روبرت غيتس يدعونا لمهرجان تسوق أسلحة جديد

عربي و دولي

1317 مشاهدات 0


 
في الفيلم الشائق (The International) إنتاج 2009 يدور حوار بين بطل الفيلم عميل الإنتربول Clive Owen وأحد السياسيين حول بنك اسمه (IBBC) ودوره في تمويل العمليات الإرهابية والقتل وإشعال الحروب، حيث يقول السياسي موضحاً دور البنك: إن هدف البنك ليس تحقيق الأرباح من بيع الأسلحة.
عميل الإنتربول: هل تعني أن من يسيطر على تدفق الأسلحة يسيطر على الصراع؟
السياسي: لا (IBBC) بنك وليس دولة.
ويكمل السياسي: بل يسيطر على الدَين (Debt) الذي ينتج عن الصراع، فالقيمة الحقيقية لأي صراع تكمن في الدَين الذي ينشأ عنه، ومن يسيطر على الدين يسيطر على كل شيء.

وليس بعيداً عن ذلك تعمل الولايات المتحدة بفعل العولمة كمؤسسة تجارية، لتنفيذ أجندتها الخاصة بالعمل على إدخال دول مجلس التعاون في الدَين (Debt)، خلال عملية تسويق تجارية بحتة تشبه كرنفال مهرجان التسوق في دبي، فقد نجحت وفق صيغة (26+ 1) في دفع دول عدة أعضاء في مجلس التعاون الخليجي بصورة منفردة للدخول في مبادرة اسطنبول (Istanbul Cooperation Initiative) التي طُرحت أمام قمة الناتو في اسطنبول عام 2004 بدعوى تعزيز التعاون في القضايا الأمنية، وفي الوقت نفسه رفضت انضمام مجلس التعاون ككتلة واحدة إلى هذه المبادرة للحيلولة دون قيام كيان خليجي أمني جماعي، وقد تكفل هذا الشق من مهرجان التسوق المسمى (26+ 1) بعمليات بيع السلاح الأوروبي، وكان من نتائجه بيع مقاتلات شركة (بي.إيه.آي.سيستمز) يوروفايتر تايفون للسعودية وإقامة القاعدة الفرنسية في أبوظبي، وعرض طائرات الرافال على الكويت وصفقات أوروبية عديدة أخرى. وفي مايو 2006 دعا الرئيس الأميركي جورج بوش إلى تأسيس ما يسمى بالحوار الأمني الخليجي- الأميركي (Gulf Security Cooperation Dialogue) وهو كرنفال تسويق آخر كان من نتائجه تسلح الإمارات العربية المتحدة بنظام الدفاع الصاروخي المتقدم «ثاد» (THAAD) الذي تصنعه شركة لوكهيد مارتن وتسلح الكويت والسعودية بطائرات الآباتشي وطائرة سي-17 غلوب ماستر 3 لقطر وغيرها الكثير، أما حملة مهرجان التسوق الجديدة فيقودها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي دعا في الثامن من سبتمبر الجاري دول مجلس التعاون إلى تعزيز قدراتها العسكرية لدفع إيران إلى التنازل عن طموحها النووي، حيث قال موضحاً: «بقدر ما يعزز أصدقاؤنا العرب وحلفاؤنا قدراتهم الأمنية، وبقدر ما يعززون التعاون بين بعضهم البعض ومعنا، فإنهم يوجهون إشارة إلى الإيرانيين مفادها أن الطريق الذي يسلكونه لن يدعم أمنهم بل قد يضعفه»، أو بكلمات أخرى «اشتروا أسلحتنا حتى تشعر إيران بثقل تكلفة طموحها النووي»، متجاوزاً عدة حقائق تحكم الميزان العسكري مع جمهورية إيران الإسلامية.
وقد كشفت دراسة للكونغرس الأميركي عن كون الإمارات والسعودية تصدرتا قائمة الدول في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة خلال عام 2008، رغم تراجع مبيعات السلاح العالمية لأدنى مستوى لها منذ ثلاثة أعوام، وقال التقرير إن الإمارات هي أكبر مشترٍ للسلاح في العالم النامي، حيث بلغت مشترياتها من السلاح 9.7 مليارات دولار في 2008، ووجدت الدراسة أن أكبر صفقات الأسلحة التي وقعتها أميركا مع الدول النامية في العام الماضي كانت اتفاقية بقيمة 6.5 مليارات دولار لبيع نظام الدفاع الجوي (ثاد THAAD) للإمارات، من جانب آخر تضمنت الدراسة معلومات عن صفقة سعودية بريطانية لشراء 48 طائرة مقاتلة من نوع يوروفايتر تايفون، طلبت السعودية زيادتها إلى 72 طائرة ثم زادتها إلى 100 طائرة، وقد بدأت الإمارات والسعودية في استلام دفعات من هذه الأسلحة.
