الشاعر #كريم_معتوق: لاينقص الشعر العامي الخليجي إلا الدراسات النقدية

فن وثقافة

الآن 1064 مشاهدات 0


مرّ عليّ بيت شعر للشاعر الشعبي القطري جابر النشيرا يمدح فيه الشاعر محمد بن الذيب ،وقد تملكني البيت رغم بساطته ، القصيدة جميلة وصورها جديدة خاصة أن موضوعها من القليل الذي نقرؤه ، حيث أن العادة أن يكون المدح بالحاكم ومن النادر أن يكون هناك مدح من شاعر لشاعر ، وهذا هو الحب المرجو ، يقول البيت بعد أن فاض بوصف الشاعر وفضائله الشعرية مخاطبا القارئ :

إن سمعْ بأمرٍ صعبْ قالوا له ابن الذيب حلَّه
وإن سمعْ بيتٍ قوي قالوا له ابن الذيب قاله
كيف أقول إنك جبل واقول ظلك مثل ظله
وانت ما يقصر ظلالك والجبل يقصر ظلاله

إن المعنى الذي يبقى ويخلد هو المعنى الذي يجب أن نشيد به ، فحين نعرج بتاريخنا العربي ونستذكر أكثر الأبيات الشعرية التي أشاد بها أساتذة النقد في الأدب العربي ، فإنني أجد أنهم تعاملوا مع الصورة الشعرية بمكوناتها الفنية من الاستعارة والتشبيه والكنايات والمحسانات البديعية ، دون أن يلتفت أحد حسب معرفتي إلى البعد الفني لخلود البيت الشعري وحياته القادمة ،
مثال ذلك بيت النابغة الذبياني الشهير :

فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ    
إذا طلعت لم يبد منهن كوكبُ

لقد مات النعمان بن المنذر ولن يطلع ثانية ، والسؤال هل يشعر أي ملك الآن بأنه يتمنى أن يكون شمساً وبقية الملوك كواكب ؟ هذه الصفة التي تنتهي بنهايته ؟ لا أعتقد ذلك ، بينما البيت الأول للشاعر جابر النشيرا ، يجعل كل شاعر يتمنى أن يكون هذا البيت وصفاً له ، وكل شاعر يتمنى أن تكون هذه الصفة به ، أي أنه سبق الناس بحل الأمر الصعب ، وإن أي بيت جميل يقال فلان سبقك له ،  فيصبح البيت خالداً مع الممدوح ، وقس على ذلك غالبية الشعر العربي الذي قيل في أي غرض ، أغلبه خيال وبلاغة ولا يتجاوز الإمتاع والدراسة .

وصورة أخرى في الشعر الشعبي حين قال الشاعر الراحل بندر بن سرور وهو من عظماء الشعر في الخليج في مدحه للراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، حين سمع أمرأة في العراق تنادي على ولدها الصغير باسمه زايد فسألها عن الاسم الذي لم يكن مشهوراً في العراق فقالت أسمته على اسم الشيخ زايد ، فقال:
حتى العجوز اللي ورا شط بغداد  
سمت على الشيب الفلاحي ولدها
تبغاه يطلع مثل زايد ولا فاد      
ولا كل من هاز الطويلة صعدها

وقد رحل الشاعر ورحل قبله الشيخ زايد ولكن البيت ظل خالداً لديمومة المعنى الذي تناوله الشاعر
أيها الأحبة ، لن أطيل عليكم، إن الشعر الشعبي في الكثير من حالاته ، خاصة في العراق والخليج يحلق في مجرة خارج مجرتنا ، ولا ينقصه إلا الدراسات النقدية .

*شاعر وروائي إماراتي

تعليقات

اكتب تعليقك