نايف صقر يستدعي الماضي وعلي بن حمري يشتبك مع شاهر الشرهان في "لقاء بلا موعد"

الأدب الشعبي

رجا القحطاني 5244 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني

- تماثل الصور الشعرية-

لم يبالغ عنترة العبسي في قوله"هل غادر الشعراء من متردم" ،فهي عبارة مؤداها لم يترك الشعراء على تعاقب الأزمنة معنى أو رؤية أو وصفاً إلا ونسجوه في قصائدهم بأزياء تعبيرية متعددة.
ويُلاحظ حدوث التشابه شكلاً ومضموناً في نصوص الشعراء، إما في جملة أو مجموعة مفردات، إلا أن مايدعو إلى التأمل وشئ من الاستغراب تطابق الصور الشعرية دلالات وألفاظاً، وكأن كلا الشاعريْن واصل الإبحار ذهنيًّا  في رحلة الكتابة حتى جمعهما "لقاء بلا موعد" في عبارة أو كلمات محدودة ، مايوصف بتوارد الخواطر أو وقع الحافر على الحافر ، ومن هنا يتبلور هذا الموضوع "لقاء بلا موعد".

- بين بن حمري والشرهان-
في إحدى قصائده التي شكلت انعطافاً هاماً في اتساع شهرته يقول الشاعر علي بن حمري:
"ظما ظما" ياعوده الراوي وانا ميّت ظما
ان مارحمت وفي يديك الما فلا انت بآدمي

وعلى خط آخر وفي زمنية مقاربة يقول الشاعر شاهر الشرهان:
"ظما ظما" لو غرقت بعينها ماارتويت
كذّبت صدق اتجاهي ما حصل لي كفىَ

ولأن الشاعرين بن حمري والشرهان واصلا الظهور في جهات النشر ويعلم كل منهما بمكانة الآخر فمن المستبعد أن يتعمد أحدهما الأخذ من الآخر ، رغم تلازم المفردتين "ظما-ظما" واستهلال كل بيت بهما، ولانعلم أيّ قصيدة كُتبت قبل الأخرى ، فهل نعتبرها مصادفة محضة أي لقاء بلا موعد،أم نلجأ إلى ديكارت في نظرية الشك وتطول الحكاية!.

-بين صقر وبن شليّة-
بينما اعتقد الكثيرون أن الشاعر نايف صقر ابتكر معنى في قصيدة له مشهورة حينما قال:
"ياذيب عيّد" على قلبه وفج نْحره
كانه رغا عقب هدراته وشمّ الحماد

يطلّ علينا من شرفات الماضي البعيد شاعر اسمه زويّد بن شليّة المطيري ليثبت أسبقيته في قصيدة يفاخر فيها بجماعته"الدياحين" من مطير بعد أن هزموا إحدى السرايا التركية في معركة سُميّت "الحشورية" إذ يقول:
"ياذيب عيّد" في الأباهر إلى الحول
وليا ظميت اشرب من الحشوريّه

ومعناه هذا يوم بمثابة عيد للذئاب لكثرة قتلى المعركة.
قد يكون هذا التصوير المبالغ فيه "ياذيب عيّد" مستخدماً في نطاق ضيق بين الشعراء القدماء في وصف المعارك، ومايسقط فيها من قتلى ، لكن كيف يمكننا اكتشاف ذلك لو لم نفعّل المقارنة بين القديم والمعاصر ، علماً بأن بيت نايف صقر يحمل عمقاً ايحائيًّا رغم قسوته اللفظية، في حين تأتي قصيدة زويد بن شليّة في إطار وصفي مباشر- الأول اختار العمق ، والثاني اعتمد الصدق.
والسؤال هل كانت الجملة "ياذيب عيّد" ماثلة في ذاكرة نايف قبل توظيفها شعريًّا، وان كانت كذلك فلِمَ لم توضع بين هلالين عند النشر؟!

تعليقات

اكتب تعليقك