واقرار قوانين ملغومة تذكرت قصة تحكى فى احدى الدول من ان مستشارا يعمل مدرسا لمجموعة من الطلاب قدراتهم متفاوته الذكاء،  فبعضهم ألمعي والبعض الأخر غبي، وكان المستشار يتعامل مع الجميع على انهم أغبياء كالحمير لكى يضمن من الجميع فهم دروسه، وكان له جار ليس له ذرية من الأبناء يعمل نجارا ذو نفوذ سياسى واقتصادى واجتماعى.
 
ذات يوم والنجار بطريقه الى منزله يجر حماره المدلل معه سمع المستشار يصرخ بأعلى صوته وهو يدرس الاولاد، قائلا : سأجعل منكم يا حمير رجالا عظماء لكى تتبوؤا مراكز قيادية في البلد، وتصبحوا من اصحاب الأعيان، وقف النجار عند منزل المستشار يستمع ويفكر بانتهازية سمجه وبسذاجة مقيته، فقال في نفسه: هذه فرصة لا تعوض وعلى أن استغلها، فسأرغمه على أن يجعل من حمارى المدلل غلاما لامعا يتبوأ مركزا قياديا مقابل تسديده لديونى المستحقة عليه.
 
عاد النجار إلى البيت من فوره واخبر زوجته المتسلطه بما سمع قائلا: أننا لا ننجب أبناءً والعمر بدأ يتقدم بنا، فلماذا لا نطلب من المستشار أن يجعل من حمارنا المطيع غلاما لنا، يرعانا حينما نكبر. فقالت  زوجته: ماذا تنتظر أسرع إليه واطلب منه ذلك مقابل ما عليه من دين.
 
انطلق النجار وهو يجر حماره الى بيت المستشار فطرق الباب وقال: أرجو أن تجعل من هذا الحمار غلاما مرموقا، فنظر إليه المستشار بذهول ماذا تقول !! فقال النجار: أقول ما سمعته منك منذ قليل وأنت تكلم طلابك وابناءك من انك ستجعل من الحمير شخصيات من اصحاب الأعيان، وسأتنازل عن ما تدينه لى من المال وسأمنحك فوق ذلك مكافأة ان جعلت منه شخصية تتبوأ مركزا قياديا.
 
ضل النجار يلح والمستشار مندهشا مما يسمع واخذ يحاول إقناعه بأنه لم يكن يعنى ما سمعه منه قبل قليل، ولما لم يجد فكاكا من إلحاحه وتصلفه فكر المستشار فى كذبة للتخلص منه ولو مؤقتا فقال: حسنا سأفعل ما تطلبه منى، ولكن هذا سيكلفك كثيرا وسيستغرق وقتا يمتد الى 6 شهور، فقال النجار ليكن ما تريد فسلم له مليون دولار والحمار.
 
بعد أن انقضت مدة 6 شهور طرق النجار باب المستشار يسأله أين أبنى..؟ أعنى الحمار الذي يفترض ان يكون غلاما الان، ارتبك المستشار واحتار فيما يرد به فإن صارح النجار اغضبه وهو لايقدر على بطشه فاستدرك الامر بكذبة اخرى قائلا: أين أنت يا هذا،، أن حمارك تحول الى شخصية مرموقة، واصبح مختار لبلاد بعيدة ومن الافضل ان تتركه هناك يستمر بعمله هذا حتى يعود اليك ويصبح من ذوى الاعيان، أليس ذلك ما كنت تريده؟. فقال النجار: نعم ولكنى لن انتظر حتى يعود بل سأذهب اليه لأطمأن عليه وأهنئه وسيتعرف علىّ وأذكره بمن كان قبل ان يصبح مختار وامتطائي ظهره ورعايتي له بتغذيته من كيس طعامه هذا الذي كنت أعلقه حول رقبته.
 
خرج النجار وهو فرحا مغتبطا، واخبر زوجته وجهز زاده ورحل إلى المدينة المجاورة  فخورا بما أل إليه حماره الذي اصبح مختارا للمدينة، وما سيجنى من خير بسلطته له في ترسيه المناقصات والمشاريع عليه.
 
