الدراما التي لاتشبهنا! بقلم الكاتب فهد الهندال
فن وثقافةتعود أصول الدراما إلى الطقوس الدينية القديمة.. شكسبير أضاف للدراما عمقاً نفسيًّا وتعقيداً في الشخصيات
الآن إبريل 30, 2024, 8:52 م 890 مشاهدات 0
في تعريفها التقليدي الدراما هي فن منالفنون الأدائية التي تتجلى فيها الحياة الإنسانية من خلال تمثيل الأحداث والمواقف عبر الحوار والأفعال، وتعد واحدة من أقدم أشكال التعبير الإنساني
ولها جذور عميقة في التاريخ الثقافي والاجتماعي للبشرية.
تعــود أصــول الدرامــا إلــى الطقــوس
الدينية القديمـة، خاصـة فـي اليونـان
القديمةحيث كانت المسـرحيات تُؤدى
فيها المهرجانات الدينية مثل مهرجـان ديونيسـيا الـذي كان يقـام تكريماً
للإله ديونيسـوس. وفـي هـذه الاحتفالات،
كان الأشخاص يقدمون عرو ًضـا تـروي قصـص الآلهـة والأبطـال،
وهــو مــا يُعدّ النــواة الأولــى للمســرح.
ومع مــرور الزمــن، تطــورت الدرامــا لتشمل مواضيع أكثــرتنوًعــاً وعمقاً،ففـي العصور الوسطى، كانـت المسـرحيات غالبا مـا تـدور حـول القصـص الدينيــة أو الأخلاقيــة وتُعــرض فــي الكنائــس أو فــي الســاحات العامــة. أمــا فــي عصــر
النهضة فقـد شـهدت الدرامـا طفـرة كبيـرة مـع شـخصيات مثـل وليام شكسبير،الـذي أضاف عمقاً نفسيًّا وتعقيــداً فــي الشــخصيات والحبــكات،
مما رفع مــن مســتوى الدرامــا الأدبيــة
والمسرحية فلســفًيا،
تعكــس الدراما الصراعات النفسية وتستكشــف موضوعــات مثــل الهويــة، الأخــلاق، السـلطة، والوجـود، مـن خـلال تقديـم الصراعـات فــي صــورة مكثفــة ومشــحونة عاطفيا ،كذلــك تسـمح الدرامـا للجمهـور بالتفكيـر فـي القضايـا الإنســانية العميقــة وتحفــز علــى التعاطــف والتأمــل. وأهــم مــا قيــل عــن دور الدرامــا فــي ذلــك، مــا لخصه أرســطو فــي كتابــه (فــن الشــعر) واصفاً الدرامــا بأحــد أنواعهــا المأســاة، بأنهـا تقليـد لفعـل جـاد وكامـل، يمتلـك مغزىً معيًنـا،يتـم تجسيده بواسطة شخصيات وليس بواسـطة السـرد، ممـا يثيـر الشـفقة والخـوف بمـا يحققـه مـن تنقيـة لهـذه الأحـوال العاطفيـة.
إذن ينحصـر دورها سابقاً في تنقية وتقويم السلوك والانتصــار للأخــلاق، وهــذه الخصائــص جعلــت الدرامــا
وسيلة فعّالة للتعليــم والتنويــر. ولعــل نيتشـه وصـف تأثيـر الدرامـا بقولـه: «نحـن نعتقـد أن الدرامـا هـي مـرآة،
الحيـاة لكن في الواقع هــي تعطــي الحيــاة للمــرآة».
فــي العصــر الحديــث، امتــدت الدرامــا لتشــمل السـينما والتلفزيـون بالإضافـة إلـى المسـرح. وقـد أصبحـت أداة قويـة للتعبيـر الاجتماعـي الثقافـي وحتى السياسي، فالمسلسـلات التلفزيونية والأفلام السـينمائيةتسـتخدم الدراما لتسليط الضوء على القضايـا المجتمعيـة، ممـا يجعلهـا جـز ًءا لا يتجـزأ مـن الحـوار العـام. وهـو مـا قـد يجعلهـا تجنـح للتخييــل الموظّــف فــي ســبيل المعالجــة وليــس الإثــارة.فيمكــن أن يكون التخييل جزءاً من لعبــة الدرامــا لإيصــال المعنــى والمغــزى، وقــد نتفـق فـي ذلـك مـع ذكـر أوسـكار وايلـد بقولـه: «أعطنـي قناعاً وسـأقول لـك الحقيقـة.» والقنـاع هنــا لا يقصــد بــه الخــداع، وإنمــا المراوغــة مــع الواقــع دون انعكاســه بشــكل مباشــر يصــل فــي كثيــر مــن الأعمــال المباشــرة الفجــة والســطحية تحــت حجــة واهيــة أكثــر ضآلــة مــن أي فكــر وهـي فضـح وتعريـة المجتمـع، وهـو مـا يناقـض مـا ذهـب إليـه بريخـت الـذي شـدد علـى أهميـة الدرامــا فــي التغييــر الاجتماعــي بقولــه: "الفــن ليــس مــرآة تعكــس الواقــع، بــل مطرقــة يمكــن أن تشكله"فالدرامــا أداة فنية وفكرية معاً ، ليس فقط للتعبير عــن القصــص، بــل كوســيلةلاستكشـاف وفهـم الشـخصية البشـرية وتحدياتهـا.
تظــل الدرامــا بجذورهــا العميقــة فــي التاريــخ الإنسـاني وبتطورهـا المسـتمر واحـدة مـن أقـوى الأدوات فـي التعبيـر عـن الحالـة الإنسـانية. مـن خـلال الاستكشـاف المتواصـل للصراعـات
الأخلاقية والوجودية تقــدم الدرامــا نافــذة فريــدة علــى الـروح الإنسـانية وتحدياتهـا فـي مختلـف العصـور
والثقافـات.
