مؤكدا أن خبراء أميركيون ضللوا «الأشغال» .. إبراهيم بهبهاني يروى في مقال طويل قصة محطة مشرف من الخطأ.. إلى الخطيئة !

زاوية الكتاب

كتب 2126 مشاهدات 0





خبراء أميركيون ضللوا «الأشغال» بأن بناءها قرب المناطق السكنية غير ضار 
قصة محطة مشرف من الخطأ.. إلى الخطيئة ! 

بقلم: د. إبراهيم بهبهاني
جوهر مشكلة محطة معالجة مياه المجاري في منطقة مشرف يتمثل في السؤال التالي: ما الضمانات الفعلية التي قدمتها وزارة الاشغال والهيئة العامة للبيئة بعدم انبعاث الروائح الكريهة والغازات السامة؟
وهل التزمت «الأشغال» بوضع معايير علمية وصحيحة للطوارئ والتحكم بالاعطال التي تواجهها هذه المحطة العملاقة؟
ولماذا لم تراع الجهات الحكومية احتجاجات وشكاوى أهالي مشرف وتأخذها بعين الاعتبار قبل البدء بالتنفيذ؟
دعونا نبدأ من الصفر، أي منذ الشروع في التنفيذ في عام 2002، لان المشروع كفكرة خرج عام 1994، وكمناقصة جرت ترسيته عام 2000 وتوقيع العقد مع المقاول في تلك السنة على ان يتم الانتهاء منه في عام 2006 ليبدأ بعدها التشغيل كما جاء في رواية وزير الاشغال العامة ووزير الدولة لشؤون البلدية د. فاضل صفر في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم 14 سبتمبر 2009.
لنتبع الاحداث التي رافقت المشروع قبل ابداء الرأي والخلاصة..
ــ في 24/9/2002 وزارة الاشغال تعتمد على تأكيدات من الخبراء الاميركيين المتخصصين في البيئة الذين أتوا إلى الكويت خصيصاً بأن «لا ضرر من انشاء المحطة قرب المناطق السكنية» بعدما باشرت الحفريات إلى عمق 35 متراً تحت الأرض وهي كلفة مالية اضافية بخلاف المبلغ الإجمالي في حينه، والبالغ 35 مليون دينار، وان تحاليل الخبراء اظهرت ان الظاهرة طبيعية وليست من صنع المحطة. أي انبعاث الروائح الكريهة.
ــ في 17/9/2002 أجمع قياديون في وزارتي الاشغال والكهرباء ومعهد الكويت للابحاث العلمية وخبراء اميركيون على ان تصاعد غاز كبريتيد الهيدروجين من مشروع محطة ضخ مشرف يعتبر ظاهرة طبيعية ولا يوجد ما يثير القلق او الخوف من انبعاث اي غازات، مؤكدين انه لا توجد اي خطورة حتى من انشاء المحطة مستقبلا، نظرا للاجراءات الاحترازية المتخذة في المشروع «لاحظ التعبير جيدا».
بدوره اكد الوكيل المساعد لقطاع الطرق الهندسية الصحية في وزارة الاشغال عيد الخالد «ان الرائحة المنبعثة لا تمت بأي علاقة للمحطة» وكذلك فعل الشيء نفسه الخبراء الاميركيون الذين قالوا إن انبعاث غاز كبريتيد الهيدروجين «مسألة طبيعية ويجب التعامل معها بسهولة متناهية وهي موجودة في اميركا ويتعاملون معها بشكل طبيعي ومن دون اي ضجة او اثارة».

