محمد ابراهيم الفلاح: مجنون ليلى

فن وثقافة

الآن 742 مشاهدات 0


"إذا مَـرَّةً قِيـلَ اسمُ ليلى بَكَيْتُها
تَـرى شَـذَراتِ الدَّمْــعِ كَلمى بِذِكراها"

حين يكون سماع الاسم بديلاً من رؤية المسمى المعشوق تتناثر الذكرى من عيْنَي العاشق دمعاتٍ تشي بآهات الروح.

هنا الشاعر المصري المتمكن محمد الفلاح يرفع شعار العاطفة في بحر الكلمات متلبساً وجدان العاشق المشهور قيس ابن الملوح ليستشرف صيغة متجددة وتصوراً آخر لمعاناة قيس وليلى.. قصيدة ترتكب الجمال بما يميزها من جمالية الصور وأصالة اللغة:

ظِـلالٌ نِسـاءُ الأرْضِ فـي العَيـنِ إلاَّهـا
فَـكُـلٌّ إمـاءٌ،  لَسْـنَ إلاَّ سَبـايـاهـا

فَلَـو قِيـلَ: بَعْـد الحَرْقِ يـا قَيْـسُ فاحْتَرِقْ
لَحُـرِّقْـتُ قُرْبـانـاً، فِـدًى كَي أُلَقَّاها

عُيُـونَ المَهـا كانـت وَرِيـحــاً مِنَ الشَّذا
وَوَجْهـاً مِنَ الدُّرِّ... الصَّفـا كانَ يَغْشـاهـا

فَلا مُنْيـة ً لِلْنَفْـسِ إلَّاكِ وَالرَّجا
شُعـاعٌ إلـى رُوحي يُـزيـلُ الأسى، الآها

فَمـا اكْتَحَلَـتْ عَيْـني بِـأُنْثَـى بِهـا انْتَشَتْ
وَمـا مَضَـتِ الأيَّـامُ إلاَّ بِذِكْـراهـا

إنِ العِشْـقُ خَارَ اِسْمًا لَهُ يَقْضِ بِاسْمِهـا
وَأمَّـا أنِيسـي فَهْـوَ ثَـوْبٌ تَغَشَّــاهــا

فَيـا رَبِّ إنِّي قَـد عَيِيـتُ مِنَ النَّوى
أخـافُ أفـاعِـيـلَ اليَئُــوسِ الَّـذي تَـاهَـا

هِيَ الدِّيـنُ وَالتَقْــوى وَذِكْـرٌ.. هي الهُدى
رَوَتْ شَفَتـاهــا فِقْهَ وَحْيٍ تَوَلَّاها


وَفـاقَتْ نِساءَ الأرضِ طُرًّا بِحُسْنِها
فأكْبَرْنَها إكْبار فَمِّ الَّذي كاها

فَـواللَّـهِ لا، ما هذهِ بَشَرًا وَما
رَأتْ عَيْـنُ إنْسٍ مَـنْ لَهـا مَرْوُ يُمْنـاهــا


دَنـا المَـوتُ غَيْظــاً مِنْ قُلُـوبِ عَواذِلٍ
وَقُلْـنَ : جُنُـونُ الحُبِّ مَسَّ الَّـذي بـاهَا

فيـا قَلْـبَ قَيْـسٍ : هَلْ هَفـَوتَ لِغَيرِها؟
فَقـالَ : اِسْـمُ ليلـى نَبْضَتـي.. كَيــفَ أنْسـاهـا؟!

فإنْ تَمْشِ أقْدامٌ وَتُغْـرِ بِمِشْيَـةٍ
فَسَمْعِـي إلـى ليلـى عَنِ الوَطْءِ ما تاها

فَلا، لَـمْ أجِـدْ غَيْـدا بِهـا ناءَ ذِكْرُها
فَهَيهـات أنْ أبْرَا بِغَيْـداء أهْواهـا

جَـلالُ الأُصُــولِ الهـاشِمِيــِّـةِ حَسْبُهـا
فَأيُّ النِّسـاءِ اليَـومَ فاقتْ لها الجـاهـا؟!

