د . الوسمي يكتب عن مشروعية احتجاز 'الجاسم'
محليات وبرلمانالأساس الاجرائي للاتهام منعدم ، والقضية لايمكن تكييفها ' سب وقذف ' لاشكلا ولا مضمونا
ديسمبر 1, 2009, منتصف الليل 2701 مشاهدات 0
كتب الخبير القانوني وأستاذ المرافعات في جامعة الكويت د. عبيد الوسمي تحليلا قانونيا في أحقية مشروعية احتجاز الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم.
إن دواعي التقدير لمقام القضاء الرفيع لا ينزع التقدير لمقام الحرية الأرفع و الأعلى شأنا , كما و أن احترام مبدأ المشروعية و مقتضياته يستلزم مباشرة السلطة على النحو المبين في القانون, و هو وان كان عملا إراديا إلا انه يسمو في ذاته و لذاته على إرادة المخاطبين بأحكامه أفرادا و سلطات و بحيث يتعين أن تتم كافة التصرفات في حدوده المعتبرة ا, و بما يصم كل عمل مخالف لأوامره و نواهيه بعدم المشروعية , أيا كان القائم بالعمل و أيا كانت غاياته و دوافعه.
أما بعد:
أولا- في انعدام الأساس الإجرائي للاتهام ابتداء:
النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى العمومية دستوريا, و لها في هذا الخصوص صلاحيات التحقيق و الاتهام و إقامة الدعوى الجزائية وفقا لما تقدره متفقا مع ضرورات المحافظة على النظام العام و مقيدة في ذلك في وجوب مراعاة ضمانات الحريات الشخصية و قرينة البراءة وفي الحدود التي يجيز لها القانون استعمال هذه الصلاحيات في التحقيق والاتهام والإحالة مراعية كل ما للاتهام من آثار موضوعية وإجرائية.
ولم يشأ المشرع أن يطلق يد النيابة في هذه الصلاحيات إذ قيدها في بعض أنواع الجرائم بوجوب الاستناد إلى إجراء لا تملك النيابة دونه إمكانية تحريك الدعوة الجزائية مطلقا، ومن بين هذه الإجراءات الشكوى في جرائم السب والقذف حيث يتطلبها المشرع صراحة في المادة 109 من قانون الإجراءات التي تنص على أنه 'لا يجوز رفع الدعوى الجزائية إلا بناءاً على شكوى المجني عليه في الجرائم الآتية:
أولاً: جرائم السب والقذف
ولما كان المستقر قانونا و قضاء أن إجراءات التقاضي من النظام العام، فإنه يمتنع على النيابة مطلقاً مباشرة أي اختصاص في التحقيق أو الاتهام في هذا النوع من الجرائم ما لم يتقدم المجني عليه بشكوى تكون هي بذاتها سند الاتهام ,والأساس القانوني المباشر والمعتبر للقيام بأي إجراء من إجراءات التحقيق أياً كانت طبيعته وأياً كان مضمونه. بل أنه في ينبغي في الحكم الصادر في الدعوى أن يشير إلى تقديم الشكوى من المجني عليه نفسه أو من وكيله الخاص وإلا كان باطلاً، والشكوى التي يتطلبها القانون لتحريك الدعوى القضائية والتي يوجب القانون صدورها من المجني عليه باعتبارها أساساً للاتهام وسنداً لما يترتب عليها من إجراءات يجب أن يراعى فيها ما تتطلبه القواعد العامة من وضوح الدلالة عن الفعل المشكو منه, ونسبته للفاعل وظروفه على نحو يقطع بذاتية الواقعة محل الشكوى عما سواها وما قد يشترك معها من وقائع متطابقة وصفاً، لذا فإنه يحظر على النيابة رفع الدعوى الجزائية أو اتخاذ أي إجراء من إجراءاتها دون توافر الأساس المعتبر قانوناً لمباشرتها, ما لم يمكن المتهم من المواجهة بالشكوى ابتداء, والتي تستلزم من النيابة قبل ذلك التحقق من سلامتها شكلاً في حال تقديمها وكالة.