خطر
ــ في 15/9/2002 وجه سكان منطقة مشرف 7 كتب منها بلاغ للنائب العام حول الانتهاكات التي تقوم بها وزارة الاشغال في مشروع الصرف الصحي، مؤكدين ان قياس درجة الخطر لكبريتيد الهيدروجين وصل الى اكثر من 795 درجة، وقال في حينه ناصر محمد النصرالله ان بعضا من مسؤولي الاشغال قاموا بردم مناهيل الصرف الصحي قبيل قدوم الوزير وقياس درجة السميات من بعيد هو ما اعطى نتيجة صفر وخلص الى القول «كل ما نريده هو كتاب تطميني من هيئة البيئة يؤكد وقف انبعاثات الغازات السامة الناتجة عن اقامة مشروع الصرف الصحي».
ــ في 14/9/2002 وفي اطار متابعته لتبعات المشروع قال النائب د. حسن جوهر انه من المؤسف ان تأتي اجهزة وزارة الاشغال لقياس نسبة التلوث وتبين للمسؤولين ان المنطقة خالية من الروائح والغازات وبعد ايام كشفت الجهات البيئية من خلال اجهزتهها ان مؤشرات التلوث من الغاز والروائح كريهة جدا، واذا تأكدنا بالفعل من وجود استمرار هذه الغازات فعلى الوزير ان يلتزم بتعهده فورا ووقف المشروع وايجاد البديل الآخر».

أمور مجهولة
ــ يوم 12/9/2002 قامت لجنة الدفاع عن مشرف بتقديم كتاب الى الهيئة العامة للبيئة تشرح فيه ان قياسات غاز كبريتيد الهيدروجين بلغت من الخطورة ما لا يمكن السكوت عنه وان وزارة الاشغال لم تستفد من تجربة شارع احمد الجابر الذي تصاعدت فيه الغازات لعدة اشهر والآن يعاد الخطأ نفسه في مشرف والمشكلة الاكبر ان المحطة تقام في منطقة قرطبة جدا من مساكن المواطنين، والتخوف هو من المستقبل وبعد الانتهاء منه «لأنه لا يوجد ضمان واضح لعدم تصاعد غاز كبريتيد الهيدروجين بعد اكتمال المشروع، خصوصا انه سيتم تجميع كميات ضخمة جدا من مياه المجاري في هذا الموقع وان التفاصيل الهندسية للمشروع وكيفية التأكد منها امور غير معلومة.
وناشدت الحكومة ان تجد طريقة لعلاج المشكلة، بحيث تتلافى تصاعد الغاز في المناطق السكنية ولا يعقل ان يعيش اهالي المنطقة في مسأساة مع كل عملية حفر، ونتساءل، من يعطي ضمانات للمجتمع ان المحطة ستكون آمنة؟
في تلك الفترة وعلى اثر تحرك الاهالي تحركت وزارة الاشغال وقام الوزير فهد الميع بزيارة الموقع ليكتشف ان نسبة انبعاث الغازات تساوي «صفرا» في حين سجل القياس الذي قام به الاهالي ما نسبته 700 في المليون وهي نسبة كفيلة بتهديد صحة سكان المنطقة.
ــ يوم 10/9/2002 اكد الوكيل المساعد للهندسة الصحية بوزارة الاشغال ان الوزارة «ستضمن عدم وجود آثار سلبية مستقبلا لانها ستضم (أي المحطة) احدث الطرق العالمية، خصوصا انها ستعمل على نظم تقنية وحاسب آلي فضلا عن نتائجها الايجابية على صعيد حل مشكلات الصرف الصحي والتلوث البحري الحاصل بسبب تصريف المجاري الى البحر، موضحا ان محطة الضخ وصلت تكلفتها الى 43 مليون دينار بسبب العمق الزائد الذي تتطلبه، مؤكدا ان المحطة ستكون بمنزلة الحل الجذري لمشكلة الصرف الصحي.

تجاهل
يوم 7/9/2002 طالب النائب د. حسن جوهر وزير الاشغال في حينه الوزير فهد الميع بوقف العمل في مشروع محطة الصرف الصحي في مشرف فورا، بعد ان اكدت المصادر الفنية في كل من وزارة الاشغال والهيئة العامة للبيئة خطورة الغازات السامة المنبعثة من الموقع فور البدء بتنفيذ العمل، مستغربا سلوك الحكومة في هذا الشأن.
- يوم 15/10/2002 اتهم عضو المجلس البلدي ناجي العبدالهادي وزارة الاشغال بتجاهلها للجانب البيئي في عملها، وقال انه حذر من محطة مشرف قبل تخصيص موقعها الحالي وانه غير مناسب، مشيرا الى انه قام بتسجيل اعتراضه على الموقع في جلسة المجلس البلدي اثناء مناقشة تخصيص الموقع، وقال ان المشكلة ليست في انشاء المحطة بقدر ما هي في الصيانة المستقبلية، خصوصا وان تجربة محطة العارضية لم يمض عليها وقت طويل، فالاشغال عندما تتعامل مع هذه المحطات تتجاهل الجانب البيئي في عملها.
- يوم 2/10/2002 اتفق خبراء اميركيون متخصصون في البيئة مع باحثين من معهد الكويت للابحاث العلمية على ان افضل طريقة لتفادي انبعاث الروائح الكريهة خلال تنفيذ المشاريع المستقبلية التي تصل الى اعماق كبيرة هي حفر بئر استكشافية قبل البدء بعملية الحفر، وضخها لمدة معينة ومن ثم تحليل نوعية المياه الجوفية، وفي حال تجاوزها الحدود المسموح بها يجب تجهيز الموقع بمعدات المعالجة قبل البدء بضخ المياه لتجفيف الموقع.

