الغرب يوقف إيران بالمباحثات وبالعقوبات وبدولة الإمارات
خليجيأكتوبر 21, 2009, منتصف الليل 2362 مشاهدات 0
نفيق من الغيبوبة التاريخية فتعود للذاكرة صفحات من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) فنجد في خضمها الطاغية صدام وهو يجبر منتخب العراق لكرة القدم على الانسحاب من المباريات لصالح منتخب الكويت، وكان كما صرّح مراراً يوصي ولديه بأن يلجئا للمغفور له الشيخ جابر الأحمد في حال تعرضه للموت، فقد كان العراق بحاجة ماسة إلى الشريان الكويتي ليبقى حيا بعد أن أرهقه النزيف جراء طعنات الإيرانيين المتواصلة. وفي الجهة الأخرى من الخليج العربي كانت إيران ولا تزال تعتبر ميناء دبي نافذتها على العالم من جراء الحصار الاقتصادي المتواصل، بل إن ما يزيد على نصف حاجتها من البنزين كان ولا يزال يصلها من الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة، وبسبب ذلك كان الطاغية صدام حينها لا يكف عن تكرار عتبه على الإمارات، ثم انفجر غضبه بعد الحرب بالتهديد والوعيد لدولة الإمارات. وفي كلتا الحالتين لم تقتنص الكويت الفرصة لإجبار الطاغية على وقف أطماعه التوسعية في أم قصر والاعتراف بالحدود الكويتية العراقية المعتمدة منذ 1963، كما لم تنجح دولة الإمارات العربية في استثمار الاعتماد الإيراني عليها لاسترجاع الجزر الإماراتية المحتلة طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبوموسى.
وفي خضم الشد والجذب بين جمهورية إيران الإسلامية والغرب من خلال المشروع النووي الإيراني تلوح الفرصة مرة أخرى لدولة الإمارات العربية المتحدة. ففي الأول من أكتوبر الجاري تمت في فيلا قريبة من جنيف جولة محادثات مفصلية بين إيران ودول مجموعة 5+1 (الصين وروسيا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا). وكان من نتائج المباحثات الاتفاق على إرسال كمية من اليورانيوم الإيراني للتخصيب في روسيا. وقد اعتبرت كل من فرنسا وألمانيا أن اجتماع المباحثات في جنيف كان خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن يجب أن تتبعه خطوات عملية. كما وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما المباحثات بالبناءة إلا أنه حذر من فرض عقوبات قاسية على طهران في حال ثبت أنها تتحاور مع الدول الست الكبرى فقط من أجل كسب الوقت، لأننا -كما قال- مستعدون للمضي في اتجاه زيادة الضغوط.
كانت تلك المباحثات جانباً من استراتيجية الولايات المتحدة الجديدة للتعامل مع الملف النووي الإيراني المسماة (المباحثات والعقوبات).. أما في الجانب الآخر من تلك الاستراتيجية وهو العقوبات، فيتضح أن الولايات المتحدة تتبع سياسة ذات مسارين، المسار الأول أميركي في جله، أما المسار الثاني فستقوم ببعض منه دول مجلس التعاون بحكم العبء الاستراتيجي الذي يفرضه الجوار الجغرافي مع إيران. حيث أعلن مساعد وزير الخزانة المكلف بمكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية ستيوارت ليفي، أن الولايات المتحدة تجهز عقوبات جديدة ضد طهران حيث يرى أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران أعطت نتائج، وأن لدى إيران عدداً من نقاط الضعف الاقتصادية التي يمكن للولايات المتحدة أن تضغط في اتجاهها، وتابع أنه يجب فرض إجراءات متزامنة على العديد من الجبهات لكي تكون فعالة، ومنها تعزيز الحظر التجاري على إيران، وقد ساند هذا التوجه تأكيد معاون وزيرة الخارجية جيمس شتاينبرغ حول أهمية الاستراتيجية المزدوجة (المباحثات والعقوبات). وقال إن الإدارة اختارت الاستراتيجية المزدوجة التي تعتبر خياراً واضحاً للقادة الإيرانيين حيث يمكنهم التفاوض بحسن نية، أو اختيار العزلة والضغوط الدولية المتنامية.
