قوة الواجب البحرية المشتركة CTF 152 وعسكرة الممرات المائية
محليات وبرلمانفبراير 5, 2010, منتصف الليل 3190 مشاهدات 0
لتلافي الاعتراضات التي أثيرت في العالم الإسلامي، و«لأن الله وحده هو القادر على العدالة المطلقة» فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في 23 سبتمبر 2001 تغيير اسم العملية العسكرية التي تنوي أميركا شنها لمحاربة الإرهاب العالمي، من عملية «العدالة المطلقة» إلى عملية «الحرية الدائمة»، وكجزء من عملية الحرية الدائمة تأسست في عام 2004 قوة الواجب المشتركة «CTF 152» والتي تتألف من 28 دولة تشارك بقطع بحرية، وبوارج، وفرقاطات، من دول معظمها تابع لـ «حلف شمال الأطلسي»، بالإضافة إلى القوة البحرية من دول مجلس التعاون، وواجبها هو تنفيذ دوريات الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والتصدي لتهريب المواد الممنوعة، ومكافحة جرائم أعالي البحار، والقرصنة. كما تقوم بأعمال البحث والإنقاذ عند حدوث الكوارث الطبيعية، وجميع ذلك وفقاً لاتفاقيات القانون البحري الدولي. وفيما بينها تجري هذه الارمادا تمارين لرفع الكفاءة القتالية للقوات المشتركة في قوة الواجب لرفع حالة الاستعداد، وللارتقاء بالجهوزية القتالية. العمليات البحرية هذه مستمرة منذ خمسة أعوام وتجري بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتتخذ من الأسطول الخامس في مملكة البحرين مقراً لقيادتها. وتكون رئاستها بشكل دوري بين الدول المشاركة في التحالف الدولي. وفي 4 مارس 2008 تسلم سلاح البحرية الملكي البحريني مسؤولية قيادة «CTF152»، وهو أول سلاح يتسلم هذه المهمة على مستوى الأسلحة البحرية لدول مجلس التعاون الخليجي، وفي نوفمبر 2009 تسلمت القوات البحرية لدولة الإمارات العربية المتحدة قيادة القوة كأول دولة ضمن قوة التحالف البحري من دول قوة الواجب تدير القوة من مركز عملياتها، وخارج الإطار الجغرافي لقيادة الأسطول الخامس في البحرين، ما يجعلنا نفخر بإخواننا في كلا السلاحين البحريني والاماراتي.
إن من أهم جوانب الاستفادة من كون القوات البحرية الخليجية جزءا من هذه المنظومة هو الاحتكاك مع قوة بحرية متطورة يمكن التعلم من خبراتهم في مجالات عدة، منها مساعدة القوات البحرية الخليجية مجتمعة أو منفردة على بناء أنظمة القيادة والسيطرة، وتطوير قدراتهم في هذا المجال لخوض المعارك البحرية باقتدار.
ومما سبق يتبين بعد التمعن في الأطراف المشاركة في «قوة الواجب - Task Force» أنها ليست إلا مولودا لحلف شمال الأطلسي حتى وان تدثر بمسميات أخرى، أو أضافت القوات البحرية لمجلس التعاون لمهماتها، حيث سبق لحلف الأطلسي أن شرع في محادثات بغية الوصول إلى وجود رسمي للحلف في الخليج العربي، ونجح مع الكويت والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر. وما قوة «CTF152» إلا نتاج للعولمة العسكرية التي قرر الحلف انتهاجها بعد سقوط «حلف وارسو»، والدليل على ذلك عملياته في العراق وأفغانستان، ثم الخليج العربي وبحر العرب والمحيط الهندي ومضيق باب المندب بدعوى الحرب على القرصنة من خلال الهياكل الأخرى «CTF150 وCTF151» حيث ان حلف شمال الأطلسي لم يتوقف عن التوسع بعد زوال الحرب الباردة. حيث يذهب مهدي داريوس ناظم روايا من «مركز أبحاث العولمة - CRM» إلى أن من مهام الحلف أن يتحول إلى قوة عسكرية عالمية. وفضلاً عن ذلك، فهو يزعم لنفسه، كحلف عسكري عالمي الحق بضمان (أمن الطاقة) لجميع أعضائه. أو كما قال السيناتور الأميركي ريتشارد لوغار «ان على الأطلسي أن يدرك أنه لا فرق عملياً بين عضو يتعرض لوقف تزوده بالطاقة، وآخر يتعرض لحصار عسكري، وغير ذلك من العمليات العسكرية على حدوده» ما يعني عسكرة كل الممرات المائية العالمية، أي خطوط النفط العالمية والممرات البحرية لناقلات النفط والمياه الدولية .
أما مستقبل هذه القوة المثير للقلق فهو ما صرح به رئيس غرفة العمليات البحرية الأميركية الأميرال مايك مولن من أن الولايات المتحدة تحاول بناء أسطول من ألف بارجة للتحكم بالمياه الدولية. وهي بهذا العمل تنتزع لنفسها حق المراقبة التعسفية للسفن الأجنبية، بالضبط كما فعلت البحرية البرتغالية، والهولندية، والفرنسية، ثم البريطانية في الخليج قبل مئات الأعوام. لكن الفرق هو أنها كانت دولا منفردة، ففي أيام مجدها الغابر، ومن قاعدة الأسطول الأميركي الخامس نفسها أدارت بريطانيا الخليج العربي كبحيرة بريطانية، ولا يمكن أن ننكر أن لعبة التوازنات الدولية التي استغلتها بحرية اللورد كيرزون من الهند، ثم بيرسي كوكس، ثم تشرشل قد حافظت على معادلة الوضع الراهن وعشنا في ظلها في عزلة مريحة.
وهنا نتساءل عن العنصر المغيب فيما يجري وهو القوة البحرية لجمهورية إيران الإسلامية التي لم تتوقف يوماً عن محاولة فرض نفسها بين أمواج الخليج في تحرشات مستمرة كلما ازداد الضغط على طهران في المحافل الدولية، ليقفز علينا في السياق نفسه سؤال عن تولي بحرية دولة الإمارات العربية المتحدة قيادة قوة «الواجب البحرية المشتركة» أخيرا ما يحتم على إخواننا في الإمارات انخراط زوارقهم في تيار مجابهة تلك التحرشات التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، يضاف إلى ذلك إشكالية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران، وقانونية المرور في المياه الإقليمية لتلك الجزر التي هي حق إماراتي أصيل رغم الاحتلال الايراني الجائر.
ولو تجاوزنا حساب الربح والخسارة في من يمول عمليات هذا التجمع، لوقعنا في إشكالية أخرى تتمثل في غياب الإطار السياسي الذي يعمل هذا التجمع تحت مظلته، فهل نحن أمام حلف عسكري جديد لم تتضح معالم مشاركتنا فيه؟ أم هي اتفاقيات أمنية غير تلك الموقعة بين دول المجلس والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، فإذا كانت جزءا من الاتفاقيات الأخيرة ذات العشرة أعوام فهل نتوقع أن نرى البوارج الروسية والصينية أيضاً لتسد الأفق مع الألف سفينة المزمع نشرها وتكون خطوة نحو تدويل مياه الخليج العربي؟
لقد انتهت عملية «الحرية الدائمة» منذ أعوام وقد قيل في العواصم الغربية أنها قد حققت أهدافها في إسقاط حكومتي الطاغية صدام حسين في العراق، والملا عمر في أفغانستان، فلماذا إذاً أخذت العمليات الجزئية في التكاثر بعد زوال أو تحقيق أهداف العملية الرئيسية؟
إن تغير وعدم استقرار البيئة الأمنية، وفراغ القوة المزعوم سيظل المسوغ الدائم لمثل هذا التسلل غير المبرر، وما يجري ليس سوى تغيير للمسميات لتلافي الاعتراضات، كما فعل رامسفيلد عندما أمر بتغيير اسم عملية «العدالة المطلقة» إلى عملية «الحرية الدائمة» لأنه يشاطرنا الإيمان بأن الله وحده هو القادر على العدالة المطلقة. فهل يريدنا قادة حلف شمال الأطلسي أن نصدق بنبل مقاصد بوارجهم بتغييرهم للمسميات إلى (مبادرة اسطنبول للتعاون) للحصول على تسهيلات عسكرية دون تقديم كل التزامات الحلف المعروفة لنا؟
تعليقات