محاسبة
- يوم 29/8/2002 قال رئيس الجمعية الكويتية لحماية البيئة د. مشعان المشعان «ان وزارة الاشغال تعرض حياة الناس للخطر، وكان يفترض بها قبل ان تبدأ في تنفيذ المشروع ان تقوم بدراسة المردود البيئي، والتأكد من نوعية التربة ونوعية المياه قبل البدء في المشروع، وللاسف لا يوجد من يحاسب الاشغال على ما تفعله من اخطاء جسيمة في حق المجتمع منذ سنوات اضافة الى ما تقوم به من تدمير للبيئة.
- يوم 24/5/2002 نشرت تقارير تؤكد ان ظاهر انبعاث الغازات السامة والروائح الكريهة بعد تحليل عينات من المياه الجوفية يبين وجودها في عدة مناطق منها منطقة مشرف.
- يوم 13/12/2003 اكدت رئيسة المهندسين لشؤون الهندسة بوزارة الاشغال «ان المحطة الجديدة مصممة لتصريف 340 ألف متر مكعب في اليوم في اوقات الذروة، وستزود بنظام شامل للتحكم بالرائحة بمحطة كهرباء فرعية ومصدر طاقة ثنائية التغذية.
- يوم 18/7/2004 اعلن مدير ادارة العلاقات العامة بوزارة الاشغال «ان هذا المشروع الحيوي والمهم في الدولة يهدف الى رفع كفاءة مرافق الصرف الصحي، وتحسين الاداء والقضاء على جميع المشاكل، سواء مشاكل التقادم او عدم الربط على الشبكة العامة للمجاري الصحية، او مشكلات بيئية من جراء انبعاث الروائح الكريهة.

لا مثيل لها
- يوم 14/11/2005 اعلن وكيل وزارة الاشغال المساعد لقطاع الهندسة الصحية انجاز 95% من المحطة في مشرف، مشيرا الى انه من المتوقع الانتهاء منها في فبراير 2006 بعد ان تم مباشرة العمل فيها في شهر يونيو 2002 ومصممة على تصريف 340 ألف متر مكعب يومياً في أوقات الذروة ومزودة بنظام شامل للتحكم بالرائحة وانه لا تخوف إطلاقاً من انبعاث الروائح الكريهة نظراً لاشتمال المحطة على النظام الشامل للتحكم بالرائحة، إضافة إلى أن المحطة بالكامل تحت سطح الأرض وفيها 13 دوراً تحت سطح الأرض كل دور بارتفاع 3 أمتار. وأن المحطة تحتاج إلى 5 مضخات فقط للقيام بعملها، إلا أنه تم عمل 10 مضخات لتكون هناك مضخات احتياطية في حالة حدوث أي مشاكل. وتعد الثالثة على مستوى العالم، حيث لا يوجد مثيل لها إلا في هونغ كونغ وسنغافورة!