من نوعية الأسلحة التي نشتريها في الخليج يتضح للمراقبين أن إيران ليست هي سبب تسلحنا المكثف، ولم تعد إسرائيل بفضل جهود (المطبعين) من أبناء الخليج عدونا الأول، حيث يرجع المراقبون سبب التسلح إلى ضغوط الدول الغربية لنسهم في إنعاش اقتصادها عبر صفقات السلاح الضخمة، ومما يثير الدهشة قبولنا في خضوع مشين لاستمرار عمليات التسويق واستمرارنا في الشراء، رغم تأثر الاقتصاد الخليجي بشكل بالغ من جراء الأزمة الاقتصادية التي رافقها تراجع حاد في أسعار النفط، وتراجع القدرة الشرائية لدول الخليج كلها.
ومما يثير الدهشة أيضا العروض الاستغلالية التي نراها في مهرجانات تسويق الأسلحة الأوروبية والأميركية على حد السواء، فإذا أردت شراء الميراج أو الرافال (Rafal) فعليك شراء الإيرباص، أما إذا أردت شراء «F18» فعليك المرور بعربة تبضّعك على رف طائرات بوينغ لأن شركة بوينغ لم تشترِ شركة طائرات ماكدونالد دوغلاس عبثاً، ولا لأسباب فنية بحتة بل لأسباب استراتيجية تشمل تسويق البضاعتين معاً.
وعلى من يشكك في ذلك أن ينظر إلى نوعية طائرات سلاح الجو في أية دولة خليجية وإلى أسطول طائرات الناقل الوطني لديها.
لقد صار تكامل المنظومات الدفاعية والانتشار الأمني الخليجي موضع تساؤل حاد، بل إن التكامل العسكري الخليجي انقلب إلى النقيض وأخذ منحى سباق التسلح الخليجي-الخليجي بشكل جديد تمثل في فتح فروع للمؤسسات العسكرية الأميركية والفرنسية والبريطانية على شاكلة متاجر «مارك آند سبنسر» و»جيان هايبر ماركت»، فهنا معسكر أميركي لتسويق السلاح الأميركي وهناك قاعدة فرنسية للقيام بنفس النشاط، ولن يكون بعيداً فتح فرع لشركة المقاتلين المرتزقة بلاك ووتر (Black Water) في إحدى دول الخليج ومن ثم تكليفها باستعادة المنطقة المتنازع عليها مع دولة خليجية شقيقة.
وما رسالة روبرت غيتس إلا إعلاناً مدفوع الثمن من قبل شركات السلاح، وهي حملة دعائية كسابقتيها مبادرة اسطنبول (26+1) والحوار الأمني الخليجي-الأميركي، وليس أمامنا إلا دخول نفق التسلح قسراً حيث تزداد العتمة وتقل الرؤية ويزيد ثقل الديون فتغيب إنجازات مجلس التعاون الذي حظي فيه التعاون العسكري باهتمام القادة وشعوب الخليجي العربي في الثمانينيات والتسعينيات.
لقد شاهدت -وشاركت عن قرب- ثلاثة عقود من التعاون العسكري الخليجي في «درع الجزيرة» ومعركة «الخفجي» وفي تمارين «حسم العقبان» و»الحسم النهائي»، وكان التعاون حينها قوياً وحيوياً رغم صغر سنه ورمزيته، وفي السنوات الثلاث الأخيرة دخلنا نفق سباق التسلح مدفوعين بوهج الدعاية الغربية على وقع طبول حرب لن تقع، وفي غمرة فرحتنا بزيادة تراكم براميل البارود التي نشتريها، لم نقدر أن الشرر قد يأتي من داخل مخزن البارود نفسه، ومع ظهور التوتر بين دول الخليج فجأة كنبتٍ شيطاني لا جذور قوية له، نحاول تجاهله بدلا من الحيلولة دون انتشاره، ومع ظهور تلك التوترات أشعر كخليجي أن قلبي سوف يتمزق لو أسقط صاروخ (ثاد) إماراتي طائرة (يوروفايتر تايفون) سعودية فوق خور العديد، أو لو دمرت الطائرة تلك البطارية.

 

د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج - سان فرانسيسكو

تعليقات

اكتب تعليقك