10 سنوات على قيام الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون

محليات وبرلمان

777 مشاهدات 0

البرلمان الأوروبي

بين الحلم والواقع تجولت كمواطن خليجي في مقر الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ففر من أمامي كل من واجهته خوفا من شرر كل تلك الأسئلة الحادة المتطايرة من ثنايا حيرتي كمواطن خليجي عن العشر سنوات الماضية من عمر الهيئة.
تعتبر الهيئة الجهاز الرقابي والاستشاري في مجلس التعاون، وتمتلك الكثير من الصلاحيات التشريعية، حيث تراقب عمل الأمانة العامة لمجلس التعاون، وتوافق على أعضائها، وتشارك بوضع القوانين، وتصادق على الاتفاقات الدولية وعلى انضمام أعضاء جدد، كما تملك صلاحيات واسعة فيما يتعلق بالميزانية المشتركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. ويقع مقرها في مسقط بتراضي جمع الأطراف على النقيض من (البرلمان الأوروبي) الذي له مقر في ستراسبورغ لكنه يعمل أيضا في بروكسل ولوكسمبورغ، دون الإشارة إلى الخلافات الرسمية المريرة بينهم بشأن مقر البنك المركزي الأوروبي، والخلافات الشعبية على رئاسة المجلس الأولمبي الأوروبي.
آثامنا الاستراتيجية كما يقال تكمن في استعارة القوالب الغربية على عواهنها، لكن الاستعارة الواعية لأحدث النظم السياسية في العالم الحديث هي المطبقة في هذه الهيئة التي تتكون بموجب قرار المجلس الأعلى 1997م من 30 مقعدا موزعة على الدول الأعضاء بشكل يتناسب مع عدد سكانها. ويقوم مواطنو كل دولة من الدول الأعضاء باختيار ممثليهم في الهيئة عن طريق انتخابات حرة ومباشرة تتم كل 5 سنوات. ويفرض عدد المقاعد المحدد لكل دولة على النواب من الدول المختلفة ضمن تيارات حسب انتماءاتهم السياسية. ويتم التصويت وفق مبدأ الأغلبية، مخالفة بذلك (البرلمان الأوروبي) الذي لا يتم انتخاب أعضائه بل يتم تعيينهم من قبل حكوماتهم فتكون رؤيته نسخة من رؤية حكوماتهم.
إن الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون هي المؤسسة الوحيدة التابعة لمجلس التعاون التي تجتمع وتجري مناقشاتها علنياً. ولا يجلس النواب في قاعة البرلمان وفقاً لتقسيم وفود الدول وإنما في مجموعات، مقسمين وفقاً لانتماءاتهم السياسية الحزبية كما أشرنا أعلاه. وتوجد الآن عدة هيئات برلمانية وبعض الأعضاء المستقلين. وللهيئة رئيس يتولى شأنها، أما المجلس الرئاسي فهو الجهاز الإداري لها وهو مسؤول عن القضايا المتعلقة بالميزانية والعاملين بها وكذلك القضايا التنظيمية.
ولأن الشيء يعرف من نقيضه نعيد استعارة التجربة الأوروبية ونقول إن البرلمان الأوروبي لم يحظ بمثل دور الهيئة الاستشارية وعلاقتها بالمجلس الأعلى إلا مرة واحدة عندما قام الاتحاد الأوروبي في خطوة جريئة بدعوى تدعيم دور البرلمان الأوروبي في المساهمة بفاعلية في تعزيز (مسيرة العمل المشترك)، وقرر دعوة رئيس البرلمان الأوروبي لحضور اجتماعات الاتحاد للرد على ما قد يكون لدى الاتحاد من استفسارات حول مرئيات البرلمان بشأن المواضيع المحالة إليه من قبل الاتحاد، حيث إن من نقاط ضعف (البرلمان الأوروبي) أنه لا يناقش من الأمور إلا ما يحال إليه من قبل (الاتحاد الأوروبي) فقط.
للخروج من تهمة التبعية وسيف الإغراءات المالية يتقاضى كل عضو في الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية راتباً شهرياً قدره 4 آلاف دينار بحريني أو 3 آلاف دينار كويتي، علاوة على 430 دولارا عن كل يوم يشارك فيه في اجتماعات الجلسات العامة أو اللجان. ويحق للعضو إذا أراد التقاعد بعد بلوغه سن الأربعين -حيث لا تضم الهيئة الاستشارية إلا منهم أصغر من 40 عاماً- أن يتقاضى معاشاً عن مدة انتخابه بحد أقصى %70 من راتبه السنوي عن كل عام أمضاه في الهيئة. وتترجم أعمال الهيئة ووثائقها إلى لغات عدة تنشر في كل دول المجلس وفي الدول المحيطة لبناء جسور الثقة ولتنوير الجاليات. وفيما سبق نرى الشفافية التي لا تتوفر في عمل (البرلمان الأوروبي) مثلا، والذي لا يعلم أحد عن مخصصات أعضائه من باب إن المواطن الأوروبي لا يدفع ضرائب فلا يحق لهم والحالة هذه أن يطالبوا بمعرفة المصاريف أو بالتمثيل من باب القاعدة الفقهية السياسية الأوروبية (No Representation without Taxation).
