مبارك الدويلة: مأساة «#البدون».. بين الإنسانية والعنصرية

زاوية الكتاب

كتب مبارك فهد الدويلة 2007 مشاهدات 1


استقبل هاتفي النقال ثلاث رسائل من كل من الأفاضل: عادل الزواوي، وبدر الحميضي، ود. محمد المقاطع. كل منها يحمل عتباً لطيفاً على موقفي من مأساة الإخوة «البدون»، ومطالبتي بالتخفيف من معاناتهم، وموقفي القديم الجديد من الجهاز المركزي لـ«البدون». طبعاً باستثناء رسالة الاخ الزواوي، التي كتبها كـ«بوست»، وغمز ولمز كعادته، ومع هذا يمون أبو محمد كما يمون الأخوان الفاضلان.

ويبدو أنني محتاج للتوضيح أكثر مما ذكرته في المقابلة مع جريدة سرمد الالكترونية، حتى أزيل اللبس الذي وقع فيه الاخوة الثلاثة.

«البدون» مجموعة من الناس، لهم تواجد قديم في الكويت، يصل عند بعضهم الى أربعينيات القرن الماضي، وبعضهم للخمسينات والستينات الى الثمانينات، لكنهم عند صدور قانون الجنسية لم يتمكنوا من توفير إثباتاتهم، أو لم يتمكنوا من الوصول الى لجان الجنسية في حينها، والأكثرية لم تكن لديهم العلاقات الاجتماعية اللازمة لتمرير ملفاتهم مع لجنة الثمانينات واللجان المؤقتة بعد التحرير، فظلوا بدون هوية. وهم بلا شك حالهم حال الكثير من أهل الكويت، قدموا من الدول المجاورة بدون أوراق رسمية، حيث كانت في ذلك الوقت الحدود شبه مفتوحة، وكان الدخول والخروج للكويت أمراً ميسراً، ولم تكن الاوراق الرسمية متداولة.

بموافقة الحكومة، والقوانين المنظمة في تلك الفترة، أصبح «البدون» أمراً واقعاً، واستمرت الحكومة تعاملهم كما تعامل الكثير من فئات الكويتيين من حيث التعيين في الجيش والشرطة والتدريس والعلاج المجاني، بل حتى ان الحكومة وفرت لهم بيوت سكن منخفض التكاليف.

ونظراً لسوء الأوضاع في السبعينات في بعض دول المنطقة، دخل البلاد عدد لا بأس به من مواطني هذه الدول، طمعاً في الأمن والأمان الذي يعيشه أهل الكويت، وتخلصوا من هوياتهم، على أمل أن يندرجوا تحت فئة البدون. ونظرا لتساهل السلطات المختصة مع هذه الظاهرة، تمكن العديد منهم من الانخراط في هذه المجموعة، فوصل عدد البدون قبل التسعينات الى ما يقارب المئتي ألف.

أثناء الغزو الصدامي للكويت التحق عدد من هؤلاء الوافدين الجدد بالجيش الشعبي العراقي، وبقي البدون الأصليون في الكويت يساعدون الكويتيين الصامدين، وهذا بشهادة كثير من الكويتيين، الذين بقوا في البلاد، وكان أكثر البدون خرجوا مع الجيش الكويتي الى الشقيقة السعودية، ودخلوا يقاتلون معهم في حرب التحرير، ونالوا أوسمة التحرير التي تزين اليوم غرفهم في الصليبية! وبعد التحرير خرج الوافدون الجدد من الكويت مع فلول جيش صدام، ولذلك بعد التحرير وخوفاً من انتقام الكويتيين نزل عدد البدون الى مئة وعشرين ألفاً. 

بعد تحرير الكويت شكلت الحكومة الجهاز المركزي للبدون، ووضعت عليه نخبة من خيرة أهل الكويت، ليساهم في حل مشكلة هذه الفئة ويكون مسؤولاً عنهم إدارياً.

لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟!

