التحدي بالعشرة النووية
عربي و دوليديسمبر 4, 2009, منتصف الليل 1433 مشاهدات 0
لعل من أصعب الامور التي تواجه الكاتب في التعبير هو تجنب تكرار مفردة معينة فيحاول إيجاد ضالته في المترادفات، وقد كان ذلك هو وضعنا أثناء محاولة قراءة قرار جمهورية ايران الاسلامية بناء 10 منشآت نووية جديدة حيث عاد الايرانيون الى انتهاج سياسة التحدي والاستفزاز مما لايترك للمتابع مجال لوصف محادثاتهم مع العالم حيال طموحهم النووي الا باستخدام هاتين المفردتين بوتيرة مملة . و بقدر ما كانت الثورة الإسلامية في إيران عملاقة في انجازاتها فإن طهران اليوم عملاقة في أخطائها، وبرغم الإرث الحضاري الفارسي العريق إلا إن الإيرانيون يظهرون عنيفين في خصومتهم وحتى في دبلوماسيتهم التي صار عمادها التحدي والاستفزاز .
ففي 27 نوفمبر 2009م أدان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بشأن برنامجها النووي وجاء في القرار إن الدول الست الكبرى في المجلس المعنية بالملف النووي الايراني طالبت طهران بوقف العمل في موقع لتخصيب اليورانيوم في قم و الذي أخفته طوال السنوات الماضية والتعهد بعدم وجود منشات نووية اخرى في البلاد. ولم تجد ايران من وسيلة للتملص من التزاماتها الدولية إلا بالاعتماد على ثلاثة اصوات في مجلس الحكماء جاءت من دول لايهمها أمن واستقرار منطقة الخليج العربي من قريب او من بعيدي بقدر ما يهمها مناكفة الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة وهي فنزويلا وكوبا وبالاضافة الى ماليزيا التي لها علاقات خاصة مع ايران ولم يتم احتواء موقفها بصورة جيدة قبل التصويت، فيما تجاهلت ايران تصويت المجلس على مشروع القرار بأغلبية 25 صوتا.
لقد امتشقت ايران سلاح التحدي والاستفزاز حيث تبنت حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد ايام من القرار الدولي استراتيجية لخصها الرئيس محمود احمدي نجاد بقوله ' اننا لا نمزح مع أحد ولن نسمح بضياع حق الشعب الايراني ولو بقدر أنملة'واعلن قرارا لبناء 10 منشآت نووية جديدة للإنتاج الصناعي لليورانيوم المخصب على غرار منشأة نطنز،وعليه فإن حكومة نجاد مكلفة في غضون ستة أشهر بالبدء ببناء 5 منشآت جديدة لإنتاج اليورانيوم المخصب على المستوى الصناعي، كما عليها أن تقوم بالتخطيط وتعيين المكان لبناء خمس منشآت أخرى لتخصيب اليورانيوم وقد برر نجاد هذا القرار بحاجتهم الى منشآت تضم 500 ألف جهاز طرد مركزي من اجل تأمين 20 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية للبلاد حتى عام 2025م .و العمل على انتاج 250 الى 300 طن من الوقود النووي سنويا بدرجة تخصيب 20% . وقد استند نجاد الى البعد الشعبي في تحديه متذرعا بقرار مجلس الشورى الاسلامي في وقت سابق، والذي لا تقل درجة التحدي والاستفزاز بين اعضائة عن نجاد نفسه، حيث طالب 226 عضوا من أصل 290 خفض مستوى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية متهمين اعضاء الوكالة بالخداع السياسي.
لقد تحدت ايران عرض سابق من اعضاء مجموعة 5+1 والقاضي بتخصيب اليورانيوم في روسيا وفرنسا ،وعرضت تبادل اليورانيوم بالوقود النووي على اراضيها وهو امر ترفضه مجموعة 5+1 حيث فند ذلك وزير خارجية فرنسا برنار كوشنير قائلا إن ايران لا تملك حاليا مفاعلا واحدا لحرق الوقود الذي تطالب بالحصول عليه في اشارة الى الشكوك الدولية حول النوايا الايرانية لانتاج السلاح النووي .
إن خطط ايران بناء 10 منشآت نووية جديدة لإنتاج لليورانيوم قد أدخل العالم مع ايران في نفق جديد فهل تفرض عقوبات جديدة ام هو موقف تفاوضي من جانب طهران ؟ فهو في نظر العديد من المراقبين تهديد اجوف، فايران غير قادرة على تنفيذ مشروع بهذا الحجم من الناحية الفنية،وهي التي لازالت اسيرة التلاعب الروسي في تحديد وقت تشغيل مفاعل بوشهر والذي تأجل الى مارس 2010م نتيجو الضغوط الاميركية . ومن جهة اخرى جاء هذا القرار الايراني فور سماع قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وهو قرار سريع جدا بكل المقاييس ويستحيل ان يتم اتخاذه بكافة تفاصيله في فترة وجيزة إلا ان كان امرا مبيتا كجزء من سياسة التحدي الايرانية . لكن ما يقلق المراقبين ان هذا التحدي قد رافقة استفزاز تمثل في قول رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني ' اذا قررت هذه القوى سلوك طريق آخر ،فإن ايران ستسلك طريق آخر'. فهل حكومة طهران قادرة على نبذ سياسة التحدي وفقدان مصداقيتها أمام الشعب الايراني بقبول ماتمليه الوكالة الدولية للطاقة الذرية ؟ لايبقى غير ذلك ألا ان تفاجئنا ايران وهي ماهرة في ذلك بتفجير قنبلتها النووية للخروج من هذا المأزق .
تعليقات