ذلك أن جرائم السب والقذف من جرائم الاعتبار الشخصي والذي يعتبر حق الشكوى فيها حقاً شخصياً بحتاً لصيق الصلة بالمجني عليه، الأمر الذي يستتبع ألا تكون الوكالة بشأنها عامة كما لا يفترض في الوكالة الخاصة إن وجدت ان تكون سابقة على الواقعة المشكو منها, إذ هي كما أسلفنا من جرائم الاعتبار الشخصي والتي تنشأ حقاً إجرائياً شخصياً لا يقبل بطبيعته التوريث أو الانتقال. و انسجاما مع خصوصية الشكوى في هذا النوع من الدعاوى و نظراً للآثار المترتبة على تقديمها وهو ما يستدعي فيها تحديد الواقعة المشكو منها تحديداً نافياً للجهالة وقاطعاً في ذاتيتها الأمر الذي لا يتصور توافره إلا إذا كانت الوكالة في هذا النوع من الإجراءات لاحقة على الواقعة المنشأة للحق فيها(1).
(1) انظر الوسيط في الإجراءات الجزائية الكويتية، عبد الوهاب حومد الطبعة الخامسة 1995 ص86: ص88، كذلك انظر مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصر طبعة 17 ص 76، ص77 .
ثانياً: انعدام الأساس الموضوعي للاتهام:
بافتراض وقوع الفعل طبقاً لتصوير الشاكي (وبافتراض وجود شكوى، وبافتراض صحة الشكوى حال وجودها)، فإن الفعل بذاته لا يعد جريمة عملاً بنص المادة 214 من قانون الجزاء حيث تنص على أنه ' لا جريمة إذا كان القذف تضمن واقعة تعتبر المحكمة أن المصلحة العامة تقتضي الكشف عنها، ويدخل في هذه الحالة بوجه خاص:
أولاً: أن تتضمن الأقوال أو العبارات إبداء الرأي في مسلك منطق عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، بشأن واقعة تتعلق بأعمال وظيفته أو بالخدمة المكلف بها، بالقدر الذي تكشف عنه هذه الواقعة.
تأسيساً على ما تقدم فإن الفعل وبفرض قيامه وبفرض توافر متطلباته الإجرائية الأولية ، فإنه لا يعد في نظر القانون جريمة نظراً لاتصال الواقعة محل الشكوى بسلوك موظف عام وهو سلوك خاضع للمراقبة والمحاسبة سواء سياسية أو جنائية أو سواها من صور رقابة الرأي العام الأمر الذي يستلزم بحكم الضرورة رد السلطة لمصدرها الحقيقي وهو الشعب تأسيساً على أن الشعب هو مصدر السلطات جميعاً وهو الحكم والرقيب النهائي على أعمال جميع السلطات والقول بغير ذلك يجعل من الرقابة الشعبية بصورها المختلفة عديمة القيمة والفاعلية وهو ما تعارض مع طبيعتها والحق فيها والنظام القانوني الذي يوجب إعمالها في بعض الحالات لا باعتبارها حقاً بل باعتبارها واجباً يفرض القانون جزاءاً على مخالفته وعدم مراعاته. ومن ذلك على سبيل المثال ما هو منصوص عليه في قانون حماية الأموال العامة من تجريم الامتناع عن الإبلاغ عن بعض صور المخالفات لهذا القانون والتي يوجب القانون على الكافة حمايتها والذود عنها باعتبار ما للأموال العامة من حرمة. كما نشير في هذا الخصوص إلى ما قررته المحكمة الدستورية المصرية في إشارة إلى موضوع يتماثل مع السؤال محل البحث في غايته وإن اختلف في وقائعه حيث قررت المحكمة:
وحيث أن من المقرر كذلك أن حرية التعبير ، وتفاعل الآراء التي تتولد عنها لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها ، سواء من ناحية فرض قيود مسبقة علي نشرها ، أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخي قمعها، بل يتعين أن ينقل المواطنين من خلالها – علانية – تلك الأفكار التي تجول في عقولهم . فلا يتهامسون بها نجيا ، بل يطرحونها عزما، ولو عارضتها السلطة العامة – أحداثا من جانبهم – وبالوسائل السليمة – لتغيير قد يكون مطلوبا،فالحقائق لا يجوز إخفائها ، ومن غير المتصور أن يكون النفاذ إليها ممكنا في غيبة حرية التعبير ، كذلك فإن الذين يعتصمون بنص المادة 47 من الدستور لا يملكون مجرد الدفاع عن القضايا التي يؤمنون بها ، بل كذلك اختيار الوسائل التي يقدرون مناسبتها وفعاليتها سواء في مجال عرضها أو نشره ، ولو كان بوسعهم إحلال غيرها من البدائل لترويجها ، ولعل أخطر ما يهدد حرية التعبير أن يكون الإحساس بها شكليا أو سلبيا بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولا بتبعاتها ، وألا يفرض أحد علي غيره صمتا ولو بقوة القانون.
(حكم المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 6 لسنة 15 قضائية دستورية في 15/4/1995)
تعليقات