أسئلة
نعود إلى السؤال الأساسي: ألم يكن بالإمكان اختيار منطقة أفضل وأكثر ملاءمة من مشرف علماً بأن هناك عدة بدائل كانت موجودة في صباح السالم والمسيلة؟ ألم يكن بالإمكان حفر بئر استكشافية وعمل تجارب عليها وعمل قياسات لتسرب الروائح قبل الشروع في تنفيذها؟
لماذا تم تجاهل الجانب البيئي وشكاوى المواطنين الذين يسكنون في مشرف ولا تبعد منازلهم عن المحطة أكثر من 30 أو 40 متراً؟
ماذا فعلت الحكومة لتجنب مشرف وغيرها من المناطق مشكلة التغلب على انبعاث الغازات السامة والروائح الكريهة؟ وما الطرق والأساليب التي اعتمدتها للقضاء عليها؟

توصيات
خلاصة التقرير الذي رفعته لجنة الخبراء المختصين في جامعة الكويت كانت قد شكلت لهذا الغرض عام 2002 أوصت بما يلي:
أولاً: يجب التنبيه إلى كل من الجهة الإنشائية والمقاول بأخذ الاحتياطات التصميمية والتنفيذية والإنشائية اللازمة للحد من تأثر المياه الجوفية بمواصفاتها الحالية (مستويات عالية من الكبريتات) على المشروع خصوصا على تلك الاجزاء المنشأة تحت مستوى سطح الارض وكذلك توفير الحماية اللازمة للاجزاء الكهربائية والميكانيكية المتعددة للمشروع وضمان عدم تسرب المياه الجوفية او مياه الامطار او غيرها في حال ارتفاع منسوبها الى منشآت المشروع.. لا سيما ان الفحوصات التي اجرتها على عينات التربة والمياه الارضية تحتوي على نسبة عالية من الكبريتات التي قد تتحول الى مركبات الكبريتيد، وان الغاز ينتشر بمستوى اعلى من المستويات التي تحددها حاسة الشم عند الانسان، فهل التزمت وزارة الاشغال بذلك ام كانت «عمك اصمخ»؟..

مسؤولية
ثانيا: يجب التنبيه على وزارة الاشغال العامة بأخذ اقصى درجات الحيطة والحذر في تشغيل المشروع مستقبلا. ويجب اسناد عقود التشغيل مستقبلا الى افضل الشركات التي لها خبرة وباع طويل في هذا المجال، وعدم الركون الى مبدأ ارخص الاسعار. وسوف يؤدي التشغيل السليم والصيانة الدورية عالية الجودة الى الاستفادة القصوى من هذا المرفق خلال مدته التصميمية وايضا لتلافي اي مشاكل او روائح او تلوث قد تصدر عن المشروع ونؤكد في هذه النقطة على الدور الحيوي والمهم والمسؤولية الملقاة على عاتق كل من وزارة الاشغال العامة والهيئة العامة للبيئة في مراقبة اعمال التشغيل والصيانة لهذا المشروع وغيره من المشاريع المشابهة بصورة فاعلة للتأكد من تشغيلها وصيانتها على الوجه الاكمل.
ثالثا: حبذا لو قامت الهيئة العامة للبيئة بالمراقبة والرصد لمستويات التلوث للهواء والمياه الجوفية في محيط المشروع بصفة دورية للتأكد من عدم تسبب المشروع في زيادة مستويات التلوث مستقبلا والتنسيق مع الجهة المسؤولة عن التشغيل والصيانة بهذا الصدد.

دعوى قضائية
وتجدر الاشارة الى ان عددا من المواطنين اقاموا دعوى عام 2002 ضد كل من وزارة الاشغال وهيئة البيئة لتضررهم من الروائح والتلوث، وقد نظرت الدعوى امام المحكمة الكلية. وامرت المحكمة بتكليف خبراء مختصين في كلية الهندسة بجامعة الكويت بدراسة مشروع المحطة وبيان مخاطره ورفع تقرير بشأنه، وقد تضمن التقرير مجموعة من التوصيات التي تجاهلتها الجهات المعنية.
ومن المستغرب ان يتم الاحتماء بحكم المحكمة الصادر عام 2004 «بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الاداري»، فهذا امر متروك الحكم فيه للقضاء من زاوية لها صلة بقرار واجراءات ادارية تتصل بايقاف المشروع او الاستمرار فيه تبعاً للجهة التي تقوم بتنفيذه.
ونسأل: ماذا بشأن تقرير الخبراء الآخرين والدراسات الفنية التي اجريت على المشروع؟ لماذا لم تعلن وتوضح امام الاعين والمسؤولين للاخذ بها؟ وهل ذهبت كل التقارير الى الاشغال والبيئة ام انها وقفت عند ادارة الفتوى والتشريع؟
المشكلة لم تكن وليدة شهر اغسطس 2009 تاريخ «الانفجار» او العطل الفني الطارئ الذي ادى الى ايقاف المحطة بالكامل.

