فواز البحر: الفرق بين الصين وإيران: ما بين الإصلاح الاقتصادي والشعارات السياسية

زاوية الكتاب

كتب فواز البحر 268 مشاهدات 0


كتب فواز البحر :

في العقود الأخيرة، شهد العالم تحولات كبيرة في مواقف الدول الكبرى وسياساتها الداخلية والخارجية. من بين أبرز هذه التحولات، نجد التجربتين المختلفتين للصين وإيران. فعندما اتجهت الصين نحو الإصلاح الاقتصادي والتنمية، ابتعدت عن الشعارات الرنانة والخطابات الجماهيرية، واختارت نهجًا براغماتيًا يمزج بين الاقتصاد القوي والانفتاح على العالم. في المقابل، تبنت إيران شعار المقاومة والصراع مع الغرب، متبعة سياسة تركز على العداء مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكن بدون نتائج ملموسة على أرض الواقع.

الصين: ثمار الإصلاح والانفتاح

منذ أواخر السبعينيات، تبنت الصين سياسة الإصلاح والانفتاح بقيادة **دينغ شياو بينغ**. كانت الصين قد عانت لعقود من الفقر والعزلة تحت قيادة ماو تسي تونغ. ومع بدء هذه الإصلاحات في عام 1978، تحولت الصين تدريجيًا من اقتصاد زراعي مغلق إلى واحدة من أكبر الاقتصادات العالمية.

أهم ملامح هذا التحول كانت:

1. الابتعاد عن الشعارات الرنانة: كانت الشعارات الثورية تملأ الشوارع الصينية في فترة ماو، ولكن مع دخول البلاد في حقبة الإصلاح، بدأت الحكومة في التركيز على التنمية الاقتصادية الفعلية بدلاً من الخطابات الجماهيرية.
2. الانفتاح على الاستثمار الأجنبي: الصين أصبحت بيئة جذابة للمستثمرين الأجانب بفضل سياساتها المشجعة على التجارة والتصنيع.
3. التكنولوجيا والتصنيع: أصبحت الصين "مصنع العالم"، حيث استثمرت في تطوير بنيتها التحتية وتكنولوجيا المعلومات، مما جعلها وجهة رئيسية للتصنيع العالمي.
4. نمو اقتصادي هائل: على مدى العقود الأربعة الماضية، نما الناتج المحلي الإجمالي الصيني بمعدل مذهل، حيث بلغ متوسط النمو الاقتصادي السنوي حوالي **9.5%** من 1978 إلى 2018.

بحلول عام 2020، أصبحت الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي **14.7 تريليون دولار**. وقد أثمرت هذه السياسات بشكل كبير، حيث انتُشلت مئات الملايين من الصينيين من الفقر، وتحولت الصين إلى قوة اقتصادية عالميه


إيران: الشعارات السياسية والاقتصاد المنهك

في الجهة المقابلة، نجد إيران التي اختارت طريقًا مختلفًا تمامًا. بعد الثورة الإسلامية في عام 1979، تبنت إيران شعارات المقاومة ضد "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة) و"الكيان الصهيوني" (إسرائيل). وعلى الرغم من الترويج لهذه الشعارات بشكل واسع على المستوى الداخلي والخارجي، إلا أن النتائج كانت بعيدة عن التوقعات.

أبرز ملامح هذه السياسة كانت:

1. الشعارات الرنانة والخطابات الثورية: منذ قيام الثورة، ركزت القيادة الإيرانية على الترويج لشعارات المقاومة ضد الغرب، لكن هذه الشعارات لم تترجم إلى إصلاحات اقتصادية أو تنموية.
2. التوترات الدولية: بسبب هذه الشعارات والسياسات العدائية، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، مما أدى إلى شلل في الاقتصاد الإيراني.
3. **العزلة الدولية**: إيران أصبحت دولة منبوذة على المستوى الدولي، ولم تستطع بناء تحالفات قوية باستثناء بعض القوى الإقليمية مثل سوريا وحزب الله.
4. النمو الاقتصادي المنخفض: بينما كانت الصين تحقق معدلات نمو اقتصادي مذهلة، كان الاقتصاد الإيراني يعاني. في عام 2020، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لإيران حوالي **191 مليار دولار**، وهو ما يعكس تدهورًا حادًا بسبب العقوبات والفساد الداخلي وسوء الإدارة.

المقارنة بين الصين وإيران: الأرقام تتحدث

إذا ما قارنا بين الصين وإيران، نجد أن الفارق شاسع. الصين ركزت على الإصلاح الاقتصادي والتطوير، بينما استمرت إيران في رفع شعارات الصراع دون نتائج ملموسة.

النمو الاقتصادي الصين حققت نموًا اقتصاديًا سنويًا تجاوز **9%** على مدى العقود الأربعة الماضية، بينما تعاني إيران من معدلات نمو سلبية في العديد من السنوات. على سبيل المثال، في عام 2019، انكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة **7.6%**.

الناتج المحلي الإجمالي: بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 14.7 تريليون دولار في 2020، بينما بلغ لإيران **191 مليار دولار** فقط، وهو فرق هائل بين البلدين.

التجارة الخارجية: الصين أصبحت ثاني أكبر مصدر في العالم، حيث بلغ حجم صادراتها أكثر من **2.6 تريليون دولار** في 2020. في المقابل، تعاني إيران من تراجع كبير في صادراتها بسبب العقوبات، حيث بلغ حجم صادراتها في عام 2020 حوالي **46 مليار دولار** فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بالصين.

التنمية البشرية: ارتفعت معدلات التنمية البشرية في الصين بفضل الإصلاحات الاقتصادية، بينما تعاني إيران من تدهور في مؤشرات الفقر والبطالة. في الصين، انخفضت نسبة الفقر إلى أقل من **1%**، في حين أن أكثر من **40%** من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر.

الخلاصة: الإصلاح مقابل الشعارات

الصين حققت إنجازات هائلة بعد تبنيها للإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم. بعيدًا عن الشعارات السياسية، ركزت الصين على بناء اقتصاد قوي واستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية، وها هي اليوم تجني ثمار هذا النهج.

في المقابل، استمرت إيران في رفع شعارات المقاومة والصراع مع الغرب، لكنها لم تحقق أي تقدم ملموس على أرض الواقع. الشعب الإيراني يعاني من الفقر والبطالة، في حين أن حكومته لا تزال تركز على الصراع الخارجي بدلاً من الإصلاح الداخلي.

الأرقام والحقائق تتحدث بوضوح: الإصلاح الاقتصادي والانفتاح على العالم هما الطريق نحو التقدم والازدهار، بينما الاعتماد على الشعارات دون أفعال يؤدي إلى العزلة والانهيار.

تعليقات

اكتب تعليقك