ما الأسباب وراء تراجع أسعار الغذاء العالمية؟

الاقتصاد الآن

القمح والذرة وفول الصويا في أدنى مستوى منذ عامين وتجاوز صدمة حرب أوكرانيا تهبط بمعدلات التضخم

الآن - وكالات 864 مشاهدات 0


أدت الإمدادات العالمية الوفيرة والمنافسة القوية في مجال التصدير إلى خفض بنسبة 6 في المئة الشهر الماضي

تبدو أسواق السلع الغذائية العالمية أكثر استقراراً من ذي قبل، على رغم تحديات الشحن واحتجاجات المزارعين في بعض البلدان المنتجة، إذ انخفضت أسعار القمح والذرة وفول الصويا في فبراير (شباط) 2024 إلى مستوياتها الأدنى خلال عامين، كما تراجعت أيضاً أسعار الرز بصورة طفيفة، وإن ظلت أعلى بكثير مما كانت عليه قبل عام.

يبعث أحدث تقرير عن الأمن الغذائي من البنك الدولي على التفاؤل في شأن أسواق السلع الغذائية العالمية، على صعيدي الوفرة في المعروض والأسعار، في وقت تدفع درجات الحرارة الدافئة نحو تسريع نمو المحاصيل في عديد من المناطق، إذ بدأت محاصيل القمح الشتوية في نصف الكرة الشمالي في الإزهار، واستمر حصاد الذرة وفول الصويا في نصف الكرة الجنوبي.

وبينما لا يغفل التقرير تسليط الضوء على احتجاجات المزارعين على مستوى العالم، من المملكة المتحدة إلى الهند لأسباب تتعلق بخفض الضرائب وزيادة الدعم الحكومي، إضافة إلى وجود مخاوف مشتركة في شأن ارتفاع كلفة المدخلات مثل الطاقة والأسمدة، وما تعكسه هذه الاحتجاجات من تحديات أوسع داخل نظام الأغذية الزراعية التي تفاقمت بسبب الاضطرابات في أسعار السلع الأساس والشحن، فإن ظروف الإنتاج الزراعي ووفرة المعروض توفر بيئة مواتية لانخفاض الأسعار.

وبدأ القمح الشتوي في نصف الكرة الشمالي في الإنبات، في ظل ظروف متفاوتة في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية وروسيا وأوكرانيا، فيما يشهد نصف الكرة الجنوبي مواصلة حصاد الذرة والرز وفول الصويا.

وفرة عالمية من السلع

في فبراير الماضي، أدت الإمدادات العالمية الوفيرة والمنافسة القوية في مجال التصدير إلى خفض بنسبة ستة في المئة في المؤشر الفرعي للقمح والحبوب والبذور الزيتية، ليصل إلى مستويات شوهدت آخر مرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، بحسب تقرير البنك الدولي، مشيراً إلى تحفيز روسيا الطلب عبر خفض الأسعار، علاوة على خفض أوكرانيا أسعارها وسط مخاوف في شأن الشحن في البحر الأحمر وتباطؤ الطلب من آسيا.

وانخفضت أسعار تصدير الذرة أيضاً بنسبة 10 في المئة مع وصول المؤشر الفرعي إلى أدنى مستوى له منذ أغسطس (آب) 2020، مدفوعاً بعوامل مثل المخزونات المحلية الكبيرة في الولايات المتحدة وتوقعات زيادة الإنتاج في الأرجنتين والبرازيل، وتراجعت أسعار الرز بسبب وصول المحاصيل الجديدة، على رغم أنها ظلت أعلى مما كانت عليه في فبراير 2023، فيما اتبعت أسعار تصدير فول الصويا اتجاهاً هبوطياً مماثلاً، متأثرة بعوامل مثل الحصاد الكبير المتوقع في الأرجنتين والبرازيل وانخفاض الطلب العالمي.

وأظهر المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أخيراً كيف أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا لا تزال تخلف تأثيرات عميقة في الأسواق الزراعية العالمية، وتفرض تحديات كبيرة على الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم، إذ أدت إلى تعطيل الإنتاج الزراعي والتجارة في أوكرانيا، وهي مصدر رئيس للمنتجات الزراعية، مما هدد الأمن الغذائي العالمي.

