مبارك الدويلة: أنور الرشيد.. وخطابه

زاوية الكتاب

كتب مبارك فهد الدويلة 3253 مشاهدات 0


على الرغم من أنني لم أتطرق من قريب أو بعيد للأستاذ أنور الرشيد بصفته الشخصية، في مقالي الأخير بصحيفة القبس، إذ تناولت المواقف اللامبدئية والانتهازية لعدد كبير من الرموز الليبيرالية الخليجية والعربية تجاه قضايا وحقوق حرية التعبير والرأي والمشاركة السياسية، ولم أعمد إلى الإشارة أو تحديد أسماء هؤلاء، وذلك لأنني أسعى دائماً لمناقشة الأفكار والسياسات من دون شخصنة، أملاً في أن يسهم هذا النقاش في حوارات بناءة تفضي إلى توافقات حول القواعد والمبادئ الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان والمجتمعات بما يكفل استقرارها ونموها وازدهارها. وطالما أن الأستاذ أنور الرشيد أشار لي بالاسم ولمز بالتيار الذي أنتمي إليه في أكثر من مرة، بل وشكك في ولائنا ووطنيتنا، فإنني أجد نفسي مضطراً لأبين له زيف ما أشار به وفقدانه للواقعية. وفي الوقت الذي لفت فيه الانتباه إلى أنه يفخر بكونه ليبيرالياً، كنت أتوقع منه أن يبين لي وللقراء موجبات ذلك الفخر، حيث عرفت الليبيرالية كمبدأ عام بالدفاع عن الحريات وعن حقوق الإنسان الأساسية، وبالتالي فإن الليبيراليين يفترض فيهم الدفاع عن الحرية مهما كان المخاطبون بها، لكنه في مرات كثيرة ضاقت تغريدات الأستاذ أنور وغيره من مدعي الليبيرالية بحرية الرأي والتعبير السياسي، واعتبروها تطاولًا وتجاوزًا للحدود، ودعوا السلطات إلى التصدي لها، وللجماعات والتيارات التي تنادي بها أسوة بدول أخرى تختلف تجاربها الاجتماعية والتاريخية عنا في المجتمع الكويتي. ولا أحتاج في هذه النقطة الى اعادة سرد مواقف النخب الليبيرالية العربية من التجارب الديموقراطية في الوطن العربي، والتي تكشفت في السنوات الأخيرة بشكل واضح ومفضوح. ولئن شكل هذا الأمر صدمة بالنسبة للرأي العام العربي، حيث خان بعض الليبيرالين العرب مبادئهم في الايمان بالحرية والدفاع عنها، وتخلوا عن سيادة الشعوب باختيار من يحكمها في انتخابات ديموقراطية ونزيهة، وذلك عقوبة لتلك الشعوب لعدم اختيارهم كليبراليين، وفي السياق العملي انخرط كثير من هؤلاء الليبيراليين المزعومين في مخططات إجهاض التجارب الديموقراطية التي أعدتها أطراف إقليمية ودولية، وذلك لمنع الانتقال الديموقراطي، وإدامة الفساد والاستبداد، ومنع النهضة والتنمية للشعوب العربية. إن الخطأ في تشخيص المشكلات يؤدي بكل تأكيد إلى الخطيئة في استخلاص النتائج والحلول، ولذلك فإنني فعلاً أستغرب كيف يمكن لإنسان واعٍ ومثقف أن يغير الحقائق وينخرط في روايات مزيفة للوقائع، ويضع اللوم على الديموقراطية، ويدافع عن الاستبداد والفساد، فقط لأنه يكره فئة من الناس بسبب أفكارهم وقناعاتهم! ولقد أثبتت السنوات السابقة أن كثيراً من الإسلاميين العرب الذين هاجمهم أكثر إيماناً وقناعة بالحرية والديموقراطية من أدعياء الليبيرالية، حيث دافعوا عن سيادة شعبهم وتوقهم إلى الحرية والنهضة ودفعوا أثماناً باهظة من حريتهم، بل ومن حياتهم، في مواجهة الانقلابات العسكرية المكشوفة والمستترة.

وفي هذا السياق، أؤكد مرة أخرى أن انتمائي وانتماء اخواني من الإسلاميين الكويتيين إنما هو للكويت أولاً وأخيرًا، وهي مسألة لا نسمح لأحد بالمزايدة علينا فيها، ولقد أثبتت الأيام والوقائع الصعاب ذلك، خاصة أيام الغزو الغاشم، حيث شارك شبابنا ونساؤنا في مقاومة المحتل وتثبيت الشعب، إلى جانب إخوانهم من المواطنين. كما أثبتت الأيام قبلها وبعدها أننا منخرطون بكل قوتنا في خدمة الشعب الكويتي والإسهام في نهضته وتنميته من مختلف المواقع، انطلاقًا من أن ذلك واجب علينا، وأن الزبد يذهب جفاء، وأن ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

وفي ما يتعلق بالإشارة إلى خبر إعلان وزارة الداخلية عن القبض عن خلية داعشية، أود تذكير الأستاذ أنور بأن الحركة الدستورية الإسلامية كانت الأسبق بين الجميع ومنه هو نفسه في إدانة هذا العمل الإرهابي والإجرامي، كما أنها أشادت بعمل الأجهزة الأمنية الساهرة على أمن الوطن. وهذا الموقف منها مبدئي لأنها تعرف قيمة الوطن وتشارك الجميع في العمل على حفظه وصونه واستقراره وتنميته في مختلف الجوانب. وفي هذا المجال فإننا لا نزايد على أحد، وليس من أخلاقياتنا ومبادئنا توزيع صكوك الوطنية كما يفعل البعض من الليبيراليين ومن بينهم الأستاذ أنور في مقاله ذاته. كما أجد نفسي وإخواني من الإسلاميين غير محتاجين لبيان أن الفكر الإسلامي المعاصر الذي نعتنقه بعيد كل البعد عن أن يشكل مرجعاً للمتطرفين في الكيان المشبوه المسمى «داعش»، لأنه بكل بساطة فكر المجتمع الكويتي الإسلامي، الوسطي، المعتدل، المتسامح، والمتآلف.

وأخيرًا وليس آخراً، إن الإسلاميين في الكويت نبتة أصيلة وشرعية، وجزء لا يتجزأ من المجتمع الكويتي العربي الأصيل، وهم يعبرون عن نبضه وآماله، وطموحاته، ولذلك ينتخبهم الناس، ويرغبون في أن يتولوا المناصب لأنهم يثقون بإدارتهم وبنظافة يدهم.

إنني أجدد الدعوة إلى الجميع أن وطننا الصغير بحجمه الجغرافي، الكبير بعطاءاته وإسهاماته ومواطنيه وثرواته، ليس في حاجة لهذا الخطاب ، ويستحق منا جميعاً التآلف والتوافق والوحدة والتضامن وليس التنافر والتنابز والتدابر.

تعليقات

اكتب تعليقك