حسن شهاب الدين: خضراء .. أقترح القصيدة

فن وثقافة

116 مشاهدات 0


" القَاهِريُّ
 
ابْنُ الضَّجِيجِ
 
أَتَاكَ مِنْ تِيهِ المَدِينةِ..
 
مِنْ وجودٍ حَاقِدِ
 
أَلْقَى عَلَيْه الرِّيفُ
 
بُرْدةَ وَحْيهِ
 
فَأَتَى بِشِعْرٍ
 
غَيْرِ هذا السَّائدِ"

بين ضجيج المدينة بأحيائها المتعانقة وشوارعها المزدحمة وليلها الساهر وأهلها المحتشدين بحركة الحياة،، وهدوء الريف ببيوته الوادعة وأشجاره الحالمة وطرقاته شبه الخالية ، يتوحد النقيضان في لوحة حياتية جميلة عنوانها التنوع.

هنا الشاعر المصري الكبير حسن شهاب أثناء رحلته من القاهرة إلى الأقصر يصف مرائي الطبيعة  في لغة شعرية راقية ودون أن يشير بالاسم إلى مدينة أو منطقة ريفية ما ، تتراءى أمامه جغرافيا الأرض . بينما ترسم مخيلته الصافية جغرافيا الكلمات المشرقة
" العشب ، الأشجار ، الهواء التوت، الريحان، الفراشة، الزيتون، الكرمة، مفردات تتجاور بها خطوط الإيحاء في خارطة هذا النص الشعري الراقي و"غير السائد":

العُشْبُ يُشْبِهُ مَطْلَعًا بِقَصائدي
 
وَأَنا أَسِيرُ به
 
كَبَيْتٍ شَاردِ
 
وَأَصُوغُ لِلْأَشْجَارِ
 
وَزْنًا أخْضَرًا
 
لَمْ يَأْتِ قَبْلِي الشِّعْرُ فيه بِشَاهدِ
 
أَمْحُو رَتابةَ (فاعلاتُنْ فاعلُنْ)
 
- عَمْدًا –
 
بِإيقاعِ اخْضِرارٍ حَاشِدِ
 
وَتُثيرُ أُنْثَى التُّوتِ
 
غَيْرَةَ أَحْرُفي
 
وَتَجِيءُ في نَصِّي
 
بِكَسْرٍ عَامِدِ
 
خَلَعَتْ على لُغَتي
 
قَمِيصَ هَوَائها
 
وَرَمَتْ..
 
بِظِلٍّ في القَصيدةِ نَاهدِ
 
وَاسَّاقَطَتْ عَسَلَ اشْتِهَاءٍ
 
في يَدِي
 
وَهَوَتْ فَرَاشةُ عِطْرِها
 
بِمَوَاقدي
 
وَالرِّيحُ..
 
عَارِيَةً تَمُرُّ
 
وَتَرْتدي صَوْتي
 
إلى غَدِيَ البَعِيدِ الوَاعدِ
 
وَطُفولةُ الرَّيْحَانِ
 
تُوقِدُ في دَمِي قِنديلَها
 
وَتَقُولُ أَهْلًا وَالِدي
 
وَيَمَامةٌ..
 
تَهْمِي حَنينًا أخْضَرًا
 
وَتزقُّ أَفْراخَ الغَمامِ الهَاجدِ
 
وَأَنا..
 
أُحاوِرُ هُدْهُدًا بِنُبوءةٍ
 
فَيَقُصُّ عَنْ جِنِّ القَصيدِ الَمَاردِ
 
وَتُضِيءُ نارَ الوَحْيِ حَوْلي
 
كَرْمةٌ صُوفيَّةٌ
 
أَقْصَى يَمينِ القَاصدِ
 
فَتَحَتْ بِصَوْتي شُرْفةً لِنَبيذِها
 
لمَّا رَأَتْني
 
في ذُهولِ العَابدِ
 
فسَكِرْتُ..
 
ثُمَّ رَقَصْتُ..
 
ثُمَّة طُفْتُها..
 
وَعَصَرْتُ زَمْزمَ ظِلِّها
 
بمَوَاجدي
 
وَيَسِيرُ بِي الزَّيْتونُ
 
في مَلَكُوتِه
 
فَأَقُولُ..
 
كُنْ يَا ابْنَ الحَقِيقةِ قَائدي
 
وَأَضِىءْ بيَ المِشْكاةَ
 
إِنَّ فَتِيلَتي ظَمْأَى
 
لِعُودِ ثقابِ غَيْبٍ شَاهدِ
 
القَاهِريُّ
 
ابْنُ الضَّجِيجِ
 
أَتَاكَ مِنْ تِيهِ المَدِينةِ..
 
مِنْ وجودٍ حَاقِدِ
 
أَلْقَى عَلَيْه الرِّيفُ
 
بُرْدةَ وَحْيهِ
 
فَأَتَى بِشِعْرٍ
 
غَيْرِ هذا السَّائدِ
 
وَرَمَى ..
 
بِأَقْنعةِ الوجودِ وَرَاءَه
 
وَقُلوبِها..
 
وَزُجَاجِهنَّ البَاردِ
 
هُوَ ذاكَ..
 
يَطْرقُ بابَ سِدْرةِ طُهرِه
 
فَأْذَنْ
 
لِسِكِّيرِ الحَياةِ الوَافدِ
 
وَافْتَحْ لَهُ
 
أَبْوابَ جَنَّةِ آدَمٍ
 
وَاقْبَلْ متَابَ ابْنِ القَصِيدِ
 
العَائِدِ.

تعليقات

اكتب تعليقك