‫إذا لم يكن نزار قباني شاعراً..‬ ‫فما هي مقاييس الشاعر؟!‬

فن وثقافة

رجا القحطاني 1616 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني:

في الأيام القليلة الماضية شهدت وسائل التواصل الاجتماعي جدلاً ونقاشاً  واسعاً حول قول أحد المستضافين في قناة فضائية خليجية  وعرف عن نفسه كباحث تاريخي بأن نزار قباني ليس شاعرا!،  وله ولغيره  الحق في أن ينتقد قصيدة أو أكثر من قصائد نزار لا أن ينفي شعريته بالكامل ،
لاشك أنه استطاع أن يفعّل مقولة خالف تُعرف ، ويختلق قضية تداولتها الكثير من المواقع  بين الاستغراب والاستياء.

نزار قباني الشاعر السوري المعروف
والمتوفي عام 1998 هو شاعر معاصر  
استثنائي بما تتضمنه قصائده من وهج إبداعي شديد التميز، صحيح أنه عُرف بلقب شاعر المرأة كونه تبحر في طرح قضايا المرأة العربية شعراً وتحدث عن معاناتها بلسانها :

وشرقكم ياسيدي العزيز
يصنع تاج الشرف
من جماجم النساء
لاتنتقدني سيدي
إن كان خطي سيئاً
فإنني أكتب
والسياف خلف بابي
وخارج الحجرة
صوت الريح والكلاب

لكن نزار لايقل توهجاً في تناول الحقول الشعرية الأخرى،
فهو فضلاً عن قدرته الشعرية الفائقة يمتاز بالذكاء في اختيار المواضيع، وهذا الذكاء ساعد بشكل واضح  على اتساع شهرته في الوطن العربي كشاعر متميز.
ليس خافياً أنه جرئ جداًّ في أشعاره الغزلية ، بل أنه في أواخر أربعينات القرن الفائت  نشر  ثاني  دواوينه  بعنوان
"طفولة نهد"  عام  1948 ،
وكان عنواناً  صادماً في تلك الفترة ،وتعالت   الأصوات تستنكر جراءة الشاعر في اختيار هذا العنوان لديوانه، وفي المقابل  تهافت الكثيرون على اقتناء الديوان تأثراً بالجدل الواسع حوله. منذ البدء كان ذا نباهة في ترويج نتاجه الشعري.

قلتُ آنفاً أن إبداع نزار  قباني لايقتصر على الشعر الوجداني فحسب ،
ففي الجانب الذاتي ينفجر نزار  شعراً وعاطفةً من خلال رثائيته الرائعة في زوجته بلقيس الراوي التي لقيت حتفها في حادث تفجير السفارة العراقية في بيروت عام1981:

بلقيس .. 
يا عصفورتي الأحلى 
ويا أيقونتي الأغلى 
ويا دمعاً تناثر فوق خد المجدلية 
أترى ظلمتك إذ نقلتك 
ذات يومٍ .. من ضفاف الأعظمية 
بيروت ..
تقتل كل يومٍ واحداً منا .. 
وتبحث كل يومٍ عن ضحية 
والموت في فنجان قهوتنا 
وفي مفتاح شقتنا 
وفي أزهار شرفتنا 
وفي ورق الجرائد 
والحروف الأبجدية 
ها نحن يا بلقيس 
ندخل مرةً أخرى لعصر الجاهلية

وفي الجانب السياسي كان شعره ممعناً في جلد الذات حيث تزدرد الأمة أشواك الذل والشتات ، يقول  مناجياً خالد ابن الوليد:

ياابن الوليد ألا سيفاً  تؤجّره
فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا
دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي
أشكو العروبة أم أشكو لك العربا
أدمتْ سياطُ حزيرانٍ ظهورهمُ
فأدمنوها وباسوا كفّ من ضربا
وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا
متى البنادق كانت تسكن الكتبا
سقوا  فلسطين أحلاماً  ملونةً
وأطعموها سخيف القول والخطبا

ويصل نزار إلى تبرير قسوة شعره في انتقاد الأمة المتخاذلة :

الشعر ليس حماماتٍ نطيّرها
نحو السماء ولا ناياً وريح صَبا
لكنه  غضبٌ طالت  أظافره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا

ميزة نزار قباني أنه يوظف المفردات المفهومة في صياغات شعرية راقية،ويرى  بعض النقاد أنه يتّبع في شعره الأسلوب السهل الممتنع ، يسهل على المتلقي تناوله ، ويصعب على الشعراء كتابة مايماثله.


لا أنكر أن بعض قصائده السياسية الغاضبة تتضمن مفردات خادشة للحياء ، ومن حق القارئ أن يرفضها أو يعتبرها من سقطات الشاعر ، لكن مَن مِن الشعراء يرتدي لباس الكمال ، حتى المتنبي له هفوات لفظية ، لكن المتنبي بقي الشاعر الفذ وكذلك نزار قباني الذي إلى الآن يتزاحم محبو الشعر من الجيل الشاب على شراء دواوينه في معارض الكتاب في العواصم العربية.

تعليقات

اكتب تعليقك