حسين الراوي: من أجل صلالة (1)

زاوية الكتاب

كتب حسين الراوي 1672 مشاهدات 0


في مساء يوم الثلاثاء 20 فبراير 2024، عند الساعة 6،30 مساء اتجهت نحو مطار الكويت الدولي بعد أن غادرت مكان حفل العشاء الذي أقمناه شُكراً لله تعالى وابتهاجاً بتخرّج أصغر أشقائي من كلية ضُباط الشرطة، وذلك استعداداً للمغادرة في الساعة 9،45 دقيقة، نحو العاصمة العُمانية مسقط، ومن ثم يتوجب عليّ الانتظار (ترانزيت) لمدة ساعة و20 دقيقة إلى أن يحين موعد إقلاع الطائرة التالية المتجهة إلى مدينة صلالة، والتي سوف يكون موعد إقلاعها في أول ساعات الصباح الأولى لليوم التالي الأربعاء 21 فبراير 2024، وبحسب التوقيت المذكور في تذكرة السفر فإن الطائرة سوف تصل إلى صلالة في الساعة الثالثة فجراً.

كان سبب سفري إلى مدينة صلالة من أجل أن أُقدم دورة تدريبية في يوميّ الأربعاء والخميس 21 و22 فبراير 2024، وفي كِلا اليومين ستكون هناك مدة ساعتين (من 6 إلى 8 مساء)، من خلالهما سأقدم المادة العلمية التي أعددتها خصيصاً لدورة (كتابة المقال)، ولقد اتفقت مع الجهة المنظمة للدورة التدريبية على أدق التفاصيل، وأنا بذلك التعاون مسرور.

بعد أن أنهيت إجراءات السفر في مطار الكويت الدولي، وبعد أن أصبحت في منطقة المغادرين، ذهبت كعادتي لإحدى القاعات الخاصة التي توّفر للمسافر الراحة والاسترخاء والهدوء والأكل والشرب والعديد من الخدمات الأخرى. وبعد أن قضيت في تلك القاعة ما يقارب من الساعة ونصف الساعة، أخذت أجمع أشيائي من الكُتب والأوراق وأغلقت جهاز اللابتوب، ثم وضعتها في الحقيبة المحمولة التي كانت معي، لأتجه نحو كاونتر بوابة الصعود للطائرة حيث اقترب موعد الإقلاع.

حينما أردت مغادرة القاعة اتجهت نحو موظف العلاقات العامة وطلبت منه أن يُعيد لي بطاقتي الشخصية التي قدمتها له مع بطاقة الصعود للطائرة حين دخولي، فقال إنه أعادها لي مع بطاقة الصعود للطائرة فور تسجيل دخولي للقاعة! قلت له بأني متأكد من أنه لم يُعد لي سوى بطاقة الصعود للطائرة فقط، من دون بطاقتي الشخصية، فرد عليّ الموظف بأني مُخطئ، وأنه متأكد من صحة كلامه!

تنحيت جانباً وأخذت أبحث بدقة عن بطاقتي الشخصية في حقيبتي المحمولة وفي ملابسي التي أرتديها لكني لم أجدها! رجعت لذلك الموظف وأخبرته بأني لم أجد بطاقتي، فقال لي بأنه لا يتحمّل مسؤولية ضياع بطاقتي الشخصية مُطلقاً!

تركت القاعة مُسرعاً باتجاه كاونتر بوابة الدخول للطائرة، حيث لم يتبقى على موعد إقلاعها إلا أقل من 20 دقيقة! فأخبرتهم بالأمر، وطلبت منهم أن يتعاونوا معي قليلاً في ما يخص الوقت، لعلي أجد بطاقتي الشخصية التي حجزت من خلالها تذكرة السفر نحو مسقط وصلالة، فتجاوبوا معي وأبدوا استعدادهم بقبول جواز سفري إن كان موجوداً معي لأتمكن من السفر، لكن للأسف لم يكن معي حينها جواز سفري، لأني معتاد في سفري إلى دول الخليج أن أحجز عن طريق البطاقة الشخصية.

بعد ذلك ذهبت على عَجل نحو مكتب شرطة المطار وأخبرتهم بكامل الأمر، فرافقني أحد رجال الأمن إلى تلك القاعة التي كنت أجلس فيها، وحينما التقى رجل الأمن بموظف الاستقبال ذاته، وَجَهَ له عدداً من الأسئلة حول بطاقتي الشخصية، لكن ذلك الموظف كان لا يزال متمسكاً برأيه من أنه أعاد لي بطاقتي الشخصية مع تذكرة الصعود للطائرة!

قام مكتب شرطة المطار بمراجعة شريط الفيديو الخاص بكاميرات المراقبة في تلك القاعة، فتم التأكد من أن موظف الاستقبال لم يُعد لي بطاقتي الشخصية كما يدعي! فاتجهت على الفور مرّة أُخرى مع أحد رجال الأمن إلى تلك القاعة، وعند أول لحظات دخولنا للقاعة وجدنا موظف الاستقبال يَهمُّ بالخروج منها للبحث عني، وفي يده بطاقتي الشخصية، فلما رآني ارتبك، وكان واضحاً عليه الحرج، وقال بصوت المُذنِب وهو يُقدم لي بطاقتي الشخصية: «أنا آسف جداً، سامحني أرجوك، لقد كانت بطاقتك تحت الأوراق التي على المكتب ولم أنتبه لها»! قال تلك الكلمات بوجه بارد، وهو لا يعلم ماذا سيعقبني من متاعب، بسبب عناده.

