مسرح الطفل.. الرسالةُ والمهمةُ اليوم.. بقلم: فهد توفيق الهندال

فن وثقافة

الآن 572 مشاهدات 0


يعدّ مسرح الطفل أهم وسائل التعبير الفني والتعليم في المجتمع، حيث يجمع بين المتعة والتعلم في بيئة تفاعلية وآمنة للأطفال. يلعب هذا النوع من المسرح دورًا كبيرًا في تنمية الخيال، وتعزيز القيم، وتحفيز الفضول لدى الأطفال نحو المعارف.

يمتد تاريخ مسرح الطفل لعصور طويلة، فهو متجذر في ثقافات مختلفة حول العالم. بدأ مسرح الطفل كمفهوم غير رسمي في المجتمعات القديمة، حيث كانت الروايات الشفوية والقصص الشعبية تلعب دورًا كبيرًا في تعليم الأطفال وتثقيفهم. في العصور الوسطى، كانت المسرحيات الدينية تُعرض في أوروبا كجزء من احتفالات الكنسية، وكانت تتضمن عناصر تجذب الأطفال. مع مرور الوقت، بدأت هذه المسرحيات تتطور وتصبح أكثر تخصصًا لتلبية احتياجات الجمهور الصغير.

وفي القرن التاسع عشر، شهد مسرح الطفل تحولًا كبيرًا بفضل جهود الأفراد والمنظمات الذين أدركوا أهمية تطوير مسرحيات مخصصة للأطفال. فبدأت الفرق المسرحية في تقديم عروض تستهدف الأطفال بشكل مباشر، مع التركيز على القيم التعليمية والترفيهية.

كانت بدايات مسرح الطفل في القرن العشرين، مع المسرحيّات الأولى التي كتبها الاسكتلندي جيمس باري الذي كتب مسرحية (بيتر بان)عام 1902، ليأتي بعده الكاتب البلجيكي موريس ماتيرلنك من خلال عمله المسرحي (العصفور الأزرق) عام 1907م، ثم الاسباني اليخاندرو كاسونا الذي كتب مسرحيتي (العصفورة الملونة) عام 1928(الحورية الخارجة من الماء) عام 1934، ليصبح مسرح  الطفل جزءًا أساسيًا من الثقافة الشعبية. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، بدأت المدارس والمراكز الثقافية بتنظيم عروض مسرحية للأطفال بانتظام. كما شهدت هذه الفترة ظهور مؤلفين مسرحيين متخصصين في كتابة النصوص للأطفال، مثل لويس كارول الذي كتب (أليس في بلاد العجائب)، تيد هيوز الذي قدّم أعمال (عظام النمر)، (شون والغبي والشيطان والقطط) و (مجيء الملوك) .

لتدخل أعمال ديزني مضمار العمل المسرحي باقتباس الكثير من شخصياتها في أعمال مسرحية كثيرة.

في حين، انطلق مسرح الطفل العربي من عروض الدّمى المتجولة ومسرح الظل والأراجوز بين الحواري والمدن والريف، ليُعتبرذلك

الشكل الأول لمسرح الطفل.وفي مطلع الستّينات من القرن العشرين، أصبح مسرح الطفل ضمن السياسة الثقافية والتربويّة للحكومات العربية، لما فيه توجيه نحو الانتماء للموروث العربي والحس القومي. وقد تأسس أول مسرح للأطفال في مصر سنة 1964،ولعل العرض المسرحي الخاص بالدمى (الليلة الكبيرة) لصلاح جاهين وسيد مكاوي أهم عروض تلك البدايات. وفي سورية تأسس مسرح العرائس عام 1960 وكان يُقدّم عروضه ضمن نطاق المسرح المدرسي، حتى تحوّل لعروض خارج النطاق المدرسي يقدمها ممثلون محترفون بعدما كانت منحصرا على ممثلين من الطلبة والطالبات، ومن أشهر العروض المسرحية وقتها التي كتبها الكاتب اللبناني فائق الحميصي والشاعر السوري سليمان العيسى.

وفي الكويت، وهي الرائدة خليجيا في مسرح الطفل، حيث بدأ بالظهور بشكل ملحوظ في السبعينيات من القرن العشرين، تزامنًا مع النهضة الثقافية والفنية التي شهدتها البلاد.