أيـا امْـرَأةٌ قَـدْ صُمْتُ دَهْـراً لِفِطْرِهـا
فَيـا رَبِّ سُـقْ خَطْـوِي إلـى حَيْـثُ مَمْشـاهــا

فَبِئسَتْ جِنـان الأرْضِ إنْ يَجْـلُ طَيفُهـا
جِنـانـكِ يـا ليلـى بِها الحُسْنُ كم فاها

فَطَيْفُـكِ يا ليلـى وَرُوعـكِ جَنَّتـي
بِغَيْـرِ لُقًـى دُنْـيــايَ نـارٌ سَأصْلاهـا

فيـا رَبِّ أَمْـهِـلْ لِـي وَكَحِّــلْ بِطَلْعَةٍ
عُيُـونـاً لِمَجْــنُـونٍ يَراهـا وَ يَحْيـاهــا

فمـا لـي مِنَ الإلْهـامِ غَير عُيُونِها
وَمُلْهِمَتـي فـي قَبْـرِهـا.. كَيْـفَ مَـأْتـاهــا؟

فيـا رَبِّ أكْـرَمْـتَ العُيُـونَ بِحُسْنِهـا
فَمِـنْ حُسْنِهـا يَنْهَلْـنَ وَالطُّهْـرُ غَشَّـاهـا

وَيـا رَبِّ أكْـرَمْـتَ القُبُـورَ بِمَـوتِهـا
فَصـارَتْ رِيـاضـاً وَالضِّيــا فِيـهِ مَسْقـاهـا

فيـا كَوكَبِـي المِفْتـان، أيْـنَ فُتُــونُـكَ الْـ
لَـذي كُنْـتُ أُسْقـاهُ وَعِطْــرٌ مَضَــى، شـاهـا؟!

فَقِيـلَ: فُتُـونـي بَعْـضُ غَيـثٍ وَمَلَّني
وَعِطْـري عَلَيـهِ الدَّمْـعُ فـاضَ مَعَ الواها

وَهـذا فُتُـونـي فـي العُيُــونِ قَـدِ اسْتَوَى
مُعَلَّقَتِــي أنْشَـدتُهــا فـي مُحَيَّـاهــا

مَـلاكٌ.. هـي الأُمُّ الرَّؤُومُ الَّتـي أبَتْ
زوالي وَتُنْسِـي الهَــمَّ وَالهَــمُّ يَـرْضـاهــا

مَتـاعي بَقـايا مِن نسيجِ ثِيابِها
وَشِعْــري جَـزيـلٌ، بـادِعٌ إن تَوَلَّاها

فَلَـمْ تَلِـدِ الأرْحـامُ أنثى بِطيبِها
وَما بَكَتِ الأجْـرامُ إلَّا لِمَنْآها

إذا مَـرَّةً قِيـلَ اسمُ ليلى بَكَيْتُها
تَـرى شَـذَراتِ الدَّمْــعِ كَلمى بِذِكراها

بَيَـاضُ العُيُـونِ اِسْـوَدَّ إذ جِئْـتُ زَلَّة ً
وَغَـابَ عَـنِ الآفـاقِ طَيفُ مُحيَّاهــا


أبِيـتُ اللَّيـالـي بَعدها أشْتَكــي النَّوى
بِعَفْوٍ لها التقْوى أصيرُ كَمأواها

وَإلَّاكِ عَيْـنـي مـا رَأَتْ قَمرًا بَدا
فإنْ كـانَ مـا آمَنْتُ قَـطُّ بِمَرْآها

أَقُـولُ: اِرْجِعِـي عَيْنـي وَ إلَّا لَكِ العَمى
بِأيدي الَّـذي فيه سرتْ راحُ سَلواها

أيـا جَسَــدًا يَهفو لِمَنْقَصَــةٍ إِلَيْـ
ــكَ عَنِّـي فَـرُوحِــي فـي شِـراكٍ تَغَشَّــاهــا

إلـهي إليك الصَّبُّ أفضى تَوَسُّلًا:
جِنان الهوى لَيلايَ والخَمْــرُ كفَّاهــا

وَما دعوتي إلَّا بِموتٍ يَسوقني
لأتقى نِساء العالمينَ وَأنقاها

فَـإِنْ لَـمْ تَـكُـنْ ليلــى بِدارٍ هِيَ المُنى
فَقَـولـي إلى رَبِّـي: لِـمَ النَّــارَ أُجْــزاهــا؟!

فَلَـولا عَـذابُ النَّـارِ قالت جَوارِحي:
عَـذابُ سَعِيــرٍ دُونَ خُسرانِ لُقياهـــا

تعليقات

اكتب تعليقك