ومن معهد كارنيجي كتب جورج بيركوفتش قبل عام تقريبا واصفا الطموح النووي الخليجي بأنه طريق «للقيام بشيء ما» لموازنة القوة الإيرانية، حيث قال عنه بالحرف الواحد (One way to do something) لأن امتلاك الطاقة النووية كما يرى له تأثير نفسي قوي، فكلمة نووي مشوشة (Muddled) وغامضة (Ambiguous). وما قاله بيركوفتش عن الجانب النفسي صحيح بلا شك، إلا أن الطموح النووي الخليجي السلمي ليس بغموض مفاعل ديمونة الإسرائيلي حيث لم يكلف الصهاينة أنفسهم طوال 50 عاما حتى عناء الكذب للقول بأنه لإنتاج الطاقة الكهربائية. لقد نجح إخواننا الإماراتيون بشكل يدعو إلى الإعجاب في استثمار خططهم للمضي في بناء مفاعلات نووية تجارية من حيث حشد حملة علاقات عامة للمشروع توثق مراحل الدراسة والتعاقد والآفاق المستقبلية المشقة للمشروع، بالضبط كما لو كان مشروع إقامة برج العرب وجزيرة النخلة وقطار دبي السريع، لكن كلمة «سلمي» لم تكن كافية في دوائر الاستخبارات الإيرانية المرتبكة بناءً على نظرية جورج بيركوفتش. وهذا ما جعل المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية الممثل الخاص لشؤون التعاون النووي الدولي السفير حمد علي الكعبي، يعلن أن البرنامج النووي السلمي الإماراتي لا يسعى إلى إيجاد توازن مع البرنامج النووي الإيراني أو أي برنامج آخر لأية دولة في المنطقة. بل إن هناك من يخفف من وقع الجسارة الإماراتية بأن المشروع النووي الإماراتي سيشعل فقط سباقا إقليميا لتوليد الطاقة النووية السلمية.
لقد تم عقد صفقة من نوع ما بين واشنطن وطهران، وليست الصفقة ما تجلى فقط من نتائج في محادثات جنيف، حيث نجد التناقض الواضح في طرح الفريقين المتفاوضين في جنيف، حيث أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية عدم وجود أي تغيير في الموقف الإيراني من البرنامج النووي، وأن هذه المسألة لم تطرح خلال محادثات جنيف مع القوى العالمية، في الوقت نفسه الذي أكد فيه وزير الخارجية الروسي أن إيران وستّ قوى دولية توصلت لاتفاق ينص على أن تساعد روسيا طهران في تخصيب اليورانيوم. فهل نجح الغرب في إقامة رأس جسر داخل طهران أم أن العكس هو الصحيح؟ حيث إن هذا الاتفاق كما يرى العديد من المراقبين قد نجح في تبديد الزخم نحو فرض عقوبات أكثر تشددا ضد إيران، كما أضعفت هذه المباحثات قرارات مجلس الأمن التي تمنعها من تخصيب اليورانيوم.
إن الضغوط الأميركية على إيران والتي قد تكلفنا واشنطن ببعض منها، تستدعي النظر في حجم القضية وأبعادها وتوابعها وتحتم أن تكون كل خطوة هامة فيها مطروحة للنقاش الخليجي، حتى لا نسير في علاقاتنا الدولية والإقليمية من النقيض إلى النقيض، وحتى لا نقترف أخطاء تجعل أبوابنا مشرعة لتدخل الغير، وحتى لا يتحول المشروع النووي الخليجي إلى اسم يبحث عن أجندة فتمليها علينا دوائر غربية. إلا أنه رغم المحاذير السابقة يبقى مفيداً أن نستدعي إلى الذاكرة تلك الفرص التي ضاعت خلال الحرب العراقية الإيرانية حيث لا مبرر في أن لا تقوم أبوظبي بعقد صفقة في قضية الجزر الإماراتية المحتلة وهي تضغط على الجرح الإيراني خلال فترة الارتباك النووي وفي فترة تبدل الأولويات لدى حكومة نجاد؟ خصوصا أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أخذت منحىً متشدداً في سياستها تجاه طهران المتعنتة، فبالإضافة إلى التحركات السياسية الإماراتية التي لاحظناها خلال الشهر الماضي في واشنطن وعدة عواصم هامة نلاحظ أيضا أن الدولة جادة في سعيها لحماية ازدهارها ولوقف الاختراقات الإيرانية لأمنها الداخلي، كما أنها تسير بخطى ثابتة لخلق ذراع عسكرية قوية وفعالة مزودة بأحدث الأنظمة الدفاعية، فبالإضافة إلى المظلة الفرنسية، والطموح النووي الإماراتي رغم صفته السلمية احتلت الإمارات المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، كأكبر مستورد إقليمي للأسلحة والمرتبة الثالثة على مستوى العالم، وذلك كما يبدو لرفع سعر تكلفة التعنت الإيراني في قضايا الجزر والتجسس حتى ولو كانت لغة الحوار بلهجة أهالي واشنطن وباريس.
تعليقات