أ. د عبداللطيف بن نخي: ما بعد كارثة «حريق المنقف»

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 1298 مشاهدات 0


يبدو أن الكويت نجحت مرحليّاً في احتواء وتقليل الأضرار الخارجية «غير المباشرة» الناجمة عن حادث الحريق المأسوي في المنقف، وذلك بفضل مسلسل من الإجراءات السليمة التي نفّذتها، ابتداءً بالقرارات والتصريحات الحازمة من قِبل النائب الأوّل لرئيس الوزراء الشيخ فهد اليوسف، في موقع الحادث وخلال الساعات الأولى من وقوعه، ومروراً بالاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية عبدالله اليحيا، مع نظيره الهندي، وتتويجاً بالتوجيهات السامية بنقل جثامين الضحايا بطائرات عسكرية وصرف مساعدات مالية فورية لأُسرهم.

ولكي تستكمل الكويت تعاطيها المهني السديد مع الحادث، في البعدين الداخلي والخارجي، ينبغي أن تُعالج جذريّاً أزمة مساكن العمّال المتفاقمة عبر مسارين متزامنين. الأوّل هو مسار تنفيذ خطط ومشاريع إنشاء المدن العمالية – المؤجّلة والمكمّلة – خارج المنطقة الحضرية.

والمسار الثاني هو فرض قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل (199) لسنة 2010 في شأن تحديد اشتراطات ومواصفات السكن المناسب للعمّال، داخل وخارج المنطقة الحضرية.

بالنسبة للمسار الثاني، القرار الوزاري الساري يكفل الحق المقر أمميّاً للعمّال في السكن اللائق، ولكن ينقصه التطبيق على أرض الواقع. فالقرار «المهمّش» يُلزم أصحاب العمل بمنح العمّال «بدل سكن» أو توفيره وفق اشتراطات مقبولة أممياً، أهمّها ألّا تضم الغرفة أكثر من (4) أفراد، وألا تقل المساحة المخصّصة للفرد في الغرفة عن (4) م2، وضرورة توفير غرفة مستقلّة لتناول الطعام ومطبخ جدرانه مكسوّة بالبورسلان ويتوافر فيه طبّاخ وثلاجة، وكذلك توفير دورة مياه لكل (8) عمّال مزوّدة بسخان ماء ومطهّرات ومنظّفات.

أمّا بالنسبة للمسار الأوّل، فكانت فكرة إنشاء المدن العمالية متداولة في مجلس الأمّة منذ بداية الألفية الحالية. والمجلس أقر أوّل قانون لإنشاء المدن العمالية (قانون رقم (40) لسنة 2010 في شأن تأسيس شركة مساهمة كويتية أو أكثر تتولى وفقا لنظام البناء والتشغيل والتحويل للدولة القيام بتصميم وتنفيذ وتشغيل وصيانة مدن للعمال في مايو 2010. ولكنه لم يُطبّق، وأُلغي بصدور القانون رقم (116) لسنة 2014 في شأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بعد توافق السلطتين التشريعية والتنفيذية على أن يكون إنشاء المدن العمالية عبر هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وبعد عام من تخصيص البلدية (6) مواقع لإنشاء المدن العمالية في 2016، أي في عام 2017، دعت «هيئة الشراكة» جميع الشركات وتحالفات الشركات، المحليّة والإقليمية والأجنبية المتخصّصة والشركات المسجلة في سوق الكويت للأوراق المالية، إلى تقديم طلب التأهيل لمشروع مدينة عمالية «متكاملة» في جنوب الجهراء، بمساحة تزيد على المليون متر مربع وبطاقة استيعابية تبلغ (20) ألف عامل، يتضمن المشروع – إلى جانب المجمّعات السكنية – مرافق وخدمات عامة وتجارية واجتماعية. ولكن إجراءات الترسية لم تستكمل بالرغم من تمديد فترة تسليم عطاءات المشروع أكثر من مرّة، كان التمديد الأخير لغاية 15 /3 /2020.

في مسار موازٍ، نجحت الحكومة في إنشاء مدينتين عمّاليتين. الأولى أنشأتها وزارة الأشغال العامة في صبحان وسعتها (3200) عامل، والثانية في الشدادية سعتها (8400) عامل أنشأتها «الأشغال» و«البلدية» عبر شركة إدارة المرافق العمومية، وهي إحدى الشركات الحكومية التابعة كليّاً «للهيئة العامة للاستثمار». وكلتا المدينتين تديرهما وتشغلهما «شركة المرافق». كما سلّمت بلدية الكويت قبل ثلاثة شهور موقعاً في صبحان إلى شركة عقارات الكويت لإنشاء مدينة عمّالية ثالثة سعتها (3000) عامل.

من بين أهم أسباب استمرار فشل السلطتين التنفيذية والتشريعية، في جذب الاستثمارات الخارجية لمشاريع إنشاء شركات مساهمة كويتية لإنشاء – وتشغيل وتحويل ملكية – مدن سكن عمّال، هو استمرارهما في تشريع قوانين متعدّدة الأبعاد – وأحدها اقتصادي – من دون دراسة جدوى، عبر استيراد تجارب ناجعة من دول خليجية «تنعم بالاستقرار السياسي الداخلي» من دون مراعاة الفوارق في المخاطر على المستثمر الإستراتيجي.

لذلك، أناشد حكومة سمو الشيخ أحمد العبدالله، توظيف الرصانة الاستثمارية والخبرة في بناء وتشغيل مُدن عمالية محليّة، المتوافرة لدى الهيئة العامة للاستثمار، في تنمية فرص جلب الاستثمارات الخارجية لمشاريع المدن العمّالية...

اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

تعليقات

اكتب تعليقك