من ينصح رئيس الوزراء:

محليات وبرلمان

هارت، أتكينز، بلير، أم أحمد السعدون؟

5058 مشاهدات 0



                                                            رأينا
 قديما قيل أن 'النصيحة بجمل'، وحاليا يقال 'السياسة حصافة'، وتقديم رئيس الوزراء- الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح- قضايا ضد الكتاب (أنظر الرابطين
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=39631&cid=30
و الرابط
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?cid=48&nid=39135
 مسألة تستدعي الوقوف عندها بجملة من الملاحظات التي هي أقرب للتقييم والنصح منها إلى التحليل والنقد، فمن الواضح أن من أشار على رئيس الوزراء بتحريك هذه القضايا قد أضر الرئيس سياسيا أكثر مما قد أفاده، ولنسجل ما يلي:
1.          اللجوء للقضاء حق وتصرف حضاري وانعكاس لسيادة القانون ونقطة تسجل لرئيس الوزراء وليست ضده فهي تعني إيمانه بدولة القانون واستقلالية القضاء.
2.          اللجوء إلى القضاء من قبل رئيس الوزراء سينتج عنه ثلاث احتمالات:
أ‌.               حفظ القضية لعدم الجريمة.
ب‌.      تبرئة الكاتب.
ت‌.      إدانة الكاتب.
وفي حالة التبرئة أو الحفظ، يكون الرئيس قد خسر القضية وثبّت صدق ما قد كتبه الكاتب، وبالتالي فإن ذلك يستدعي إجراء من قبل سموه. فإن لم يدن الشليمي –مثلا- في قضية مقاله حول 'اتفاقيات مملكة سوازيلاند'، فإن المنطق يتطلب إجراء من الحكومة أقله مراجعة جدوى تلك الاتفاقيات أو حتى إلغائها.
3.          مع أن اللجوء للقضاء تصرف حضاري وحق لسمو الرئيس، إلا أن الدول الديمقراطية لا  يلجأ سياسيوها للقضاء لمقاضاة من يكتب أو يقول أو حتى يستهزئ بأدائهم السياسي بصفتهم وليس بأشخاصهم، فغالبا ما يصرح –أو يصدر بيان من مكتب رئيس الحكومة أو الوزير أو النائب المعني بما كتب اعتمادا على أهميته ومصدره وجدية مادته ووثائقه المنشورة لتوضيح الصورة أو نفي الخبر تماما وينتهي الأمر، وعند النفي تقوم الوسيلة الإعلامية بإثبات صدق خبرها ونشره للجمهور، ولنا في ذلك ثلاثة أمثلة شهيرة، مثال محلي كويتي:
أ‌.               أنكر وزير الدفاع البريطاني الأسبق- جوناثان أتكنز- تلقيه أموالا أجنبية من غير وجه حق نافيا ومتحديا صحيفة الغارديان البريطانية، فكان أن نشرت الصحيفة في التالي وصولات لإقامته وزوجته (ويك إند) في فندق الريتز الباريسي الشهير قام بدفعها أمير سعودي، وعليه صارت الضجة واستقالته وانتهى به الأمر بالسجن على توالي فضائح أخرى مالية.
ب‌.      أنكر مرشح الرئاسة الديمقراطي الأمريكي القوي –جون هارتس- العام 1987 تقارير حول علاقته الغرامية مع العارضة الشقراء الجميلة –دونا رايس- نشرتها الميامي تريبيون، وتحدى الصحيفة أن تثبت صحة ما نشرته عنه. فقامت الصحيفة بنشر صور فاضحة له على يخت بالبحر والعارضة تجلس بحضنه بلباس البحر (المايوه)، فكانت فضيحة انسحب على إثرها من سباق الرئاسة لأهم وأقوى منصب سياسي في العالم.
ت‌.      تحدى رئيس الوزراء السابق توني بلير البي بي سي أن تثبت صحة تقرير لمراسلها أندرو جيليجان عام 2004 بأن بلير 'زيّن' (SEXED UP) بمعنى ضلّل أو بمعنى أوهم وخدع الرأي العام البريطاني بضرورة الحرب على العراق بتقارير وهمية كاذبة، فكان أن تحدّى بلير في تصريحات عامة ما قالته البي بي سي، فتشكلت لجنة محايدة سميت لجنة 'هاتون' أدانت فيها البي بي سي، فاستقال رئيسها ومديرها العام ومراسلها صاحب التقرير- أندرو جيليجان.
