كلية الدفاع الوطني الخليجية!!
عربي و دوليحلم يراود العسكريين في الخليج أسوة بدول عديدة
أكتوبر 25, 2009, منتصف الليل 1830 مشاهدات 0
«الإهانة أساس التعليم العسكري» جملة قذفني بها محاور في مجلس، تبعتها شظايا الإيجاب التي تطايرت من عيون معظم الحضور. فهل التعليم العسكري هو (العلم الذي لا ينفع) كما يردد البعض من منطلق أن المهارات العسكرية لا تؤهلك لوظيفة مدنية؟ وما واقع التعليم العسكري في دول مجلس التعاون؟ وما أوجه القصور فيه؟
لقد عملت لفترة وجيزة في نفس الكلية العسكرية التي كنت طالبا فيها قبل 3 عقود. كما كنت ضمن طلبة دورة القيادة والأركان المشتركة الأولى التي نفذتها كلية كيمبرلي البريطانية، بالإضافة إلى العديد من الدورات العسكرية الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما كانت لي مناقشات مع رفاق سلاح من بعض دول مجلس التعاون. وهي حصيلة معرفية تجعلني أجزم بأن هناك تحاملا جائرا على المؤسسة العسكرية الخليجية بشكل عام، وعلى التعليم العسكري بشكل خاص، والذي لا يقل في مستواه عن مستوى التعليم في الكليات والمعاهد البريطانية والأميركية.
وينقسم التعليم العسكري في دول مجلس التعاون إلى 5 أقسام رئيسة أولها المدارس العسكرية التي تخرج الأفراد والجنود ثم المعاهد العسكرية التي تخرج المختصين على مستوى الدبلوم في شتى التخصصات الفنية والإدارية والعسكرية البحتة، ومن مخرجات هذا القسم الفنيون في صيانة أجهزة الطائرات المعقدة، والحاسبات الآلية العسكرية والاتصالات، بل ونظم المعلومات الصحية والملفات الطبية والعناية المركزة والتخدير وكل ذلك على مستوى الدبلوم. ثم تأتي الكليات العسكرية التي تمنح بكالوريوس العلوم العسكرية، كما تمنح كليات أخرى بكالوريوس علوم الطيران وتخرج أيضاً مشغلي أنظمة تسليح وتوجيه المقاتلات والمراقبة الجوية، وتمنح الكليات البحرية بكالوريوس علوم بحرية. أما النوع الرابع فهو كليات القيادة والأركان وتمنح «ماجستير» في العلوم العسكرية ليصبح حاملها مؤهلا للأعمال القيادية في جميع أفرع القوات المسلحة.
القسم الخامس من التعليم العسكري هو كليات الدفاع الوطني وهو القسم الأهم والمفقود في التعليم العسكري في دول مجلس التعاون. ولعدم وجود كلية أمن وطني وللحاجة الملحة لها ولصعوبة توافر الطلبة وقيامها بنجاح في دولة خليجية واحدة، يصبح من المنطقي أن تكون هناك كلية دفاع وطني خليجية واحدة في الوقت الراهن على الأقل.
وكلية الدفاع الوطني الخليجية المطلوبة هي مؤسسة لتنمية الفكر الاستراتيجي يلتقي فيها العسكريون والمدنيون ليتبادلوا الخبرات والآراء لبلورة استراتيجية الدفاع الشامل والأمن الجماعي الخليجي، وهي تجمّع لطرح الحلول الاستراتيجية الجادة لقضايا الأمن والدفاع في إطار علمي وبمنهجية معاصرة، ومن أدوارها إعداد رجال مختارين بعناية من قطاعات دول مجلس التعاون المختلفة من عسكريين ومدنيين لدراسة وتحليل العناصر الأساسية المؤثرة على الأمن الوطني، تمهيداً لاستلام مناصب عليا ذات ارتباط بالتخطيط الاستراتيجي على المستوى الوطني والخليجي.
تستقبل كلية الدفاع الوطني الخليجية طلبتها من العسكريين لتطوير قدراتهم القيادية ومهاراتهم الفكرية وأنماط التفكير الاستراتيجي لديهم لشغل المناصب العليا في قيادات الجيش الاستراتيجية والعملياتية، ولا ينضم إليها إلا الجامعيون الحاصلين على دورة القيادة والأركان. ولأن من أدوار الكلية تأهيل وتنمية قدرات ومهارات كبار العاملين المدنيين في الدولة لتولي المناصب القيادية، فهي تستقبل المدنيين أيضا من رجال الدولة الواعدين وصانعي السياسات الوطنية من الدبلوماسيين والوزراء ووكلاء الوزارات والمديرين ومديري المؤسسات ورؤساء الجامعات وأعضاء الهيئات التدريسية وكبار ضباط الأجهزة الأمنية وحتى الإعلاميين.
قضايا الأمن والدفاع هي أساس برنامج هذا النوع من الكليات لدمج الجهود العامة للدولة وتوظيفها لبلورة استراتيجية وطنية صالحة لجميع الظروف؛ حيث يتم تدريس عناصر ومقومات الدولة، والقيادة، وإدارة الدولة والأمن الوطني بأبعاده المختلفة من اقتصادية وسياسية وعسكرية وغيرها كما يتم تدريس إدارة الأزمات، والصراعات الدولية، والحملات العسكرية، والسياسة الدفاعية والاتجاهات المستقبلية، والاقتصاد الوطني والعلاقات الدولية وغيرها الكثير من المواد التي تتطلبها البيئة الأمنية المتغيرة.
وإذا كان الهدف من قيام كلية الدفاع الوطني الخليجية هو خلق رجال قادرين على صنع القرار، فإن هذه الكلية بحاجة إلى بنك معلومات يهتم بالقضايا العسكرية والاقتصادية والسياسية، وهو مركز الدراسات الاستراتيجية؛ حيث تعقد الندوات وورش العمل، وتتم فيه الدراسات الجيوسياسية للبلدان التي لها تأثير مباشر على أمن الخليج العربي، وإصدار تقارير عن البيئة الأمنية الإقليمية والعربية والدولية، وتحليل كل حدث راهن. ونشير هنا إلى أن المركز بحاجة إلى مكتبة ضخمة وأجهزة حاسوب متطورة للتواصل مع مراكز الأبحاث الخليجية والخارجية المختصة.
إن عدد الطلبة الخليجيين المتزايد الذين يتم إرسالهم للولايات المتحدة وبريطانيا والأردن ومصر وسوريا سنويا للالتحاق بدورات الدفاع الوطني يدعم ضرورة قيام كلية الدفاع الوطني الخليجية، بالضبط كما كنا نفعل قبل 20 عاما عندما لم يكن في الخليج إلا عدد محدود من الكليات العسكرية. ولا شك أن للأمين العام المساعد للشؤون العسكرية بالأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية دوراً في دفع قيام مثل هذه الكلية التي تمثل قمة هرم التعليم العسكري، وحتى لا تستمر صورة المؤسسة العسكرية الخليجية النمطية، كمعسكرات موحشة في صحراء نائية تضم رجالا قليلي التعليم، بل تصبح معقلاً من معاقل التكنولوجيا بأسلحتها ومعاهدها ومختبراتها وورشها ومراكز الأبحاث فيها؛ حيث يتمنى الجميع الالتحاق بها، وتتفاعل مع بيئتها فتؤثر وتتأثر بها، وتكون جزءاً من عملية تنمية المجتمع بمخرجاتها المتعلمة الواعية ليخرج التعليم العسكري من تهمة العلم الذي لا ينفع.
تعليقات