ليس كل مجتهد مصيباً! اكتشف الأخوة في الجهاز عدداً من حالات التزوير في الهوية بين هذه الشريحة، ووقعت أيديهم على وثائق تثبت انتماء بعض هؤلاء البدون الى العراق وسوريا وغيرهما، وبدلاً من أن تعالج هذه الحالات تركتهم يسرحون ويمرحون، وعممت الشبهة على معظم البدون، فأصبح الأصل عندهم أن كل «بدون» مزور للهوية ما لم يثبت غير ذلك. وهنا بدأت معاناة الجميع، وعم الشر الصادق من البدون والكاذب، وتبنوا قاعدة «ضيق ضيق عليهم حتى يُخرجوا هوياتهم الحقيقية»، ولكن ماذا جنينا بعد ثلاثين سنة من تطبيق هذا الشعار؟!

لم يتمكن الجهاز المركزي من كشف هوية الأعداد التي وعد بها، ولم يحل ملفات من ادعى انهم مزورون الى النيابة، والعكس صحيح، زاد عدد «البدون» لعدم وجود علاج لهذه الظاهرة، وزادت معاناتهم بسبب سياسة التضييق عليهم، حيث منع الكثير منهم من العلاج وتعليم أبنائهم والحصول على رخص للقيادة، والعمل حتى في القطاع الخاص، والسبب أن الجهاز اكتشف أن لهم انتماء لإحدى دول الجوار. وكلنا نعرف أن معظم الشهادات التي استعملها الجهاز كدليل، إنما هي شهادات مضروبة، وثبت أنها لا تمت الى الكثير منهم بصلة، ولو كان ما يدعيه الجهاز صحيحاً لتمت إحالة معظم البدون الى النيابة.

هؤلاء الناس لهم حقوقهم كبشر، يعيشون على هذه الأرض منذ أكثر من ستين سنة، لديهم أولاد، وأحفاد، والعيال كبرت، لو يجدون غير الكويت دولة يعيشون فيها بكرامتهم ولديهم هويتها لغادرونا، وما استمروا في هذه الحالة المريرة، التي لا يقبلها مَن في قلبه مثقال ذرة من انسانية.

انا لا أقول جنسوا «البدون»، بل حتى «البدون» اليوم لم تعد الجنسية من أولوياتهم، بل كل ما يريدون هو العيش الكريم، ومعاملتهم كما يعامل البشر، وكما يتعامل الإنسان مع أخيه الإنسان.

ما هو موقفي ككويتي، وأنا أشاهد معاناة من قاتل معي يوم الغزو جيش صدام واستشهد دفاعاً عن أرضي وعرضي، أو أُخذَ أسيراً أو غادر مع الجيش الكويتي للسعودية ودخل مع التحالف يوم التحرير؟! 

آلاف مؤلفة من «البدون» لديهم إحصاء 1965، وهؤلاء يعفيهم القانون من الكشف عن هوياتهم لقدم وجودهم في البلاد، ومع هذا ما زال الجهاز يستخرج لهم انتماءات خارجية، معظمها غير صحيح، ماسكين علينا كم ملف من الحالات الصارخة يلفون فيها بالدواوين ويطلبون تعميمها على الآلاف من البدون.

ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

أنا لا أقول هذا الكلام طمعاً في ما عند البدون، كما يدعي أحد الاخوة المشار اليهم في أول هذا المقال، فهم لا يصوتون في الانتخابات، ولا عندهم فرص استثمارية تطمعني فيها، وحتى لا يتفلسف أحد، ويقول مبارك الدويلة يدافع عن جماعته، أؤكد أن دفاعي عن قضيتهم بدافع شرعي وإنساني، وأما أنا فكويتي أباً عن جد، وأحد أجدادي عبدالله الدويلة شارك في حرب الرقة مع ثاني حكام الكويت، عام 1783، وجدي فهد الدويلة صاحب أول حملة حج في الكويت عام 1800، وليست لأحد منّة عليّ ولا فضل.

تعليقات

  1. تسلم ابو معاذ على لغة الخطاب...

اكتب تعليقك