زيادة الصادرات

وعلى رغم الصدمات الأولية تكيفت أسواق السلع الأساسية العالمية مع هذه الاضطرابات، بحسب ما يفيد التقرير، ويرجع ذلك جزئياً إلى قيام الموردين الآخرين بما في ذلك روسيا بزيادة صادراتهم، وهو ما ساعد في تخفيف بعض التأثيرات الأولية.

وكانت هناك مخاوف أولية في شأن صدمات العرض المحتملة وارتفاع الأسعار بسبب الصراع الروسي - الأوكراني، لكن هذه المخاوف تلاشت مع تدخل موردين بديلين، إذ ساعدت المحاصيل القياسية القادمة من روسيا وزيادة الصادرات من المنتجين الرئيسين الآخرين على استقرار الأسعار، على رغم أنها ظلت أعلى من مستويات ما قبل الحرب.

ويلفت التقرير إلى أمثلة من بينها خفض أسعار القمح بنسبة 45 في المئة عن ذروتها المسجلة في مايو (أيار) 2022، وانخفاض أسعار الذرة وفول الصويا بنسبة 42 في المئة و24 في المئة على الترتيب ذاته، في ظل ما باتت تتمتع به أوكرانيا كمورد عالمي من مرونة.

ارتفاع الأسعار في عقدين

لكن على رغم الانخفاضات الأخيرة منذ ذروتها في عام 2022، فإن أسعار المواد الغذائية هي الأعلى على مدى العقدين الماضيين، كما يتضح من مؤشر أسعار الغذاء لمنظمة الأغذية والزراعة "الفاو"، الذي كان أعلى بنسبة 116 في المئة بالقيمة الحقيقية في عام 2022 عما كان عليه في عام 2000.

وفي المغرب لم ينته الموسم الزراعي لإنتاج الحبوب، لكن توقعات الإنتاج تظهر انخفاضه عن متوسط السنوات السابقة، وتتقلص المساحة المزروعة بالحبوب إلى نحو 2.3 مليون هكتار (23 ألف كيلومتر مربع) في 2023/24 من أكثر من خمسة ملايين هكتار (50 ألف كيلومتر مربع) في 2013/14، وشهدت معظم أراضي البلاد هطول أمطار أقل بنسبة تزيد على 30 في المئة، مع خفض في بعض المناطق بنسبة 20 إلى 30 في المئة، وفق التقرير.

وفي تونس، بعد الجفاف في خريف عام 2023 أدى هطول الأمطار المتكرر إلى زيادة معدل ملء السدود إلى 35.6 في المئة من 22 في المئة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وتستفيد الحبوب والمحاصيل العلفية من هذا التحسن في ظروف الإنتاج بعد أربع سنوات من الجفاف، وبلغت نسبة صادرات الأغذية الزراعية إلى الواردات 2.03 مرة في يناير (كانون الثاني) 2024، مقارنة بـ0.8 مرة في يناير 2023، ويرجع ذلك إلى زيادة صادرات زيت الزيتون (125 في المئة) وانخفاض واردات الأغذية الزراعية (33 في المئة)، بينما في جيبوتي، ارتفعت أسعار السوق المحلية بنسبة 12.3 في المئة للرز و1.96 في المئة للدقيق، وانخفضت أسعار المعكرونة والسكر المحليين انخفاضاً طفيفاً، في حين لم تتغير أسعار الزيوت والمعكرونة المستوردة تقريباً، بين ديسمبر (كانون الأول) 2023 ويناير 2024.

ويؤشر التقرير إلى البلدان الـ 10 الأكثر ارتفاعاً في أسعار السلع الغذائية على مستوى العالم، إذ تأتي الأرجنتين في المرتبة الأولى بمعدل تضخم اسمي 296 في المئة، ثم لبنان بمعدل 181 في المئة، ثم زيمبابوي بـ 84 في المئة، وتركيا وفنزويلا ومصر، بمعدلات 71 و61 و51 في المئة على الترتيب ذاته، في حين تأتي ميانمار في المركز السابع من حيث التضخم الاسمي في المواد الغذائية بنحو 50 في المئة، ومالاوي في المركز الثامن بـ45 في المئة، ونيجيريا تاسعاً بـ35 في المئة ونفس النسبة إلى فلسطين التي جاءت في المرتبة الأخيرة.

تعليقات

اكتب تعليقك