واقتناعاً بضرورة توسيع قاعدة التشاور وتكثيف الاتصالات بين الدول الأعضاء فقد تم تكليف الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بدراسة العديد من مشاريع التعاون، وتزخر قائمة قرارات التكليف والإنجازات لدى الهيئة بنجاحات عدة لصالح (مسيرة العمل المشترك). وفي الوقت نفسه نجد أن الهيئة قد أقامت العديد من قنوات التواصل ليس مع الفئات الفاعلة في المجتمع الخليجي فحسب بل مع المواطن العادي لكونها ممثلة له من خلال أدوات الرصد والقياس والتحليل والاستبيانات.
لقد تجاوزت الهيئة العديد من هياكل التعاون الشعبية التي أقيمت بين دول عدة، وإذا عدنا لمثال (البرلمان الأوروبي) نجد دورانه في حلقة مفرغة حيال قضايا نخبوية مثل دور القطاع الخاص في تعزيز التواصل بين أبناء الاتحاد الأوروبي وخلق المواطنة الاقتصادية حيث نجد قرار الاستعجال في إنجاز مواطنة التجار أولاً على أن يتم تحقيق مواطنة الإنسان الأوروبي العادي في غضون الـ 45 سنة القادمة. كما جعل البرلمان الأوروبي جل اهتمامه نحو قضية الإرهاب بإيحاءات وضغوط أميركية بدل تركها لمؤسسات الأمن المختصة، حتى أصبح الأوروبيون في حالة هلع ويعملون كشركات حراسة للمصالح الأميركية. كما أن من اهتماماته وضع الأطر القانونية لتبذير أموال الطفرة النفطية الثالثة هناك. كما عرج البرلمان الأوروبي على دراسة قضايا الطاقة، مهدراً وقته على الاستخدام السلمي للطاقة النووية بإيحاءات من شركات نووية فرنسية متجنباً تناول موضوع النفط الذي هو عصب الحياة لديهم. أما قضية إصلاح الاختلال في التركيبة السكانية بما يحقق التجانس السكاني فقد بدأ (البرلمان الأوروبي) في مناقشتها منذ الدورة الـ 23 للاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2002 وما زالت دون أن تتقدم قدر أنملة. وفي دورة الاتحاد الأوروبي الـ 22 2001، تم تكليف (البرلمان الأوروبي) بإعطاء الأولوية القصوى لدراسة القضايا الإعلامية الواردة في الاستراتيجية الموحدة ومنها العتب على القنوات الفضائية المارقة التي رفعت سقف الحرية بدرجة أعلى من أعمدة الخيمة الأوروبية المحافظة.
وما أوصل (الاتحاد الأوروبي) وذراعه الشعبي المسمى (البرلمان الأوروبي) إلى هذه الحالة التي جعلت جهوده تذهب أدراج الرياح إلا عدم الاهتمام بهاتين المؤسستين من قبل مواطنيهم، وعدم نقل جلساته تلفزيونيا للشعب الأوروبي كما هي الحال لدينا، وإدخالهما في هالة قدسية بعيدة عن النقد والتقويم. إلا أن هناك من يذهب إلى القول بأن جهل المواطن الأوروبي العادي بدور الاتحاد نفسه -إلا باحتفاليات انعقاد قممه- هي السبب، ويذهب آخرون إلى أن السبب هو إحساس المثقف الأوروبي المتابع بعدم الجدوى من انتقاد وتقويم مؤسسات (الاتحاد الأوروبي) بدءاً من حلف الناتو إلى السوق المشتركة إلى الاتحاد الجمركي.
إن مآلات الأمور كما نستشرفها تقول إن الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومقرها في مسقط -كما أعتقد- ستبقى لعشر سنوات قادمة كما كانت بالضبط حافلة بالإنجازات لدعم (مسيرة العمل المشترك) كالسنوات العشر الماضية. 
 

الآن: د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج -سان فرانسيسكو

تعليقات

اكتب تعليقك