البوارج الحربية اليابانية في طريقها إلى الخليج العربي
محليات وبرلماننوفمبر 18, 2009, منتصف الليل 2756 مشاهدات 0
في برنامجه الشائق عن اليابان المسمى «خواطر» استطاع أحمد الشقيري أن يدلنا على المخزن المفقود لأخلاقنا الإسلامية التي أثبت اليابانيون إمكانية استخدامها في القرن الـ21 مثل احترام النفس البشرية والتنظيم والأمانة والإخلاص في العمل بل وحتى النظافة، وغيرها الكثير، لكن الشقيري لم يسبر أغوار ما يدور في نفوس صناع القرار الاستراتيجي الياباني ليرى أن المصالح قد تدفع القيم إلى التراجع ليصطدم مشروعهم الحضاري مع تطلعاتنا إلى خليج خالٍ من التدخل الأجنبي الذي جثم على صدورنا منذ وصول البرتغاليين إلى هرمز عام 1507.
ففي مطلع نوفمبر الجاري سنحت لي الفرصة للمشاركة في مؤتمر بعنوان «دور اليابان في أمن الخليج العربي» رغم أن المنظمين حاولوا تمويه نوع الدور في عنوان المؤتمر (Japan’s Role in the Gulf) والذي قام بتنظيمه معهد أبحاث السلم والأمن (Research Institute for Peace and Security RIPS) بتمويل من مؤسسة ساسكاوا- طوكيو (The Sasakawa Peace Foundation Tokyo).
وحتى لا نخالف خلقنا الإسلامي بكشف ما اتفق على سريته فقد كان المؤتمر كغيره من المؤتمرات الاستراتيجية يجري تحت قاعدة شاثام هاوس (Chatham House Rule)، العتيدة التي لا تسمح بالإشارة إلى مشارك بالاسم ونقل آرائه، لذا سنطرح معظم الأفكار التي تم تداولها من دون إحراج لأحد. فقد كان المشاركون من كبار الضباط اليابانيين الذين ما زالوا في الخدمة ومن رجال الصناعة والسياسيين دليلا على أهمية المشروع، كما كانت هناك مشاركة أميركية لافتة للنظر من قبل ضباط كبار في الخدمة وضباط متقاعدين ورجال من مراكز دراسات استراتيجية أميركية كبيرة. كما سنكتفي بإعادة طرح الأسئلة الأكثر إلحاحا من قبل اليابانيين، والتي كانت عن مدى ترحيب أهل الخليج بالتواجد العسكري الياباني، وعن أنسب الطرق للدخول العسكري الياباني للخليج، وهل التقرب من رجال السياسة أجدى أم بخلق قنوات مع المؤسسات العسكرية الخليجية من خلال الدعوة لتبادل الزيارات والتعليم العسكري، وهل يتم التقرب إلى الخليجيين من خلال مجلس التعاون أم بالتقرب من الدول الخليجية منفردة؟
لقد بعثت اليابان برجالها من جميع التخصصات حتى تجد الطريق لتخرج من انكفائها العسكري الذي استمر منذ العام 1945م ولتحافظ على مصالحها في خليجنا. وهنا نشير إلى أن اليابان تستورد من الخليج العربي ما نسبته %75 من إجمالي استهلاكها النفطي بناءً على إحصاءات عام 2008، وعليه يصبح مضيق هرمز بالنسبة لها كمضيق (ملكا) الذي تعبره سفنها التجارية وناقلات النفط بين ماليزيا وإندونيسيا.
والتواجد العسكري الياباني القادم في الخليج كما نتوقعه لن يخرج عن 3 أشكال: أولها سيناريو تواجدها في مضيق (ملكا)؛ حيث إن هناك سفناً تفرض الأمن البحري وتموّلها حكومة اليابان بعد تعرض الناقلات لهجوم القراصنة، كما تقوم اليابان من خلال شركاتها الخاصة بوضع وصيانة الأجهزة الملاحية في المضيق، وتتابع أيضا أجهزة المسح وقياس قوة الرياح وعلو الأمواج والتلوث، بالإضافة إلى وجود فرق جاهزة لإزالة حطام السفن الغارقة والمعطوبة، خصوصاً أن أضيق نقطة في الممر لا يتعدى اتساعها 2.5 كم.