كانت البدايات متواضعة، ولكنها سرعان ما تطورت بفضل جهود عدد من الفنانين والمثقفين الذين أدركوا أهمية هذا النوع من المسرح في تنشئة الأطفال، فقد انطلق مسرح الطفل في بداياته من مسرح العرائس تحت عنوان (أبوزيد بطل الرويد) (1974) لفرقة المسرح الكويتي، من تأليف الشاعر الأسير الشهيد فايق عبدالجليل، وإخراج أحمد خلوصي. بعدها كانت جهود المسرح التربوي على يد الكاتبة عواطف البدر وهي المتمرسة في النشاط المسرحي التربوي بما قدمته عبر مؤسستها الفنية من أعمال خالدة في مرحلة التأسيس من منتصف السبعينيات إلى الثمانينات، مستقطبة أسماء عربية للاستلهام من الموروث الشعبي العربي وقد أثمر ذلك نحو 30 عملا خلال 10 سنوات امتدت منذ العام 1978 وحتى العام 1986 ، ومن بين تلك الأعمال السندباد البحري والبساط السحري وغيرها، شارك في تأليف تلك الأعمال مجموعة من الكتّاب العرب، ومنهم خلف أحمد خلف من البحرين ومحفوظ عبد الرحمن والسيد حافظ من مصر، ولعل أهم المخرج الفنان الراحل منصور المنصور هو من أهم المخرجين من تبنّوا وقتها مسرح الطفل وإخراج عدد كبير من أعماله الخالدة.

ثم ينتقل مسرح الطفل بعدها لمرحلة من رحم الأكاديميةعلى يد خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، فيشكّل طريقا جديدا على يد نخبة من الكتاب والمخرجين، فقدمت أعمال مسرحية للطفل خلال نهاية الثمانينات والتسعينات، مستعيرة من القصص الإنساني ما يكون مناسبا للاسقاط على واقع تلك الحقبة.

وعند مناقشة واقع وحال مسرح الطفل اليوم، لابد من الوقوف على المدارس التي تأسس عليها تبعا لرسالة العمل المسرحي المخصص للعرض، والمدارس هي:

1. المدرسة الكلاسيكية:

تتميزهذه المدرسة بالتركيز على القصص الكلاسيكية والمعروفة، كالقصص المخصصة للأطفال، كسارة البندق، بينوكيو، صاحب الظل الطويل، وغيرها. تهدف إلى تعليم الأطفال القيم التقليدية والأخلاق من خلال سرد قصص تروي أحداثًا معروفة ومحبوبة.

2. مدرسة التفاعلية:

تركز هذه المدرسة على تفاعل الأطفال مع العرض المسرحي، حيث يتم إشراكهم في القصة من خلال الحوار والتفاعل المباشر مع الممثلين. يساعد هذا النهج على تعزيز المشاركة النشطة والفهم العميق للمحتوى.

3. مدرسة التعليم من خلال الترفيه (Edutainment):
تسعى هذه المدرسة إلى دمج التعليم بالترفيه، حيث يتم تقديم مواضيع تعليمية مثل العلوم والتاريخ والجغرافيا في قالب مسرحي مشوق. يهدف هذا النهج إلى جعل التعلم ممتعًا ومثيرًا للاهتمام.

4. المدرسة النفسية:

تركز على الجوانب النفسية والاجتماعية لتنمية الطفل، من خلال تقديم مسرحيات تعالج قضايا مثل الصداقة، والهوية، والشجاعة. تهدف هذه المسرحيات إلى تطوير مهارات التفكير النقدي والعاطفي لدى الأطفال.

ومن هنا، تنوّع مسرح الطفل بحسب أهدافه وأدواته، لنجد هذه الأنواع:

1. المسرح التعليمي:
 

يهدف إلى تقديم مواد تعليمية بطريقة مشوقة، حيث يتم دمج المناهج الدراسية في العروض المسرحية لتعزيز الفهم والاهتمام بالمواد الأكاديمية. يمكن أن تشمل هذه العروض مواضيع مثل الرياضيات، العلوم، والتاريخ

2. المسرح الاجتماعي:

يركز على قضايا اجتماعية مثل التنمر، الصداقة، وقيم التعاون. يستخدم المسرح الاجتماعي لتوعية الأطفال بالقضايا التي قد تواجههم في حياتهم اليومية وكيفية التعامل معها بطريقة إيجابية.

3. المسرح الخيالي:

يعتمد على القصص الخيالية والأساطير لإثارة خيال الأطفال وتحفيزهم على التفكير الإبداعي. يعتبر هذا النوع من المسرح وسيلة رائعة لنقل الأطفال إلى عوالم جديدة ومغامرات ممتعة.


