أ. د عبداللطيف بن نخي: شرف المحاولة

زاوية الكتاب

كتب د. عبد اللطيف بن نخي 3829 مشاهدات 0


الاجتماع النيابي التنسيقي الموسّع المزمع انعقاده في يوم الأحد المقبل مستحق وإيجابي من حيث المبدأ والفكرة، ولكنه في الوقت ذاته خطير ومقلق لأنه من المرجّح أن ينتهي بإقرار أولويات تشريعية تنتهك صراحة وضمناً الثوابت الدستورية «العليا»، كمبادئ الحرية «المحصّنة» التي وفقاً للمادة (175) من الدستور لا يجوز تنقيح أحكامها المنصوص عليها في الدستور إلا بالمزيد من ضمانات الحرية.
القلق على نطاق الحريّات نابع من كون هذا المجلس أقرب إلى أن يسمى بمجلس النائب محمد هايف، ليس فقط لأن الاجتماع التنسيقي الأول الأهم لهذا المجلس عُقد في ديوانه، بل لدوره المحوري في رسم الخارطة التشريعية التوافقية بين مجلسي الوزراء والأمة.
في المجلس الحالي، يتمتّع النائب محمد هايف بعلاقة مميّزة مع الحكومة، وبموجبها نجح بسهولة في إلزام جامعة الكويت بالإلغاء الفوري للشُّعب الدراسية المختلطة قُبيل بدء الدراسة، من دون تأجيل إلى الفصل الدراسي المقبل، ومن دون مراعاة لتبعات الإلغاء الفوري على الطلبة وإدارة الجامعة، ومن دون معارضة نيابية معتبرة مؤثّرة. كما أنه نجح بسهولة – بمعيّة زملائه النوّاب من مختلف التوجهات السياسية – في إضافة مبدأ مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية في جميع القوانين الشاملة التي أقرّت في دور الانعقاد السابق الأول.
بشكل عام، المجلس الحالي مُشكّل من نوّاب إسلاميين متشدّدين كثر، مندفعين كالطوفان نحو تضييق حدود الحريّات؛ ويقابلهم نوّاب يطالبون بتنقيح القوانين السارية المُقيّدة للحريات وتشريع قوانين تُوسّع نطاق الحريّات، ولكنهم مسالمون نيابياً في ملفات الحريات تحديداً؛ وبين هاتين المجموعتين نوّاب مُزدوجون في ملف الحريّات، ومن بينهم النوّاب المطالبون بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا الرأي، ولكنهم في الوقت ذاته مؤيّدون ومشاركون في تنفيذ «وثيقة القيم»!
باختصار، نوّاب المجلس الحالي غير المتوافقين مع توجّهات النائب محمد هايف، إمّا أنهم متهاونون أو عاجزون عن التصدّي لها، أو أنهم لجأوا إلى تبنيها بذرائع محمودة وهمية لإبراء ذممهم السياسية أمام جماهيرهم، من دون مراعاة لما ترتّب على هذا التبنّي من نقض ونكث لليمين الدستورية.
الأخطر والأكثر إقلاقاً من تشكيلة المجلس الحالي، هو الفساد الفكري والتضليل الإعلامي المستشريان في البيئة والثقافة النيابيّتين العامّتين. ومن أبرز شواهدهما هو رفض المبادرات البنّاءة التي قدّمها أحد النوّاب بدعوى أنه تجاهلها في مجالس سابقة، وفي الوقت ذاته تَقبّل وتأييد واسع لمشاريع مُقدّمة من نوّاب معادين للحريّات، بتجاهل تام لسجلّاتهم النيابية والسياسية، بدعوى أن هذه المشاريع مُعززة للقيم الأخلاقية.
الشواهد على استشراء الفساد والتضليل الفكري والإعلامي كثيرة، ولكنني سأكتفي بالإشارة إلى اثنين فقط من المرتبطة بلقاء حواري مرئي مع الروائية بثينة العيسى حول كتابها المعنون «شرف المحاولة: معاركنا الصغيرة ضد الرقابة».
الشاهد الأوّل هو قلّة عدد مشاهدي اللقاء عبر منصة «يوتيوب»، حيث لم يتجاوز عددهم 2500 مشاهد خلال أسبوع من تاريخ نشره، بالرغم من القيمة الفكرية لمحاور اللقاء والقيمة السياسية لملف الحريات منذ حراك الربيع العربي.
الشاهد الثاني هو ما ذكرته العيسى في كتابها وفي اللقاء في شأن مشروع «راقب 50» المعني بمراقبة أداء النوّاب وتقييم مواقفهم من الحريّات، من خلال متابعة تصريحاتهم وأنشطتهم النيابية الرسمية، منذ أواخر مجلس 2013. هذا الفريق «النخبة في ملف الحريّات» لم يرصد السؤال البرلماني المهم، في شأن الكتب التي منعتها لجنة الرقابة التابعة لوزارة الاعلام، الذي وجّهه النائب السابق خالد الشطي في بداية مجلس 2016. وكغيرهم، اطلعوا عليه أول مرّة من خلال خبر صحافي حول وصول الإجابة عنه في 12 كرتوناً.
المراد أنه بالرغم من التعاون اللاحق المثمر بين الفريق والشطي، إلا أن مؤشرات الأداء النيابي لم تكشف للفريق النخبوي خطوات الشطي الداعمة للحريّات. فحسب وصف العيسى، الشطي كان خارج «رادار» الفريق، والفريق تفاجأ بـ «المعجزة»...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.

تعليقات

اكتب تعليقك