لمن سيصوّت الخليجيون في الانتخابات العراقية القادمة؟
محليات وبرلمانفبراير 11, 2010, منتصف الليل 2001 مشاهدات 0
إن الذين يحسنون قراءة الماضي هم الأجدر بقراءة المستقبل. نعيد تلك العبارة بعد أن تعودنا على أنماط الاستجابة لصانع القرار الخليجي المتكئ في عزلة مريحة على مبدأ الحذر من دور القلق التاريخي من العراق في صيانة نظرية الأمن، أو بتواجد الحليف الأميركي هناك، لكن ما يجري حاليا من مخاض قبل الانتخابات العراقية القادمة يدعو إلى التخلي عن القناع اللغوي لتلك المقولات وسبر أغوار مدلولها.
فقد شهد العراق ثلاث عمليات اقتراع حتى الآن، فمرحلة التأسيس كانت في انتخاب البرلمان العراقي المؤقت، وكانت أخطر المراحل. حينها كانت دول الخليج العربي في حالة انكفاء غير مبرر، أو كمن ما زال يلعق جراحه رغم أن البيئة الإقليمية كانت لصالحنا بكل أبعادها بعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين. كان رجال تلك الفرصة الذهبية حليفنا الأميركي بول بريمر الحاكم المدني للعراق، وقد أقدمت إدارته على خطوة حل الجيش العراقي. وجراء زيارتين لبول بريمر لدول الجوار وبعض دول الخليج العربي اتُّهمنا بالضلوع فيها، وليتنا فعلنا كما فعلت الدول المتضررة من ألمانيا الهتلرية واليابان الإمبريالية بعد الحرب العالمية الثانية من تضمين لدستور تلك الدول من تحجيم لقدراتها العسكرية بما يضمن الحد من النزعة العدوانية مستقبلا. كما لم يكن لنا رأي حينها في خطط الدكتور إياد علاوي بمنح عقود بملايين الدولارات لإعادة بناء الجيش العراقي عبر تشكيل ثماني فرق مختلفة الصنوف، منها لواء آلي والآخر مدرع بنفس قدرات حرس صدام الجمهوري البائد. لقد أخطأنا اختيار حلفائنا في تلك الحقبة، وتخاذلنا عن التشبث بورقتنا الرابحة في تلك اللعبة المصيرية، فقد كان الشيخ غازي الياور خليجيا في فكره وقبليته وزيه ونشأته في المملكة العربية السعودية الشقيقة، وكان دعمه يقوي التيار الثقافي الذي تنتمي إليه دول الخليج العربي، ورغم ذلك فشلنا في ملاحظة اللواء الذي يحمله حين قال بضرورة أن تلعب دول الخليج دوراً في دعم العملية السياسية في العراق في زيارته التاريخية للكويت 2004م.
ورغم أن الخليج كان وشما قبيحا في الذاكرة العراقية لارتباطه بحرب الخليج الأولى مع الشرق وحرب الخليج الثانية مع الجنوب، وتساوي الطرفين في ذلك، ورغم أن خليجية العراق تعبير عن حقيقة جغرافية فقط، إلا أن إخواننا هناك وفي تناقض صارخ يعتبرون العراق أحد دول الخليج العربي كلما كان ذلك في صالحهم. لتأتي ثنايا الدستور العراقي الدائم في الانتخابات الثانية خالية مما يطمئن جيرانه الخليجيين. ليس ذلك فحسب، بل إنه فشل في الإقرار بتمثيله كل العراقيين خصوصا من يرتبط بالخليج من العرب السُّنة، نازعا الأمان من صاعق تفجير الانقسامات. وكان عدم انضمامهم لمجلس التعاون الخليجي الشماعة التي يعلقون عليها كل الحجج البالية، فاستغلت أطراف إقليمية أخرى هذا التناقض، ونجحت في فرض أجندتها الخاصة على ذلك الدستور وقامت بتحجيم الدور الخليجي من خلال مؤيديها في ظل تخلينا عن الأصدقاء هناك.
ورغم المقاطعة الواسعة لها جاءت الانتخابات العامة -وهي الثالثة- بالحكومة العراقية الحالية التي صار فيها نوري المالكي رئيسا للوزراء، وأصبحت عروبة العراق ومعها خليجيته موضع مهاترات سياسية، لعل أقساها على النفس ما تردد عن وزير التربية والتعليم في حكومة المالكي من نية لحذف تسمية الخليج العربي من المناهج الدراسية لكافة المراحل.
لقد كنا أوفياء لسذاجتنا السياسية القائلة بعدم التدخل في شؤون بلد شقيق، وكان أن رفعت لنا بغداد شعار «دول الجوار» الذي كان شعار ابتزاز اقتصادي بالتعويضات أو المساعدات لإعادة البناء. كما اختزلت حكومة الملكي العلاقات العراقية الخليجية في قضايا سرعة تعيين دول الخليج لسفراء في بغداد، أو قضية بناء بضعة أكواخ لمزارعين كانت في العبدلي. وذهبت جهودنا سدى، ومنها جهود مركز العمليات الإنسانية الكويتي، حيث انقلبت تلك العمليات الإنسانية إلى سطر دائم في بيانات الإسفاف التي تسمينا بدول الجوار العراقي التي تحتضن الإرهاب للتدريب والتنظيم والتمويل وإيواء وتسهيل الأعمال الإرهابية المنافية للقيم الأخلاقية والإنسانية. وعاش الطرفان في شبه قطيعة سياسية شكلت فراغ قوة كان الخاسر فيه دول مجلس التعاون، وانعكس على حرمان الشركات الخليجية من فرصة المشاركة في جهود إعادة إعمار العراق، وتشكل في الجنوب الجسر البري بين البر الفارسي وشبه الجزيرة العربية على أكتاف الغياب العربي الخليجي.
وربما قد يكون بديهياً أن ثمة تناقضاً صارخاً في أن نمد يدنا لقائمة الائتلاف الوطني العراقي الموحد بزعامة الحكيم، أو ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، أو البعثيين في تجمع المستقبل الوطني لظافر العاني، أو جبهة الحوار الوطني لصالح المطلك، لكن سلطان المصلحة كان يفترض أن يكون البندَ الأولَ في عقل كل سياسي خليجي في التعامل مع المأزق البنيوي لهذه القوائم.
إن إدارة الغيبوبة الخليجية تتطلب المنطق الطبيعي وانتهاز الفرصة التي سنحت لبناء علاقات متوازنة تخدم مصالحنا، واقتناص هذه الفرصة الجديدة التي هيئتها لنا حكومة المالكي بتبني إنشاء «هيئة مصلحة تشخيص النظام العراقية»، حيث أعلنت مفوضية الانتخابات أن أكثر من 250 كياناً سياسياً سجلوا لديها لخوض الانتخابات القادمة، مما يظهر أن الانتخابات ستمر بتأجيل آخر بعد أن صادقت مفوضية الانتخابات على استبعاد نحو 500 مرشح من خوض الانتخابات، ثم قرار الهيئة التمييزية -بضغوط أميركية- السماح للمرشحين المستبعدين بالمشاركة على أن يتم التدقيق في سجلاتهم بعد الاقتراع.
إن النزعة الطوباوية الخليجية تشير إلى تصورنا لوضع متعذر التحقيق ولمستقبل متناقض مع واقع راهن، وإذا لم نحسن إدارة الغيبوبة الخليجية استناداً إلى ما سبق فسوف ينتهي بنا الأمر إلى وضع مكعبات السكر في الفم قبل شرب الشاي في احتفالات الفائزين.
تعليقات