4. المسرح الموسيقي:  

يدمج الموسيقى والغناء والرقص في العروض المسرحية لجعل التجربة أكثر حيوية وجاذبية. يساعد هذا النوع من المسرح في تطوير مهارات الاستماع والإيقاع لدى الأطفال، ويشجعهم على المشاركة النشطة.

5. مسرح الدمى:  

يستخدم الدمى كوسيلة رئيسية لتقديم العروض. يعتبر هذا النوع من المسرح جذابًا للأطفال الصغار، حيث يمكن للدمى أن تجسد شخصيات وأحداث بطريقة مشوقة وبسيطة.

6. المسرح التفاعلي:

يتيح للأطفال فرصة المشاركة الفعلية في العرض، سواء من خلال اتخاذ قرارات تؤثر على مجرى القصة أو من خلال الانخراط في الأنشطة التفاعلية على المسرح. يعزز هذا النوع من المسرح الثقة بالنفس والمهارات الاجتماعية لدى الأطفال.

والملاحظ للأنواع السابقة، يجد أنها تكاد تجتمع حاليا في عمل مسرحي واحد للطفل، وهو ما يعني تعدد وظائف مسرح الطفل ووسائله في مراحل مختلفة من مسيرته الكويت. لكن السؤال المهم، هل يحقق هذا الخلط الأهداف المؤسسة والمستقبلية لرؤية مسرح الطفل؟

المتأمل لحال مسرح الطفل في الكويت، لا يجد سوى عروض معدودة وسط هذه الكثرة الغالبة على المسرح وفيما يقدّم على أنه موجه للطفل!

فاليوم بات العرض المسرحي عبارة عن عروض استعراضية مستمرة على مدار العمل بالاستفادة من الانبهار الصوتي والبصري بفضل التطور التكنولوجي، مع استعارة شخصيات خيالية غير منتمية للموروث العربي والمحلي، وتعزيز العروض بممثلين قدموا أعمال تصنّف على أنها للكبار، ومشاهير من السوشيال ميديا، مما قد يضعف الأداء المطلوب والدقيق لمسرح الطفل، وفوق هذا كله، ضعف النصوص وخلوها من رؤى تربوية ذات رسالة توعوية بقيم المجتمع وهويته ويجعل فكرة الاقتداء والانتماء في إشكالية كبيرة! 

هذه بعض المقترحات لتطوير رؤية مسرح الطفل في الكويت:

1- تحسين النصوص المسرحية، عبر كتابة نصوص تتناسب مع عقلية الأطفال واهتماماتهم، مع التركيز على القيم التعليمية والترفيهية.
2- التدريب والتأهيل، بتوفير دورات تدريبية للممثلين والمخرجين حول كيفية التعامل مع الأطفال وفهم نفسياتهم.

3- دعم وتفعيل النشاط المدرسي، بتنظيم عروض مسرحية داخل المدارس لتعريف الأطفال بالمسرح وتوسيع دائرة الجمهور.
4- دعم الإنتاج الأهلي، بتوفير بنية تحية ولوجستية للمشاريع المسرحية الخاصة بالأطفال، وفق معايير فنية ومقاييس الجودة.

5- توسيع المشاركة في المهرجانات المحلية والدولية
الخاصة بمسرح الطفل، لتبادل الخبرات وعرض الأعمال المسرحية على نطاق أوسع.

6- إشراك الأطفال: تشجيع الأطفال على المشاركة في الأعمال المسرحية، من خلال ورش خاصة للكتابة والتمثيل والإخراج.

7- إجراء دراسات وأبحاث حول تأثير المسرح على الأطفال وكيفية تحسين العروض بما يتناسب مع تطورهم النفسي والعقلي، مع تقييم مستمر للتجارب المسرحية المقدمة للطفل.
آملين أن تُسهم هذه المقترحات في تطوير مسرح الطفل وجعله وسيلة فعالة للتعليم والترفيه.

أخيرا.. يمثل مسرح الطفل جزءًا مهمًا من الحركة الثقافية والفنية في المجتمع،بفضل الجهود  التي يقدمها الفنانون والمؤسسات الثقافية ذوات الرسالة المنسجمة مع الفكر التربوي والإبداعي، ليظل مسرح الطفل وسيلة فعالة لتعليم الأطفال وتنمية خيالهم وإبداعهم.  فاستمرار دعم هذا النوع من المسرح من شأنه أن يساهم في تنشئة أجيال واعية ومثقفة، وهو ما يُثقل المهمة عليهم في مواجهة تحديات المستقبل وما يشهده من مادية مفرطة، منتجة للترفيه دون الوعي والتثقيف.

تعليقات

اكتب تعليقك