يوم الحادث
يوم 23 اغسطس 2009 تسربت المياه الى غرفة المعدات واللوحات الكهربائية وغمرت القسم الاكبر منها بالمياه، وبعدها انفصل التيار الكهربائي عن المحطة وتسبب بوقفها بالكامل، وعدم القدرة على نقل المياه غير المعالجة الى محطة العارضية.
اين هي خطط الطوارئ والاحتياطات التي اكدها القياديون بالاشغال عند تنفيذ المشروع؟ ماذا بشأن الـ 5 مضخات الاضافية الاحتياطية التي يفترض ان تكون جاهزة للعمل عند وقوع المشاكل والكوارث؟ لماذا لم يعمل نظام التحكم بالروائح عند حدوث الاعطال الفنية؟ واين محطة الكهرباء الفرعية التي وضعتها للطوارئ؟ واين هي الصيانة والمراقبة الدورية التي يفترض القيام بها من قبل الاشغال والبيئة والكهرباء والجهات المعنية؟ لماذا كان التلاعب بقياس انبعاثات الغازات السامة والروائح الكريهة ولم تجرؤ اي جهة رسمية على تقديم ضمانات بعدم حدوث هذه الظاهرة بعد الانتهاء من البناء والتشغيل؟
ما قيمة المبالغ المدفوعة والتي زادت الى ان وصلت الى 43 مليون دينار، اذا لم تكن تأخذ بعين الاعتبار جميع الاحتياطات للطوارئ وتجنب وقوع الكارثة التي حصلت من دون ان يكون بمقدور الوزارة ان تفعل شيئا كما وعد واشار اليه قياديوها، متباهين بأن المحطة هي الثالثة من نوعها في العالم؟ لن يكون بوسع المسؤولين والقياديين في الاشغال والهيئة العامة للبيئة الدفاع عن هذا المشروع بعدما وقعت الكارثة، نحن نعذرهم ان لم يستطيعوا معالجة الكارثة في ساعات او ايام، لكننا لن نتسامح معهم او نجد العذر لهم بعدم قول الحقيقة والمكاشفة والمصارحة امام الرأي العام والمسؤولين حتى يتم التسبب بالمشكلة والكل يلقي التهمة على الآخر؟

طمطمة
لا بد في النهاية من ان تكون هناك جهة تتحمل المسؤولية ولا يجوز طمطمة الموضوع كما هي الحال في قضايا شائكة ومصيرية اخرى، نحن امام اختبار، اما ان نتعلم من الاخطاء او نستمر في المكابرة ولملمة الموضوع وكأن شيئا لم يكن. استبشرنا خيرا باللجنة التي شكلها مجلس الوزراء وبالكلام الذي صدر عنه بمحاسبة المقصرين، لكننا لا نتعاطى مع الموضوع من زاوية تصفية حسابات او مكابرات بل من زاوية المسؤولية الوطنية والوظيفية تجاه المواطنين والمجتمع وارواح الناس وسمعة الكويت وسوء الادارة الذي بات مرضا مستعصيا على العلاج. وسؤالي من جديد اذا كانت وزارة الاشغال تعلم عن حجم المشكلة والاضرار الناتجة عنها فلماذا لم تقم بواجبها وتعمدت الاستمرار بالبناء والتنفيذ؟
اذكر في الثمانينات كان يوجد معمل للطابوق الجيري على طريق المطار وحصلت اشكالات حول مكانه ودعاوى، واستمرت القضية بالمحاكم وبالردود في المؤسسات الرسمية سنوات طويلة الى ان صدر قرار بإزالته لما يسببه من ضرر بيئي على المحيط وعلى السكان المتواجدين في المنطقة، فما بالك بمحطة معالجة مياه للمجاري بالقرب من مناطق سكنية عديدة مثل مشرف وصباح السالم وبيان وسلوى وغيرها ولا تبعد عنها سوى امتار.

