الخليج العربي : سنة أولى أوباما
عربي و دولييناير 22, 2010, منتصف الليل 2821 مشاهدات 0
فتح الطفل باراك أوباما عينيه فوجد دراجة هوائية جديدة مكافأة له على جهده في اجتياز سنته الدراسية الأولى بتفوق، وقد دهش الصغير حيث لا نزال في شهر أكتوبر 2009م والسنة الدراسية تنتهي في شهر يناير2010م، كما لم يكن كشف درجاته يستحق تلك الإشادة المبكرة. لكنها كانت رغبة أب استبشر خيرا في هذا الطفل. ففي أكتوبر 2009 تحولت عيون العالم في شك إلى كشف إنجازات الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد فوزه بجائزة نوبل للسلام رغم إقراره عدم استحقاقه لها، بل تبرعه بالدراجة الجميلة البالغة قيمتها 1.4 مليون دولار لهيئة خيرية لإبعاد الأضواء عن كشف درجاته المرتقب.
ويأتي الخليج العربي في كشف درجات التلميذ أوباما تحت بند سياسته الخارجية التي لخصها في إطارها الواسع في أثناء مد تعهداته الكبير قبل وصوله إلى البيت الأبيض في خمسة طرق سيقود بها الولايات المتحدة لاستعادة مكانتها في الصدارة. وكان أول التعهدات: نهاية مسؤولة لحرب العراق. ثانيا: بناء قوة القرن 21 العسكرية الفعلية. ثالثا: منع انتشار أسلحة الدمار الشامل. رابعا: إعادة بناء التحالفات، والشراكات لمواجهة التحديات والتهديدات المشتركة. خامسا: الاستثمار في الإنسانية المشتركة وزيادة المساعدات الخارجية الأميركية السنوية إلى 50 بليون دولار، وكان معظمها طرق تتقاطع فوق منطقتنا.
وقد صدقت تحذيرات مُنافسه الجمهوري جون ماكين من أن أوباما سيكون رئيسا يتعلّم السياسة الخارجية في أثناء وجوده في البيت الأبيض. فانسحابه غير الناضج من العراق كما نرى يحتمل حدوث انهيار رهيب إلى الداخل كما هي نظرية الثقوب السوداء Black hole والتي سيكون من العسير علينا في الخليج العربي الإفلات من جاذبيتها، وفي أفضل سيناريو بديل سيتشكل فراغ قوة Vacuum of Power رهيب بدأت أطراف عدة في مد يدها القاسية لإعداد مسرح حضورها فيه.
أما ما يخص القوة العسكرية فيكفي النظر إلى أداء الجنرال المثير للجدل ديفيد بيتريوس في أفغانستان واعتماده عقيدة الوهن المسماة حرب الطائرات من دون طيار في تلال إقليم هلمند الجنوبي وحدود باكستان. أما ما يخص بناء التحالفات، والشراكات فيكفي أن نشير إلى دبلوماسية القوة الذكية Smart Power التي سوقت لها وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون وكان من نتائجها العجولة في العراق التقلب بين تناقضات الصحوة والبعث وجيش المهدي، بل دعوة طالبان في أفغانستان للحوار. أما منع انتشار أسلحة الدمار الشامل فنشير إلى أنه لا يزال هناك 50 طناً من اليورانيوم المخصب في أكثر من 40 دولة حول العالم. من جانب آخر فقد تحولت خطة الاستثمار في الإنسانية إلى استغلال فاضح تمثل في الغطرسة الأميركية في جمهورية هايتي المنكوبة واحتلال مطار تلك الدولة وإدارته من قبل سلاح الجو الأميركي كشرط لمساعدتها، مما يعطي الأميركيين الحق في إذلال طاقم أية طائرة غوث من إيران، أو كوبا، أو فنزويلا.
لقد ورث أوباما قضايا عدة من تركة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، ومنها ما يتعلّق بالملف النووي الإيراني، حيث بدأ أوباما بلغة الحِوار والدبلوماسية، وحال أوباما دون مُحاولات إسرائيل تحريضه على عمل عسكري، بل حال دون أن تقوم إسرائيل بالعمل لوحدها، ثم انفضت جبهة التصدي الحازم للطموح النووي الإيراني لتعارضها مع مصالح روسيا والصين، متوقعين أن تنسل دول أخرى من الجبهة الأميركية.
في عام 1980م اعتبرت عقيدة كارتر Carter Doctrine أن المساس بمنطقة الخليج العربي مساسا بالأمن الأميركي، لكن رئيس أنصاف الحلول دعم التخلي عن أهم روابطنا معهم، حيث دعا في مطلع ولايته إلى تقليص الاعتماد على الواردات النفطية الأجنبية، مما جعل خبراء الاقتصاد لدينا يوصون في هلع بضرورة أن تبحث دول الخليج عن خيارات أخرى في حال أثرت الوعود الانتخابية لأوباما بشكل جدي على مداخيلها النفطية الحيوية وإن علينا أن نتطلع إلى أسواق بديلة كخطوة احترازية.
الجانب المضيء من القمر أن الأمر لم يطل، وعرف تلميذ السياسة الخارجية الجديد أن الخليج العربي هو مركز الثقل في المنطقة، فكانت حادثة الانحناءة الكاملة التي تشبه الركوع عندما قابل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في لندن على هامش مؤتمر قمة دول مجموعة العشرين في أبريل 2009م، ثم جاء اختياره للسعودية لتكون أول بلد يزوره في الشرق الأوسط، تقديرا لدور السعودية في الحفاظ على موازين القوى والأمن الخليجي، وتقديره للدور المحوري للخليج في العالم العربي، حيث بحث في الرياض ملفات المنطقة الحساسة مثل ملف إيران وملف الإرهاب ومبادرة السلام التي قدمها الملك عبدالله في عام 2002 م والتي تؤيدها حكومة أوباما.
إن العزاء الوحيد للرئيس أوباما في سياسته الخارجية المترددة هو اضطراره لإدارة أسوأ أزمة اقتصادية منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وتواضع إنجازاته الداخلية حيث قال %46 من شعبه إنه لم يفِ بوعوده. ويذهب آخرون إلى أنه براغماتي النّزعة، ففي السنة الأولى لولايته، انحسرت طروحات الرئيس السابق جورج بوش في مجال نشر وتنمية الديمقراطية، وكما يقول بعض المراقبين «عاد أوباما إلى انتِهاج سياسة أميركية دامَت سنين عدة، فضّلت فيها الولايات المتحدة توفير الاستقرار على التحوّل الديمقراطي، الذي يمكن أن يأتي إلى الحُكم بأنظمة لا تريد مواصلة الدّوران في الفَلك الأميركي». وعليه يرى مراقبون «أن نتيجة الاختِبار في السنة الأولى، أن أوباما صاحب السّلوك الحذِر والمتردد ليس تِلميذا نابِغا في السياسة الدولية ولا في العلاقات الدولية ولا في الرُّؤية الاستراتيجية للأمن الدولي».
تعليقات