ث‌.      كُتب أحمد السعدون حين كان رئيسا لمجلس الأمة- وهو منصب أعلى دستوريا من منصب رئيس الوزراء- وكنائب مخضرم ما لا تحتمله الجبال من النقد المباح والنقد اللاذع والظالم و'الخرطي' والصفيق والبذيء والسيء والرديء ... إلخ من أوصاف النقد السيء، لكنه لم يحرّك يوما قضية أو يرد على أحد مما يكتب، وكان ينتهز الوقت المناسب ليطلق تصريحا يبيّن فيه موقفه مما كتب أو أثير دون حتى أن يسمي من انتقده أو أن يشير إلى وسيلته الإعلامية، واتخذ السعدون هذا المبدأ على الرغم من أنه نائب ومواطن عادي، وليس شيخا ورئيسا للوزراء، ولا زال ملتزما بهذا الموقف الذي لا أحد يظن بأنه سيخالفه بعد هذا الصمود الطويل، مسجّلا بذلك مثالا يحتذى لكثير من الساسة، ونموذجا يدرسه مستجدو العمل البرلماني والإعلامي ومدّعو الديمقراطية والحرية.
 الملاحظ أن أي من هؤلاء الساسة لم يلجأ لمقاضاة الوسائل الإعلامية التي نشرت ما قالوا أنه خطأ وغير صحيح، وفي هذه الحالة: إما أن تثبت الوسيلة الإعلامية صدق ما قالته، أو أن يثبت صحة كلام السياسي مما يعد إضافة لصدقيته السياسية ولسجل أدائه السياسي.
لعل الواحد يحتار من أن يحرك رئيس الوزراء قضية ضد الكاتب والمحامي محمد عبدالقادر الجاسم، وذلك بعد أن خصه يوما دون غيره بالرد عليه من خلال الصحافة، فكان ذلك محل استغراب من الرد على ذلك الكاتب بعينه، وهو الذي يتعرض لنقد الكتاب يوميا، وزادت الغرابة بعد رد الكاتب على رد الرئيس، وتوقع المراقبون ردّا من رئيس الحكومة على رد الكاتب، فلم يأت أبدا (أنظر http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=28716&cid=43)
لكن رئيس الوزراء- وبناء على نصيحة خاطئة- قام بإيقاف الجاسم عن الكتابة حيث يكتب-حسب ادعائه على مدونته، فلماذا قاضاه بعد أن أوقفه؟ وبعد أن منحه خاصية الرد عليه دون غيره من الكتّاب؟
 كما أن الواحد يستغرب مقاضاة سموه لناصر الشليمي وهو كاتب واعد وشاب نشط سياسيا، لا يزال الكثيرون لم يتعرفوا على ملامح قلمه، وأهداه سموه هدية مجانية للشهرة والنجومية السريعة- التي قد ينالها عاجلا أم آجلا مثلما تظهر بوادر قلمه وشعلة نشاطه في جمعية مراقبة الأداء البرلماني.
 إن تقديم النصح الصادق لرئيس الوزراء تقتضي القول:
'يا سمو الرئيس، إن خلّيت، خلّيت شيطان، وإن ضربت، ضربت نبي'، أي أن سموك هو الخاسر سياسيا في حالة الفوز بالقضايا ضد الكتّاب، و سموّك هو الخاسر –سياسيا وقضائيا- في حالة خسارتك لأي من هذه القضايا، كان يمكن أن تصاغ بيانات أسبوعية صحافية من مكتب سموّك للرد على ما تظن أنه يستحق الرد، وأن تتجاهل ما تظن أنه تافه لا يستحق الالتفات إليه، لكن الدخول في معارك قضائية وأنت السياسي في مواجهة الكاتب والإعلامي، لهو دخول في معركة خاسرة سلفا من الناحية السياسية، وخصوصا بأن سموّك رئيس حكومة دولة ديمقراطية ومشروع حكم قادم محتمل، وعليه فإن من نصحك أضرك من حيث لا يعلم لغباء وجهل أو لنفاق ومداهنة أو لمصلحة، أو لعله أضرك من حيث يعلم بخبث ودهاء ومكر.
 عرف عن رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح مراجعته لكثير من الأمور، وقد سجّل خصومه بأن مراجعته تلك كانت تردّدا وضعفا، بينما رأى آخرون في بعض المراجعات حصافة سياسية ومراجعة تصحيحية، وإن لمن الحصافة أن يقوم الرئيس بسحب القضايا التي حركها لأنه سيكون الخاسر الوحيد في حالة استمراره فيهما، وسيكون الضرر أقل في حالة سحبه لتلك القضايا، بل سيجد كثير من مؤيدوه من الكتّاب مناسبة للمديح والثناء –وربما النفاق- لديمقراطيته ولرجوعه عما يعتقد بأنه في غير محلّه.

 

الآن

تعليقات

اكتب تعليقك