ياسر العجمي يكتب عن عوالم الانترنت

زاوية الكتاب

كتب 524 مشاهدات 0


ياسر العجمي يقولون قبل ظهور الكلمة المكتوبة، كان الناس يعتمدون على ذاكرتهم، وقبل التليفون كان الناس يعرفون متعة كتابة الخطابات وتسلمها، والفرح لدى تسلم مظروف بريدي عليه خط حبيب او صديق او غائب بعيد حتى وان جاء متأخرا بشهر او بشهرين لا يهم، وقبل التلفزيون والكمبيوتر، كان لدى الناس احساس اقوى بالجماعة، ومودة اكثر تجاه الجيران وافراد العائلة. ومع الثورة الجديدة في الاتصالات والاعلام المرئي المنوع والمفتوح جعلنا التلفزيون والانترنت نلتصق ببيوتنا، وعزلنا عن باقي البشر، واصبحت المجتمعات اقل حميمية واكثر عزلة، بعد ان وفر الكمبيوتر الخدمات الشتى في التعامل مع كل شيء وانت جالس او نائم كالتعامل مع البنوك وشركات الكهرباء والاتصالات والعديد العديد من الخدمات الاخرى وهذه تكنولوجيا حسنة لو ابقينا على بعض ما كنا نمتلكه من مظاهر اجتماعية تشيع الدفء والتواصل في المجتمع. ومع التزايد المستمر في استخدام شبكات الانترنت والتي كان لها من التطوير المعرفي الشيء الكثير على عموم مستخدميها، فقد دفعت الحياة الى ما وراء الحواجز الطبيعية القديمة للزمان والمكان، اذ بوسعك التجول بواسطتها حول العالم دون مغادرة منزلك، ويمكنك تكوين الصداقات وحتى الزواج ان اردت، او ان تتبادل المعلومات في اي مجال مع زميل لك على الناحية الاخرى من المحيط، فهذه الحسنات الكثيرة التي ساقتها الينا تكنولوجيا المعلومات وشبكات الانترنت تقابلها بعض السلبيات التي اجبر البعض نفسه على العيش بها حتى تملكته وعزلته عمن حـوله. من هذه السلبيات تلك العوالم التي اصبح يعيشها الكثيرون وتلك الحياة التي يتنفسونها خلف شاشاتهم، فنحن ندخل بالفعل سواء وعينا ذلك ام لا.. عالما جديدا اسمه «العالم الافتراضي»، فهذا العالم يسمح لك بارتياد عالم وهمي والوجود فعليا بداخله، فكثيرون منا يرغبون العيش والتحاور مع الآخر بعيدا عن واقع حياتهم والذي قد لا يمنحهم هذه الميزة، فالكثيرون منا لم يدخلوا يوما في حوار بريء مع امرأة والعكس صحيح بالطبع، فنحن نمقت هذا الشيء في واقعنا ونسعى اليه في عالمنا الافتراضي الوهمي، فهذه الفئة من الناس يجدون في هذا العالم شخصيات رائعة امامهم وشخصيات رائعة ايضا هم من يرسمها لانفسهم وان لم يكونوا كذلك في الاصل، ولان الناس مغتربون لا يجدون في داخلهم سوى القليل، ولان ارواحهم ملأها الجدب، فانهم يصنعون عوالمهم الخاصة والحافلة بالشخصيات الافتراضية. وفي ظل الاستبداد السياسي، والضغوط الاجتماعية المرتبطة بظروف المعيشة، التي جعلت كلا منا يعيش في جزيرة منعزلة بعد ان اصبح لا يمتلك الوقت، حتى لو توافرت النية للتواصل مع الآخرين، وظهور التيارات المتطرفة التي ترفض التواصل البريء بين الجنسين او على المستوى السياسي والفكري، اصبحنا من الهاربين من الواقع والمتلصصين على الآخرين، وفي هذا العالم يصنع كل منا بطله او بطلته، غير معترف بحدود او رقابة او لغة او لهجة، والخطير ان هذا النوع من الثقافة يدفعنا الى مزيد من العزلة، ومزيد من العيش في عالم افتراضي حافل بالنرجسية، والنزعة الاستعراضية والرغبة في الاستحواذ على انتباه الآخرين واهتمامهم ورضاهم. والثقافة التي تروج في هذا العالم هي ثقافة القطيع ثقافة عديمة الاتجاه، تفتقر الى اي شيء يمكن ان يفسر انه وعي اجتماعي، او قيمة روحية او انسانية.. فهل ستظل هذه العوالم سائدة لدينا غارقين في وهمها الكاذب؟ وهل سنستطيع ان نجتازها نحو واقع ملموس ونعيش كما نريد لانفسنا بنفس ما كنا نتوهم في هذا العالم؟
الأنباء

تعليقات

اكتب تعليقك