أقلعت الطائرة من دوني نحو مسقط، وبعد ما يزيد على الساعتين استطعت أن أنهي الإجراءات والأوراق القانونية المطلوبة لإثبات عدم مغادرتي من الكويت. واستطعت أيضاً أن أحصل على حقيبة سفري من مكتب شركة الشحن الجوي في المطار، بعدما تم إرجاعها من الطائرة قبل إقلاعها.

بعد إنهاء تلك الإجراءات القانونية وحصولي على حقيبة سفري، أخذت على الفور أبحث عن رحلة طيران جديدة توصلني إلى صلالة بأي شكل كان! وبعد مروري على خمسة مكاتب لحجوزات تذاكر الطيران في مطار الكويت، ذكر لي جميع العاملين في تلك المكاتب بأنه من المستحيل أن أصل إلى صلالة قبل الساعة السابعة من مساء يوم غد الأربعاء! وذلك بحسب مواعيد جداول رحلات الطيران التي هي وفق نظام عملهم. وهذا يعني أنني لن أستطيع تقديم أول أيام الدورة التدريبية، التي سوف تبدأ من الساعة 6 إلى 8 مساء!

غادرت مكان مكاتب حجوزات تذاكر الطيران في مطار الكويت، وأنا أشعر بشيء من الزحام في رأسي، وبعض الشتات في فكري، وفتور في معنوياتي.

جلست أشرب القهوة في أحد المقاهي بالمطار، وأمسكت بهاتفي وفتحت أحد التطبيقات الخاصة برحلات الطيران، وبدأت أحاول أن أجد رحلة طيران جديدة للوصول إلى صلالة، وبعد البحث بتركيز وبحرص شديد وجدت رحلة طيران توصلني بصلالة، لكنها مغامرة خطرة غير مضمونة!

وجدت أن هناك رحلة طيران سوف تغادر من مطار الكويت في غضون ساعة ونصف الساعة تقريباً، متجهة إلى مطار دبي، ومن ثم يتوجب عليّ عند وصولي لمطار دبي أن أنتقل عن طريق البر بالسيارة إلى مطار الشيخ زايد في أبو ظبي، بسرعة وهِمة ودون تراخٍ، لأتمكن من اللحاق بكاونتر شركة الطيران التي أنوي السفر على إحدى طائراتها المتجهة نحو صلالة قبل إغلاقه، والتي سوف تُقلع في الساعة 8 صباحاً، وتصل إليها في الساعة 10 صباحاً، ولا يوجد هناك أي متسع من الوقت يمكنني من خلاله أن أتحرك بهدوء وتأنٍ وأريحية!

حزمة من الأسئلة كانت تحاصرني: هل أغامر؟ هل سوف تنجح مغامرتي؟ هل يمكنني فعلها؟ هل سأكون سريعاً كما يجب؟ هل سوف أواجه المزيد من المفاجآت المُتعِبة؟ هل سأتعب كثيراً، هل سيكون كل شيء على ما يرام؟ هل؟ وهل؟ وهل؟ كانت تلك الأسئلة تحوم فوق رأسي بضجيج وبلا شفقة.

بعد تفكير مُشوّش، فجأة قلت في نفسي: «لن أعود إلى المنزل، لن أرضى ألا أفعل أي شيء في مواجهة هذا المأزق، هناك من ينتظرني في صلالة، هناك مواعيد بيني وبين الآخرين، هناك جمهور سألتقي به، هناك هدايا أحضرتها معي، يصعب عليّ أن استسلم، لابد أن أُغامر، لن أعود إلى المنزل وأنا مملوء بالخيبة»!

«سُبحان الذي سَخّر لنا هذا وما كُنا له مُقرِنين...». كنت أردد دعاء السفر، وأنا أجلس على أحد مقاعد الرحلة المتجهة إلى مطار دبي وقلبي مملوء بالأمنيات والآمال والقلق الروحي!

كانت الأفكار السلبية تندفع في وجهي كخفافيش الغار المظلم، تهاجمني بعشوائية وفوضوية، وكنت أواجهها بابتسامة الصبر الجميل، والنَفَس الطويل، والأمل الكبير في الله تعالى.

وصلت إلى مطار دبي، وها أنا أقف على رصيف سيارات الأجرة وكتفاي مثقلتان بالأمنيات المُلوّنة. عندما أطلعت سائق الأجرة الأول على تذكرة رحلة الطيران التي ستنطلق من مطار الشيخ زايد في أبو ظبي نحو مطار صلالة، قال لي بلا تردد بأنه لن يستطيع أن يوصلني في الوقت المطلوب قبل موعد إغلاق كاونتر شركة الطيران! فتركته واتجهت نحو سيارة الأجرة التي تليه، وبعد أن أطلعت سائقها على تذكرة السفر، قال لي مثل ما قال السائق الأول، بأنه لن يستطيع أن يوصلني إلى مطار أبوظبي في الوقت المطلوب! ثم انتقلت سريعاً نحو سيارة الأجرة الثالثة، وبعدما دقق سائقها في مواعيد تذكرة الطيران تلك، كان جوابه مثل جواب زميليه اللذين مررت بهما قبله!

بأسى ووجل جلست في تلك الكراسي التي كانت في الهواء الطلق أمام الرصيف الذي تصطف عنده سيارات أُجرة المطار، وأنا لا أعلم ماذا أفعل!

يا الله، هل يعني هذا أني فشلت؟ هل إلى هنا توقف الأمل؟ ما هذا الشتات الذي يعصف بي؟! هل استعجلت في خوض المغامرة! هل ولُدت هذه المغامرة ميّتة منذ البداية؟! ماذا عن تلك الوعود والحجوزات والهدايا والمواعيد والكثير من الأشياء المرتبطة بصلالة؟ هل أرفع راية الاستسلام الآن بقناعة، وأشتري تذكرة طيران تعيدني إلى الكويت؟!

تعليقات

اكتب تعليقك