لماذا تبتسم لنا طهران بعد طول عبوس؟
عربي و دوليوسط تفاقم أزمة داخلية ودعوات غربية بفرض عقوبات وحصار عليها
يناير 16, 2010, منتصف الليل 5481 مشاهدات 0
قبل أن تتحدث في العلاقات الدولية انظر إلى الخريطة، قاعدة سبق أن كتبنا فيها، ولا زلنا نجزم بأن الطرف المتضرر في ميزان القوة بحصول جمهورية إيران الإسلامية على السلاح النووي هي دول الخليج العربي ثم الدول العربية ثم الشرق الأوسط، ولعل أصدق دليل على تلك التراتبية كما قلنا هو الصمت المطبق من الدول المجاورة لإيران مثل تركمانستان وأرمينيا وأذربيجان وتركيا وأفغانستان حتى باكستان النووية، لأننا في الخليج مجال إيران الحيوي كما يرى صانع القرار الإيراني.
وقد حفل مطلع شهر يناير الجاري باستدارات حادة لبوصلة العلاقات الخارجية الإيرانية على خريطة المنطقة، حيث راحت في مرح تشير إلى دول المنطقة واحدة بعد الأخرى بإيجابية غير معتادة. ومن جانب آخر، لا يحيط بقائد القيادة الأميركية الوسطى الممتدة من مصر إلى كازاخستان مرورا بالخليج الجنرال ديفيد بترايوس ِشيء آخر أكثر من الخرائط، وفي مقابلة له في 10 يناير قال: سيكون من غير المسؤول تماماً ألا تفكر القيادة الأميركية الوسطى، المسؤولة عن المنطقة، في سيناريوهات عدة، وأن تضع خططاً للرد على مجموعة متنوعة من الأوضاع، مضيفا أن المنشآت النووية الإيرانية يمكن أن تتعرض للقصف.
أما على إحداثيات طهران، فقد ذكرت لجنة تقصِّي حقائق برلمانية أن الأحداث التي جرت في سجن (كاهريزك) قد أدَّت إلى وفاة عدد من المعتقلين المعارضين نتيجة ممارسة العنف ضدهم مما أدى إلى إغلاق السجن بأمر من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي.
إحداثيات اﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻟﺠﻐﺮاﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ الخريطة لكلا الخبرين ارتبطت رغم تباعدهما مع إحداثيات أماكن جغرافية أخرى ذات صلة، ففي الدوحة قال السفير الإيراني عبدالله سهرابي في 6 يناير إنه سيتم توقيع اتفاق ثلاثي بين البحرين وإيران وقطر بشأن تحديد الحدود البحرية. بل ذهب سهرابي إلى الكشف عن قرب التوقيع على اتفاقية للتعاون الأمني والعسكري بين طهران والدوحة.
وفي طهران وخلال لقائه برئيس مجلس النواب البحريني خليفة الظهران في7 يناير 2010م، أكد الرئيس أحمدي نجاد أن أمن وعزة البحرين من أمن وعزة إيران، وأن العلاقات قائمة على الاحترام المتبادل والاعتراف بالسيادة القانونية لكلا البلدين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعن ترحيبه بدعوة جلالة ملك البحرين لزيارة إيران.
ولأن البوصلة تشير دائماً باتجاه الشمال، فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي في 9 يناير2010م إلى أن إيران والعراق قد اتفقتا على تطبيع الأوضاع الحدودية وعقد اجتماعات بين لجان فنية مشتركة في الأسابيع المقبلة بغية حل مشاكل الحدود البرية والمائية بينهما. وقال متكي وهو بجانب نظيره العراقي زيباري: كان هناك تجاوز من بعض قوات الحدود، وقد أعيدت القوات العراقية إلى مكانها الأصلي وتم إصدار الأوامر للقوات الإيرانية للرجوع إلى مكانها الأصلي وستكون هناك اجتماعات للجنة الفنية في منطقة قصر شيرين وبعد ثلاثة أسابيع ستجتمع اللجنة الفنية بخصوص الحدود المائية.
من على خارطة الأحداث الخمس السابقة يمكننا إزاحة جعجعة الجنرال ديفيد بترايوس النفسية دون تردد فأصغر ضابط يعرف أن كل قوة عسكرية تملك خططا مبيتة بناء على الوضع الجيوستراتيجي والعسكري، بل إن كل قيادة مطالبة بتحضير ثلاث خطط وليست واحدة لصد ثلاثة أعمال ممكنة للخصم.
ورغم أن طهران طالما واجهتنا بمزاج أقل تسامحا فإن الابتسامات الإيرانية الأخيرة في اتجاه الخليج العربي قد أنستنا مزاج الجارة العكر، وهي بلا شك خطوة بناءة لإعادة جسور الثقة، ومرحب بها على كافة المستويات، لكنها تظل نتاج الضغوط الداخلية على حكومة طهران، فبدل تصدير الأزمة الداخلية من خلال افتعال احتكاك خارجي، خيبت حكومة نجاد بمهارة توقعات المراقبين في استثمار أزمة حقل الفكة العراقي مثلا لإشغال متظاهري طهران. ولا نملك إلا انتظار ما ستأتي به دبلوماسية نجاد في سعيها لاستيراد الاستقرار بدل تصدير الأزمة لتقويض طروحات المعارضة القائلة بأن إيران بؤرة أزمات في المنطقة، وجار سيئ في الحي الهادئ.
وإذا لم تكن تلك الابتسامات مخلصة فهي خطوة تضليل لصرف أنظارنا عن الهجوم الرئيس الذي هي مقبلة عليه لكسر عظم المعارضة. أو هي خطوة لترميم علاقاتها الدولية بدء من الدائرة الأقرب، أو تجهيز لمسرح العمليات لمعركة أخرى مع الغرب ووكالة الطاقة الذرية.
تسعدنا على كل حال،الابتسامات الإيرانية ونتمنى أن تستمر بوصلة نجاد في الاستدارة لتيمم وجهها شطر الكويت والمملكة العربية السعودي لتنهي ملفات حقل الدرة والحوثيين. وعسى أن تخطئ البوصلة في استدارتها صوت أبو الطيب المتنبي وهو يذكرنا:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن بأن الليث يبتسم.
تعليقات