فور وصول النجار الى البلاد البعيدة ذهب إلي وسط المدينة حيث مقر المختارية، وهناك وجد المختار يلقى كلمة أمام أعيان المنطقة فحاول أن يقترب منه فمنعوه ثم أخذ يلوح بيده يمينا ويسارا وبها كيس غذاء الحمار حتى شد انتباه المختار، فقال النجار: ها قد عرفني وتذكر فضلى عليه أخيرا. والمختار يسأل أعوانه متعجبا ماذا يريد هذا الرجل الذي بيده الكيس.
 
اقترب النجار إلى المنصة، ، فقال للمختار ألم تتعرف علىّ، لقد أوفى المستشار بوعده وجعلك رجلا مرموقا، فقال المختار: مستنكرا ماذا تقول!، قال : ما أقصد بقولي هذا هو أن المستشار قد جعلك يا حماري مختاراً، فقال المختار: ما هذا الهراء أى مستشار وأي  حمار وأي مختار، فغضب النجار مدمدما: ألم تتعرف علىّ أيها الحمار العنيد الغبي يا ناكر الجميل، ألا تعرف كيس الأكل الذي كنت  تجتر  منه ؟ ألم تأكل البرسيم كل صباح ، والتبن كل مساء، وهو يضرب كيس أكل الحمار بأنف المختار؟ مزمجرا ألا تتذكر كم من مرة إمتطيك كي تقلني من البيت إلي المشغل  ثم كيف تنسى سيدك الذي جعلك فيما أنت عليه اليوم؟
 
صعق المختار وهو يسمع هذا الجنون فأمر من مساعديه أن  يأخذو النجار إلى المستشفى ليعطوه شيئا  كي يهدأ من هلوسته، الا ان النجار لم ينتظر فمشي وهو يقلب كفيه على بعضهما البعض غاضبا، كيف يتجرأ حماري أن ينسي سيده هكذا بسرعة؟ لماذا يفعل ذلك ربما انه فقد الذاكرة حينما اصبح مختاراً، أم انه يريد أن يستأثر بالمشاريع وحده؟.
 
ظل النجار يتساءل مزمجرا ومتوعدا حتى عاد إلى بلدته وذهب مباشرة إلى المستشار فقص عليه ما حصل، فقال المستشار: أن الحمار يظل عنيد ولن يضيف الى عمله الا الافساد سواء كان رجلا أم حمارا، فقال النجار صدقت أنني لن استفيد من حماري وهو رجل فهو نسى نفسه واستكبر؟ أرجوك أن تعيد هذا المختار كما كان حماراً لينفعني كسابق عهده، فاستغل المستشار غباء النجار وقال له: أن ذلك سيكلفك مليون دولار أخرى، فدفع له النجار وبعد عدة ايام أحضر المستشار الحمار من الحقل الذي خبأه فيه، وقال للنجار: خذ حمارك فقد رجع كما عهدته، فأخذ النجار الحمار يكلمه ويجحشه في طريقه إلى المنزل ويقل له هل تعرفني الآن ؟ لقد كنت مختار وتكبرت علىّ، ورفضت ان تأكل من كيس أكلك هذا، فأخذ يجلده بالسياط صائحا خذ جزاءك والحمار ينهق من الالم.
 
وهكذا نجد ان بعض المتنفذين يفرضون فاقدى الخبرة والامانة والكفاءة لتنصيب ابناءهم واقرباءهم وحلفاءهم على مفاصل مقدرات الدولة فى المراكز القيادية بالمحسوبية والرشى والتسلط للتحكم بالمؤسسات والهيئات المسئولة عن تنمية وحماية المال العام ليتمكنوا من خلالهم تنفيذ مخططاتهم بالاستحواذ على الاصول المليئة وترسية المناقصات وابرام الصفقات المغبونة فى فترة ذروة تضخم الاسعار قبل الازمة وبيعها عند ادنى مستوى لها بعد الازمة. ومن ثم تتم الاستعانة بإستشارى لرفع العتب وتعويم المسئولية عمن تسبب بهدر المال العام.
 

الآن - رأي: حجاج بوخضور

تعليقات

اكتب تعليقك