دبلوماسية ترحيل الرعايا

عربي و دولي

1424 مشاهدات 0


 الحرب امتداد للسياسة بوسائل القتال، بشرط استنفاد دبلوماسية التفاوض المباشر وغير المباشر، وفي عالمنا العربي والإسلامي خصوصا عرفنا أنواعا أخرى من الدبلوماسية، ومنها دبلوماسية إغلاق الحدود، ودبلوماسية مقاطعة القمم ودبلوماسية ضرب الدبلوماسيين، وتحطيم السفارات، ودبلوماسية تصدير الإرهاب، وأخيرا دبلوماسية ترحيل الرعايا كما حصل في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دبلوماسية عربية صميمة. فنتيجة تأييد القيادات العليا في منظمة التحرير الفلسطينية لغزو العراق للكويت رُحّل الفلسطينيون من الكويت، كما رُحلوا إبان تلك الأزمة من قطر، وغادر الكثير من اليمنيين المملكة العربية السعودية، وقبل ذلك تم ترحيل المصريين من بغداد بعد توقيع السادات معاهدة كامب ديفيد عام 1978، أما في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى، فقد تم ترحيل المصريين والفلسطينيين مرات تفوق عدد كلمات اسم ذلك البلد الشقيق، أما آخر عمليات الترحيل فهي ترحيل بعض الرعايا الإيرانيين واللبنانيين والفلسطينيين من دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولا شك أنه ليس من حق جمهورية إيران الإسلامية تحويل فنادق أبوظبي إلى ملعب لجواسيسها على شاكلة فندق السان جورج الشهير في بيروت في فترة الحرب الباردة، كما أنه ليس من حق إيران الإيعاز لحلفائها الإقليميين من حزب الله وحماس وحركة الجهاد الإسلامي لتحويل أسواق دبي إلى ما يشبه الضاحية الجنوبية وغزة، لأن من حق حكومة أبوظبي كما قالت (حماية التوازن داخل الدولة التي تتخذ خطوات واسعة نحو التمدن، والتخلص من التشدد الديني بكل أنواعه لتشجيع الاستثمار والسياحة، والحفاظ على استقرار الدولة).
والتطرق للعلاقات الإيرانية الإماراتية يتطلب فتح الكثير من الأبواب، فأزمة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة ستظل المحرك الأساسي لكل توتر في العلاقات بينهما، لكن من الملاحظ أنها قضية تم تجاوزها بجهود دبلوماسية ناجحة لمدة 30 عاما، ولم تشكل عائقا في وجه العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين البلدين، وتم تحقيق ذلك النجاح تحت مظلة أن الاقتصاد هو أقوى محرك للسياسة الخارجية، لكن الأمن هو أقوى محرك للسياسة الداخلية، وذلك ما حدث مؤخرا، رغم أن الإمارات تبرر الإجراءات السيادية التي قامت بها بظروف الأزمة الاقتصادية العالمية التي أدت إلى فقدان الكثير من أبناء الدولة لوظائفهم، ليحصل عليها غيرهم خصوصا في القطاعات التي تتطلب مهارات متوسطة وعالية، حيث يسيطر الآسيويون على بقية الأعمال ذات المهارات الدنيا.
كما لا يمكن أن يغيب كمسوّغ لعمليات الترحيل هذه الضغوط الأميركية على دول الخليج العربي لحصار إيران من خلال نقل عبء بطالة مواطنيها على عاتقها بعد ترحيلهم من الإمارات، بالإضافة إلى صدّ دول الاعتدال العربي للاختراق الإيراني لساحة السياسة العربية من خلال عمليات الترحيل التي نتوقع أن تشمل دولاً خليجية أخرى، كما أن ما يجري حاليا يأتي في سياق توتر إماراتي وإيراني قائم شمل احتجاز دولة الإمارات لسفينة تحمل أسلحة من كوريا الشمالية في طريقها إلى إيران، ومغادرة السفير الإيراني ومساعده، والقنصل الإيراني في دبي إلى طهران دون تعيين خلف لهم. من جانب آخر لا يمكن تجاهل سعي الحكومة الأميركية السري والعلني في قضية توطين اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، حيث جاءت أول الردود الصارمة من الحكومة الأردنية بأنها متمسكة بحق العودة للفلسطينيين وترفض التوطين، فهل الخطوة الإماراتية استباق لعملية التوطين؟ حيث إن في الإمارات 150 ألف فلسطيني يشكل حملة الوثائق الذين تقطعت بهم السبل الأغلبية منهم، وهل زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لواشنطن مؤخرا إلا تأكيد على العلاقة بين الموضوعين؟
في عواصم دول مجلس التعاون نعتبر أن أمن دولة الإمارات العربية المتحدة من أمننا الخاص، لكن، هل استنفذت دولة الإمارات العربية المتحدة كل الطرق لتوقف مغامرات تلاميذ السافاك ومثيري عدم الاستقرار من منتسبي حماس وحزب الله وتضرب نشاطهم؟
لقد استطاعت الإمارات لعقود ثلاثة ماضية إدارة أكبر جماعة بشرية متحركة ومختلفة بكل سلاسة ونجاح يستحق الإعجاب، لتأتي دبلوماسية الترحيل المغرقة في التعميم المخل بالقيم الإنسانية وتُذري تلك الاعتبارات أدراج الرياح. كما أن ما حصل يدق ناقوس الخطر لدى جاليات أخرى مما يولد لديها شعوراً بعدم الاطمئنان الذي له تبعات سيئة كثيرة، منها أن أجهزة الاستخبارات والعابثين قد يجدون بحراً متعاطفاً معهم من هؤلاء الرعايا الذين دفعهم الإجراء الإماراتي للاصطفاف مع أبناء جلدتهم وخلق ملاذ آمن لهم.
في الكويت استقبل الكثير من الفلسطينيين في الثاني من أغسطس 1990 قوات الغزو الصدامي بالخبز والزعتر على مرأى من عيوننا الدامية، وكان عددهم 500 ألف ويمثلون أكبر جالية فلسطينية في العالم خارج الأردن، ومن جراء هذا الموقف فر الكثير منهم عشية تحرير الكويت، وتم رحيل البعض الآخر بعد ذلك، لكن 37 ألفا ظلوا في الكويت، حيث لم يتردد بعضهم في أن يضحي بحياته مقاتلا الغزاة العراقيين عرفانا بفضل الكويت، ومعتبرا أنه كان ذراعاً ساعد في بناء نهضتها الفتية بجهده الشريف وأن واجبه مستمر بالحفاظ عليه، فتنكر لقرارات القيادات العليا في منظمة التحرير الفلسطينية التي حمّلته وزر عبثها الأرعن، وهذا ما كان على المقيمين المرحّلين من الإمارات العربية المتحدة القيام به، فوطنك كما يقال حيث ترزق لا حيث تولد.

 
 

الآن: د.ظافر محمد العجمي.. المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك