المماحكات العصبية والقبلية والفئوية لا تستند إلى عقل أو ضمير كما يرى العنجري
زاوية الكتابالاستمرار بهذا الصراع سيجرنا إلى الويلات واشتعال الفتن والتشرذم
كتب إبريل 19, 2010, 9:26 م 3228 مشاهدات 0
يتجاذب البلاد هذه الأيام تناحر من أشكال مختلفة: فئوية وطائفية وقبلية ، وقد كتب 'مقال اليوم' شخصية تحذر من الانزلاق في هذه الصراعات لأنها ستجر الويلات علينا جميعا ما لم نتداركها. الكاتب- كان وزيرا ونائبا لرئيس مجلس الأمة، وشخصية برلمانية مرموقة، وبالتالي فإن تجربته أعطته إضافة فيما كتب وذهب إليه. 'مقال اليوم' كتبه مشاري العنجري، والتعليق لكم:
جدل بلا طائل!
وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» (الكهف: 54)
تمر البلاد هذه الايام بفترة دقيقة من تاريخها الطويل تتمثل بتجاذبات ومماحكات عصبية وفئوية وطائفية لا تستند الى عقل او ضمير، ولن تؤدي في نهاية الامر، اذا ما استمرت (لا سمح الله)، إلا الى التشرذم واشتعال الفتن، ولن تجرنا الا الى المصائب والويلات التي تطول الجميع من دون استثناء.
فالامم الحية والشعوب الواعية هي التي تستفيد من اخطائها ومن مصائب غيرها، وخير مثال على ذلك شعوب قارة اوروبا واميركا التي تنعم بالاستقرار والازدهار والحرية، بعد ان مزقتها الفتن ودمرتها الحروب على اثر التعصب العنصري والعرقي وتفضيل المصالح الضيقة.
اما الشعوب الجاهلة والمتخلفة فهي التي تترك اسباب التقدم والرقي وتنساق وراء قضايا التعصب والتشرذم التي لم ولن تحصد منها الا الكوارث والمحن والفقر، وخير مثال على ذلك ما يجري في بعض الدول القريبة منا.
ونعود ونذكر، ونحن البلد الصغير الذي عاش اهله على مر الزمان متحابين متكاتفين في السراء والضراء رغم اختلاف انتماءاتهم الاجتماعية، فكانوا مضرب الامثال في الترابط والتماسك كان اخرها ما حدث خلال المحنة الكبرى بالتفاف الشعب الكويتي بكل اطيافه في مواجهة الغزو الغاشم.
فهل بعد ذلك يستقيم الامر؟ ان نستمع الى اي صوت، مهما كان مصدره، يريد تمزيق الوطن وتدميره فننساق وراءه لكي نحطمه بأيدينا وامامنا المعارك الحقيقية التي يجب ان نخوضها، وهي البناء والتطوير ومحاربة الفساد بكل اشكاله، وذلك في سبيل رفعة شأن بلدنا وتسليمه للأبناء والاحفاد كما تسلمناه من الآباء والاجداد.
كل ما تقدم ليس بالامر الجديد وانما ورد ذكره هنا للتذكير وكمقدمة للحقائق التالية:
1 ــ ازداد هذه الايام في وسائل الاعلام المختلفة وفي غير موقعها المناسب استخدام تعبيرات مثل القبلية والطائفية والعائلية والفئوية.. الى آخر هذه التقسيمات التي تحدد الانتماء الاجتماعي للفرد والتي قلما كنا نسمعها في الماضي، وما دليل ذلك الا بداية تفكك المجتمع الذي يفترض ان توحده هوية دولة الكويت بأبعادها الجغرافي والقانوني والانساني والمصلحة المشتركة.
2 ــ بين الدستور في ما تضمنه من مقومات اساسية للمجتمع الكويتي أن العدل والحرية والمساواة هي دعامات المجتمع، والتعاون والتراحم صلة وثقى بين المواطنين، وان الاسرة اساس المجتمع قوامها الدين والاخلاق وحب الوطن لا الطائفة او القبيلة او العائلة او المنطقة لان الاسرة المكونة من الاب والام هي المعنية مباشرة بتربية النشء، الذي ترعاه الدولة، التربية الصالحة.
3 ــ ان الدعوة الى الفئوية، ايا كان نوعها، لا تقودنا الا الى الكراهية بين افراد المجتمع ولا ينادي بها او يغذيها الا اصحاب المآرب الخاصة او الجهلة الذين لا يقدرون عواقبها، لان المواطن الصالح الواعي يدرك أنها منزلق خطر يؤدي الى الاضرار بالجميع.
4 ــ السنة والشيعة بأطيافهما المختلفة في هذا الوطن هم إخوان في الدين والوطن وفي ماضي الكويت وحاضرها ومستقبلها، فماذا يريد كل منا من الآخر إلا بناء هذا الوطن وازدهاره واستقراره، اما التفريق بين الحضر والقبائل فليس له اي اساس علمي او اجتماعي، لأن كثيراً من الحضر هم اصلا من ابناء القبائل، والعكس صحيح ايضا، حيث ان القبائل على هذه الارض الطيبة قد اصبحوا حضرا وفق التقويم العلمي السليم. ولقد سبقتنا الأمم الراقية بمنع الخوض في هذه الامور بعد ان تحملت المصائب والويلات ولم تصل الى نتيجة، فوضعت حدا لا يجوز تجاوزه من خلال التوعية والثقافة والتشريعات التي تعالج هذا الامر وتطبيقها تطبيقا صارما.
5 ــ علينا الامتثال للرأي الذي يقول إن أحدا لا يملك الحقيقة المطلقة، فرأيك صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرك خطأ يحتمل الصواب، هكذا تعلمنا وهكذا يجب ان يكون التعامل بين الناس.
6 ــ ليحاول كل منا وضع نفسه مكان الآخر قبل ان يتكلم في هذا الشأن ويطلق الأحكام، ففي ذلك ردع للنفس وزجر لها واتاحة الفرصة لفهم وجهة نظر الآخر.
7 ــ على الجميع الالتزام بالنظام والقانون وعلى كل فرد اداء عمله وواجباته باتقان، وعلى الحكومة قبل غيرها تنفيذ القوانين بالشكل المطلوب ومن دون تردد. وعلى المشرع ان يساهم في هذا الشأن ويتلمس النقص والقصور في التشريعات لإصدارها او تعديلها بحسب الأحوال.
ومن الحقائق السابقة لا بد ان نعي ان الجدل حول القبيلة او العائلة او الطائفة او غير ذلك من تقسيمات لا يمكن ان نصل معه الى نتيجة، لان ما هو مفروغ منه ان لكل انسان جذوراً ولكل انسان اعتقاداً والخوض فيهما لا يؤدي الا الى طريق مسدود، فقيمة الفرد لا ترتفع بانتمائه الاجتماعي وانما ترتفع بحسن اخلاقه وبما يؤديه من عمل واضافة الى مجتمعه، وقيمة المجتمع لا ترتفع بتصنيف مكوناته الاجتماعية وانما ترتفع بسيادة القانون وبالعدل والمساواة بين افراده وبانجازاته.
وأختتم بقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل».
والله أسأل ان يوفق الكويت ويحميها من الفتن والشرور.
مشاري العنجري
تعليقات