وفــي محاولتنــا لرصــد الفروقــات بيــن درامــا التلفزيــون اليــوم والأمــس، ســنجد أن درامــا التلفزيــون شــهدت تغيــرات كبيــرة عبــر الزمــن، وهنـاك عـدة جوانـب يمكـن مـن خلالهـا مقارنـة
درامــا التلفزيــون بيــن الأمــس واليــوم:
1. التكنولوجيا والإنتاج:
فـي العقـود الماضية، كانـت الإنتاجـات التلفزيونية تعتمــد علــى تقنيــات محــدودة مــع ديكــورات بسـيطة وإمكانيـات تصويـر محـدودة. وكان البـث يتـم بشـكل أساسـي بالأبيـض والأسـود ثـم تطـور إلــى الألــوان، لكــن بجــودة أقــل مقارنــة باليــوم حيــث تطــورت التقنيــات بشــكل ملحــوظ، مثــل الكاميــرات عاليــة الدقــة وتقنيــات المؤثــرات الخاصـة.الإنتاجـات أصبحت أكثر غنىً وتفصيلاً والبـث يمكـن أن يكـون مباشـراً وعالـي الجـودة في كل أنحاء العالـم.
2. السرد القصصي والمحتوى:
كانت الدرامــا التلفزيونيــة تميــل إلــى تقديم قصــص ذات نهايــات مغلقــة وأحــداث محــددة فــي كل حلقــة، أو المسلســلات القصيــرة ذات الأجــزاء القليلــة، وغالباً مــا كان الكتّاب هــم بالأصــل روائيــون أو كتّاب قصــة أو صحافيــون متمرسـون بالكتابـة عـن قصـص المجتمـع. أمـا اليــوم أصبحــت القصــص أكثــر تعقيداً وطــو ًلا، خاصـة المواسـم الرمضانيـة، مـع إعـادة تدويـر قضايــا أصبحــت المجتمعــات متخمــة بهــا دون معالجـة، فتقـدم عبـر مواسـم وحلقـات غالباً مـا تنتهـي بنهايـات غيـر منطقيـة، مـع قلـة اهتمـام المشــاهدين ذوي الوعــي العالــي بأهميــة الدرامـا علـى متابعـة السلسـلة، فتكـون غالبيـة المتابعيـن ممـن يفضلـون القصـص المسـتهلكة غيـر الداعيـة للتفكيـر والتحليـل، خاصـة قصـص تعتمـد الإثـارة والتضخيـم لغايـة الترنـد والجـدل حولهـا، وهـو مـا قـد يغطـي علـى فقـر النصـوصوقلـة الكتّاب.
3-التنوع والتمثيل:
كانت الدرامــا التلفزيونيــة تعتمــد علــى فريق العمــل مــن خــلال casting محترف لتقديم مواهـب جديـدة تتطـور بالأفـكار العميقة على مستوى النص والإخراج،
في حيــن اليــوم، هنــاك تركيــز كبيــر على النجوميــة للممثليــن خاصــة مشــاهير وســائل التواصــل الاجتماعــي والفاشينيســتات لتحقيــق أعلــى مشــاهدة وليــس بالضــرورة متابعــةمســتمرة. وفــق اشتراطات المنتجين.
4. طرق البث والتوزيع:
كان البث التلفزيوني محدوداً بالشبكات التلفزيونيــة التقليديــة، وكان المشــاهدون يعتمـدون علـى جـداول برامـج محددة لمشـاهدة عروضهـم المفضلـة. واليـوم مـع ظهـور خدمـات البــث الرقمــي والمنصــات، أصبــح بإمــكان المشــاهدين الوصــول إلــى أي محتــوى مــن أي مــكان وفــي أي وقــت، ممــا زاد مــن التنافســية فــي الإنتاجــات التلفزيونيــة، بصــرف النظــر عــن الجـودة. مـع إمكانيـة بـث أفـكار غيـر منسـجمة مــع أفــكار وعــادات المجتمــع، وغيــر مناســب للفئــات العمريــة الناشــئة ممــا يتطلــب إرشاداًعائلًيــامفترًضــا وهو غائبٌ تماماً.
5-فاعل الجمهور:
كان التفاعل محدوداً بالنقد التلفزيوني والرسائل البريديـة إلـى الشـبكات.
اليـوم، يمكـن للجمهـور التعبير عنآرائـه وتفاعلاتـه مباشـرة مـن خلال
وســائل التواصــل الاجتماعــي، ممــا قــد يصبــح مـادة جدليـة وتحقـق الترنـد الـذي تهـدف إليـه بعض الأعمال.
هـذه الاختلافـات تعكس التطـور الطبيعـي
للدراما كفـن وكوسـيلة للتعبيـر والتأثيـر الثقافـي.
وبينما يتغيـر الشـكل والمحتـوى، يبقـى
جوهر الدراما كأداة لاستكشـاف الطبيعـة
الإنسانية والتعبير عن القضايـا العميقـة والمعقـدة فـي كل عصـر.
كذلك تبـرز هـذه الفروقـات التطـور الهائـل فـي صناعـة الدراما التلفزيونية
ممــا يعكــس التغييــرات الثقافيـة والتكنولوجيـة العالميـة التـي أثـرت علـى كيفيــة إنتــاج واســتهلاك المحتــوى التلفزيونــي. وتبــرز كذلــك الدرامــا فــي الســابق التــي كانــت تشبهنا
والدرامـا اليـوم التـي لا تشـبهنا.
تعليقات