تذبذب السياسة الاميركية وضعف أوباما

عربي و دولي

تم بيع ايران فبدأت اسرائيل بحفر جحورها

3539 مشاهدات 0



يقال انك تشعر بالامن دون ان تراه،وفي مطار جون كينيدي في نيويورك وقبل ان نستقل طائرتنا الى سان فرانسيسكو شاهدنا من الاجراءات الامنية وطوابير الذل مايفوق نقاط التفتيش على معبر ايريز الاسرائيلي شمال قطاع غزة،بل ويفوق بكراهيته نقاط سيطرة القوات العراقية ايام احتلالها البغيض للكويت.فقد طلبوا من الجميع نزع حزام البنطلون ونزع الخواتم والساعات،وما كدت اقترب من البوابة الالكترونية حتى نظرت الي الشرطية المدججة بالسلاح شزرا ثم امرتني بالعودة ونزع حذائي . لقد أرعب الاميركان سكان الكرة الارضية منذ الحرب العالمية الثانية بطائراتهم وبوارجهم وعاشوا آمنين في قارتهم حتى جاء ارهابي من تورا بورا فنزع عنهم الامن ورفاهية الاطمئنان للابد،فقاموا تحت مظلة سياسة القوة الصلبة  HARD POWER التي نشرها جورج بوش بتصنع الامن القوى القبيح،فكان التخطيط لانشاء مشروع لنشر الصواريخ في اوروبا الشرقية في حركة تشبه النفخ في رماد الحرب الباردة التي انهاها والده قبل عشر سنوات من وصوله هو للسلطة،بحجة حماية اوربا ليس من الروس فقط بل ومن الصواريخ الايرانية ايضا،وقد قابلته موسكو بالاعلان عن مشروع نشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد، الجيب الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا. كما قام الاميركان في مرحلة القوة الصلبة بإنشاء وزارة الداخلية الاميركية التي لم توجد من قبل   وكان عدم وجودها مجال فخر امريكي ،لكنها قامت وبشكل لاتختلف فيه عن نظيراتها في دول التخلف الاخرى حتى ولو سموها Home Land security .
ولم تجد سياسة القوة الصلبة نفعا لا في الداخل ولا في الخارج،ففي الداخل تحولت تلك السياسة لمظاهرأمنية قاسية يمكن مشاهدتها في  المطارات ،والى وبال على الطلبة العرب خاصةحيث تبلغ جامعاتهم مجبرة وكالة الامن الحديثة تلك عن غيابهم عن المحاضرات اذا تعدت خمسة ايام فتطاردهم الشرطة ثم يتم تسفيرهم مخفورين الى بلدانهم ،أما في السياسة الخارجية فقد تحولت نزهة بوش العراقية الى كابوس دام ومازال مستمرا منذ 2003م ، ولعل اكبر دليل على دموية هذه الفترة تسربها الى العقل الباطن الاميركي من خلال توثيق التجربة العراقية بالافلام السينمائية الكثيرة بشكل لم يسبق له مثيل منذ حرب فيتنام . على صعيد أخر تحولت التجربة الافغانية الى تناقضات يصعب تصديقها،وتراوحت بين تغييبر الكثير من الجنرالات الميدانيين بتهمة التقصير ،الى  جدل مرير مع حلفائهم الاوربيين في قوات التحالف مراوحا ذلك الجدل بين قلة جنود حلف الاطلسي الى قلة الطائرات،لتصل التناقضات الى اقصى مداها في جلوس الاميركان مع فصائل من قوات طالبان، بل وتغلغل فصائل طالبانية اخرى الى  داخل باكستان .
لقدانقضت فترة سياسة القوة الصلبة بانقضاء فترة رئاسة جور بوش،وجاء الى البيت الابيض براك أوباما ،فلوح لنا بعهد جديد يتم التعامل من خلاله مع العالم بسياسة القوة الناعمة  Soft power والدبلوماسية القادرة على تحريك  اكبرالمعاضل ،فحيا المسلمين ومد يده للايرانيين وانحنى امام الملك عبدالله بن عبد العزيز ،بل انه التفت مكشرا عن انيابه في وجه الاسرائيليين قائلا( لامزيد من المستوطنات الجديدة ).واكتشف سيد الابيض ان ما يقوم به لازال عمل من اعمال الحملات الانتخابية،وهي مرحلة لم يستطع الخروج منها حتى الان فما زال يبتسم ويحيي الجماهير ويخطب في السياسة الخارجية بنفس الاسلوب وهو اسلوب الوعود بدل التنفيذ، وهذا ما شجع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد على وصفه بالرئيس الضعيف ، سواء قال ذلك لتحقيره ام لتحفيزه للقيام بشئ مغاير لسلفه.
ردة فعل إدارة اوباما كانت في ضرورة تبني سياسة جديدة ثالثة بعد فشل الصلبة والناعمة وقد سمتها وزيرة خارجيته هيلاري كلنتون بالقوة الذكية Smart Power  وإن كان هناك من يعتبرها أمتداد للسياسة الناعمة . وقد ترجمت واشنطن تلك السياسة بإعلان الولايات المتحدة التخلي عن مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا ، و عزمها  كبديل عنه على نشر صواريخ من طراز (ايغيس) مضادة للصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في بولندا والجمهورية التشيكية . وفي معرض تبريرها لقرار وقف خطط جورج بوش قال الأمريكيون إن تقييما جديدا للمخابرات بأن إيران لن تنتج أسلحة نووية قبل فترة تتراوح بين أربعة وخمسة أعوام دعم قرار الرئيس باراك أوباما بوقف نظام الدرع الصاروخية في أوروبا.
القوة الذكية المتبعة حاليا تشير الى صفقة  بين موسكو وواشنطن تقوم الأخيرة بموجبها بالتخلي عن  مشروع الصواريخ نظير التخلي عن دعم إيران في مجلس الأمن الذي من المقرر أن يفرض حزمة جديدة من العقوبات على طهران إذا لم تستجب للمطالب والحوافز الغربية الجديدة .
لكن ماذا لو تمسك رجل ايران القوى بعناده، خصوصا انه يذهب الى نيويورك وهو مدعوم بنصره في سحق صبية  المعارض حسين موسوي في  شوارع طهران ؟
الجواب هو في (نفق الامة )الاسرائيلي  الذي يتم حفره  أسفل تلال القدس الغربية،وهو عبارة عن شبكة تحت الارض ليحتمي فيها الزعماء الاسرائيليون في حالة نشوب حرب نووية .فقد تخلت اسرائيل  مجبرةعن استراتيجية  حرمان أعدائها من امتلاك قنبلة نووية بأي ثمن لانها لم تعد قادرة على حفظ اليمين الذي اقسمته لشعبها .
بيع روسيا لحليفتها جمهورية ايران الاسلامية بثمن الصواريخ الاميركية في اوروبا الشرقية يدعونا للتساؤل حول جدوى الاحلاف الاستراتيجية في زمن تقلبات السياسة الاميركية التي قيل انها قد تتغير حيال الجميع إلا اسرائيل ،فمالذي دفع الصهاينة الى حفر جحورهم غير عدم الثقة بسيد البيت الابيض الجديد .وهي قلة الثقة التي جعلتني انزع حذائي في مطار نيويورك على متوجسا أن يطلب مني نزع مابقى من ملابسي في زمن القوة الذكية .
 

د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج-سان فرانسيسكو

تعليقات

اكتب تعليقك