د.نجم عبدالكريم: هل كان المُتنبي مُثقفاً؟

زاوية الكتاب

كتب د. نجم عبدالكريم 1198 مشاهدات 0


إن الذين يريدون النيل منهُ كانوا ينعتونه بـ «ابن السقاء» حتى قال فيه شاعرهم:

أي فضلٍ لشاعرٍ يطلب الفضل

من الناس بُكرةً وعشيا؟!

عاش حيناً يبيعُ في الكوفة الماء

وحيناً يبيعُ ماء المُحيا

مع أن الثعالبي في «يتيمة الدهر» يذكر أن «أباه سافر به إلى بلاد الشام، فلم يزل ينقله من باديتها إلى حضرها، ويسلمه إلى من يعلمه ليضمن له حسن التأدب، وأن والده كان رجلاً كريماً يحسن القيام على تربية ابنه وتقويم لسانه وتهذيب فكره».

وتُروى قصص وحكايات كثيرة عن قدرات المتنبي في الحِفظ حين كان صبياً يتردد على الوراقين في الكوفة، ولكن ما يعنينا هنا هو الوقوف على بعض ثقافته اللغوية والتاريخية والدينية وذلك الكم المعرفي الهائل الذي تضمنته قصائده، ‏وكان المتنبي مطلعاً على قصص الأنبياء - عليهم السلام – كما أن هناك الكثير من الاستشهادات الدينية التي دلت على سعة اطلاعه في أمور الدين والتدين.

أما عن ثقافته اللغوية، فقد سأله علامة اللغة أبوعلي الفارسي: كم لنا من الجموع على وزن فِعلَى؟ فأجابهُ على الأثر «حجلى، وظربى»، فقال الفارسي: لم أجد لهذين الجمعين ثالثاً في اللغة العربية. وذكر الذين أرّخوا للمتنبي أنه كان يحفظ ديواني أبي تمام والبُحتري، وجمع شعر ابن الرومي، وكان إلى جانب اهتمامه باللغة شديد الاهتمام بالفلسفة وبأقوال المعتزلة وتفسيراتهم.

وقد أظهر في بعض قصائده أنه على اطلاع على تاريخ الإغريق، كقوله:

من مُبلغ الأعراب أني بعدها

جالست رسطاليس والإسكندرا

وقوله:

وسمعتُ بطليموس دارس كتبه

مُتملكاً مُتبدياً مُتحضرا

وقد أشار المُتنبي إلى الفلسفة اليونانية إشارات القارئ المتعمق عندما ذكر أفلاطون وأرسطو في بعض قصائده.

***

وإن كان يقال إن شكسبير أضاف الكثير من المفردات الجديدة إلى اللغة الإنكليزية، فإن الباحث عن الجديد في شعر المُتنبي سيجد من المفردات والتركيبات الجديدة التي يندر أن يجدها عند غيره، والمجال لا يتسع لإبراز بعض الأمثلة، فقُراء شعر المتنبي يعشقون شعره لما يحمله من جديد في تعبيراته الدالة على ثقافته الواسعة، التي لولاها ما نظر الأعمى إلى أدبه، ولا أسمعت كلماته من بهِ صمم.

تعليقات

اكتب تعليقك