أما أسلوب التواجد الثاني فقد يكون في البداية كتواجدها في الخليج العربي إبان حرب تحرير الكويت عام 1990، ثم حرب تحرير العراق عام 2004، وفي الأولى اتبعت دبلوماسية المال أو كما انتقدت بقسوة بمسمى «دبلوماسية دفتر الشيكات» (Checkbook diplomacy)؛ حيث شاركت بعد ضغوط أميركية رهيبة بدفع 13 مليار دولار، وقامت بإرسال أعداد ضخمة من سيارات الدفع الرباعي المدنية، بالإضافة إلى الأدوات المكتبية، ثم شاركت بكاسحات ألغام شاركت في فتح الممرات البحرية من ألغام صدام حسين.
أما المشاركة اليابانية الثانية فكانت في حرب تحرير العراق، ففي مدينة السماوة رحب العراقيون على غير عادتهم بفريق من قوات التحالف، لكن اليابانيين الذين دخلوا في 2004 وانسحبوا في 2006 كانوا هم الوحيدين الذين طلبوا شراء الأرض التي ستقام فيها القاعدة اليابانية لمعداتهم ورجالهم الـ600، وعندما رفض العراقيون ذلك دفع اليابانيون ثمن استئجارها، بل إنهم ذهبوا إلى أبعد من ذلك وجعلوا مدينة السماوة أنظف بقعة في العراق من خلال توزيع أكياس القمامة الفارغة التي تحمل علم اليابان ودفع دولار لكل من يعيدها مملوءة.
مخطئ من يعتقد أن إمبراطورية الشمس تعيش منقادة للولايات المتحدة الأميركية، فنتيجة لمصالح اليابان النفطية الكبيرة لم تنجرّ طوكيو للسير في الموكب الأميركي المحرض على جمهورية إيران الإسلامية، كما كان لها موقف قديم متزن من قضية الشرق الأوسط تصب معظم جداوله في بركة العرب. إلا أن تواصلها معنا من خلال معهد واحد لتعليم اللغة اليابانية في الرياض يعيب علاقتها الثقافية معنا مقارنة بمصالحها الاقتصادية وطموحها العسكري المرتقب. وهذا يقودنا إلى شكل التقرب الياباني الثالث الذي نتوقع حدوثه وهو الانضمام لمرحلة زمنية معينة إلى الهياكل البحرية التي تقيمها الولايات المتحدة الأميركية حول الخليج العربي من دون وجود لاتفاقيات أمنية بخصوصها أو حتى هيكل سياسي لها مثل CTF150 وCTF151 وCTF152.
إن ما دفع اليابانيين إلى الوصول بفرقاطاتهم إلى الخليج العربي هو تضررهم من كل الحروب التي شهدها الخليج العربي، فبالإضافة إلى الحربين اللتين سبقت الإشارة لهما أعطب القتال خلال الحرب العراقية الإيرانية 18 سفينة يابانية، وقتل بحارين وجرح 19 بحارا، فهل نرحب بهم؟ وهل سترحل سفنهم بتوقف نزاعاتنا؟ بالتأكيد لا. فقد جاء الفرنسيون بأسلحتهم بعد توقف كل الحروب، ولم يرحل الأميركان بعد 3 حروب، وعند دخول اليابانيين ستكون الذرائع للبقاء هي نفس الذرائع الأميركية من حفظ للعلاقات مع دول الخليج الصديقة (Show the flag)، وتأكيد استمرار إمدادات النفط ومكافحة الإرهاب والتهريب والقرصنة. بل وربما محاربة تجارة الرقيق كما كانت تقول بريطانيا عام 1820. من جانب آخر قد تنتهي حاجة اليابانيين لنا بنهاية النفط بعد ستين عاما كما تقول التوقعات، أو ربما قبل ذلك في حال توافر الطاقة البديلة، لكن حاجتنا للتكنولوجيا اليابانية بدأت للتو.. فهل نرحب بهم؟
تعليقات