رقابة
الوقائع تقول ان المحطة لم تسلم رسميا الى وزارة الاشغال الا قبل اسابيع من حدوث الكارثة، اي انه بمجرد ان استلمتها الاشغال وقعنا في المحظور، وهذا يعني بأبسط المعايير انه لم تكن هناك رقابة وصيانة تناسبان حجم المشروع قبل بناء محطة رئيسية للصرف الصحي، والدليل على ذلك ان تقرير جامعة الكويت خلص بعد مراجعة التقارير للعينات والتحاليل التي قامت بها وزارة الاشغال العامة اثناء البدء بالمشروع ما يلي:
ــ اشارت التقارير الى ان المناهيل زودت بمرشحات كربون للحد من الروائح المنبعثة من المياه الجوفية.
ــ ذكرت التقارير ان الظاهرة هي طبيعة جيولوجية ولم تقدم اي دلائل عن تحليل لنوعية الصخور.
ــ ذكرت التقارير ان بعد المياه الجوفية عن السطح قبل بدء المشروع كان 3 امتار، كما هو مبين في 23/3/200، وايضا تم وصف التربة على بعد اعماق مختلفة، ولكن لم يتم فحصها كيميائيا وبيولوجيا.
ولقد قامت وزارة الاشغال ايضا بدراسة تحليلية للمياه الجوفية في الموقع في 12/10/2002، و15/10/2002، و18/11/2002، وذلك بعد بداية المشروع بفترة، علما وبحسب اقوال قياديي وزارة الاشغال ان العمق الذي وصلت اليه عمليات الحفر هو 35 مترا.
نستخلص من هذا العرض ان هذا المشروع والمكان الذي وضعت فيه يحتاجان الى عناية خاصة بوجود غاز كبريتيد الهيدروجين، ووزارة الاشغال تعلم بذلك فلماذا كان هذا الاهمال وعدم المبالاة؟ ومن يتحمل مسؤولية التقصير في ذلك؟

تقييم التأثيرات البيئية ضعيف
خلصت الدراسة التي أجراها خبراء كلية الهندسة والبترول، بناء على أمر المحكمة، على مشروع محطة مشرف للصرف الصحي الى ان تقييم التأثيرات البيئية للمحطة ضعيف جدا، مطالبة الهيئة العامة للبيئة بالالتزام والرقابة لتحسين الكفاءة وتجنب الاخطاء الجسيمة.
واكدت ان المقاول المختص لم يقم بفحص التربة والمياه الجوفية قبل البدء في تنفيذ المشروع، ولأن فعل ذلك لأصبح التقييم جيدا.
واضافت دراسة الخبراء «بشكل عام لم تقدم الدراسة المعتمدة من هيئة البيئة، التي استند على نتائجها في الموافقة على المشروع، تقييما دقيقا للتأثيرات البيئية والصحية والاقتصادية للمشروع».

أبرز توصيات الخبراء قبل إنشاء المحطة
1- التنبيه على الجهة الإنشائية والمقاول بأخذ الاحتياطات التصميمية والتنفيذية اللازمة للحد من تأثيرات المياه الجوفية بمواصفاتها الحالية، حيث المستويات العالية من الكبريتيات.

2- توفير الحماية اللازمة للأجزاء الكهربائية والميكانيكية المتعددة للمشروع وضمان عدم تسرب المياه الجوفية أو مياه الأمطار إلى منشآت المشروع.

3- الرصد الدائم لمستويات تلوث المياه الجوفية والهواء في محيط المشروع والتنسيق مع الجهة المسؤولة عن الصيانة.
4- المراقبة الدائمة لمستوى انبعاث غاز كبريتيد الهيدروجين وهو غاز سام وضار جدا بالصحة.

5- رصد متواصل لأي تغيرات للمياه الجوفية والتربة في منطقة المحطة.

6- مراعاة الاشتراطات البيئية واتخاذ الاجراءات الكفيلة بالحد من التلوث والحذر من المخاطر المترتبة على اي خلل في المحطة لاسيما على صحة البشر.

أخطاء «الأشغال» في المشروع

1- عدم تركيب أجهزة إنذار
2- تجاهل تحذيرات المختصصين وتوصياتهم
3- غياب الصيانة الدورية
4- عدم رصد مستوى الغازات
5- غياب الشفافية في التعامل مع المشكلة

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك