ورحل عبدالسلام كامل.. المسكون بحب اللغة العربية
فن وثقافةالآن أكتوبر 10, 2023, 7:23 م 1978 مشاهدات 0
بقلم :أسامة تاج السر
في العام 2002م، ونحن بعد بالجامعة، في السنوات الأولى، أقيمت أمسية شعرية بداخلية طلاب جامعة الخرطوم، مجمع الوسط، شاعران جميلان: عبدالسلام كامل، ومحمد حمدالنيل.
وكان أن طلبا الاستماع إلى من يكتب من الطلاب، فقدّمني الأصدقاء. فانتحى بي جانبًا، وقال لي: أخطأت ٣ مرات، في كذا، وكذا، وكذا، ولكنك شاعر.
التقينا بعدها في العام 2011م، في أمسية شعرية، كان من جمهورها، فحين نزلت من المنصة جاء محيّيًا، وقال لي: في قولك:
فإذا.....
فارسلْ الطرفَ
أحد خطأين: الأول عروضي، إذ وصلت همزة القطع، لأن الفعل (أرسل)، ولك أن تجعله كذلك، ولكنّك ستقع في خطأ نحويٍّ؛ لأنّ جواب الشرط في هذا الموضع واجب الاقتران بالفاء.
وحسنًا فعلت إذ اخترت أن تأتي ناحية الضرورة عوضًا عن النحو، فالنحو مقدس، وإياك أن تخالفه.
ضحكت، وقلت له ممازحًا: أنا أخطأت خطأ واحدًا وأعترف بذلك، ولكنك ألم تسمع كثرة الأخطاء في المنصة؟
_ تتذكر لما كنت طالب، وقرأت معنا في ليلة شعرية، قبل ٨ أعوام؟
_ وكيف لي أن أنسى ذلك اليوم؟
_ متذكر لما غلطت ٣ مرات؟
_ متذكر، وبحاول دائمًا، من يومها، أن أجتنب الخطأ.
_ لولا حداثة سنك في ذلك الوقت، لما نبهتك، ولما استمتعت إليك.
_ لماذا؟
_ أنا حين أستمع إلى شاعر، أعقد بأصابعي أخطاءه، فإذا بلغت ثلاثًا، أعرضت عن السماع إليه.
كان عبدالسلام كامل سادنًا من سدنة النحو العربي، يحب اللغة الجزلة الرصينة، والشعر عنده ما وافق نهج الخليل، لا يحيد عنه إلى سواه، قصيدة التفعيلة معصية، بينما قصيدة النثر كفر. والقصيدة الخليلية نفسها، لا بد أن تكون وفق ضوابط الشعر القديم.
في أمسية ببيت الشعر الخرطوم، امتزجت عصور الشعر كلها في أربعة شعراء، الفرق بين أكبرهم وأصغرهم 20 عامًا: عبدالسلام كامل، ويمثل القصيدة المحافظة.
محمد الفاتح ميرغني، ويمثل القصيدة المحافظة، ولكنّه أقرب من عبدالسلام إلى منطقة التفعيلة ذات الانزياحات التركيبية، والتصويرية، دون مفارقة الجزالة في اللفظ والمعنى.
بينما كان الحسن عبد العزيز، يمثل قصيدة التفعيلة بكل أبعادها الجمالية، وانزياحات الوزن، والتركيب، والصورة، وهو أقرب إلى قصيدة النثر منه إلى القصيدة الخليلية.
وآخر الشعراء كان حاتم الكناني، الذي يمثل كل هذه المدارس، مع ميل خاص إلى قصيدة النثر.
كنت أجلس خلف أستاذي عبدالسلام كامل مباشرة، وهمست في أذنه: أريدك اليوم، ولمرة واحدة فقط، أن تترك أصابعك بعيدًا، وأن تنسى مودتك للغة، وأن تنظر إلى الشعر بعيدًا عن سلطة اللفظ، أريدك أن تنظر إلى اللغة بوصفها: صورة، وتركيبًا، ومجازًا، ومعنى، أن ننظر إلى النحو في معناه العميق، تقديمًا وتأخيرًا وصياغة وحذفًا، لا رفعًا ونصبًا وجرًّا وجزمًا.
قال لي: على الرغم من صعوبة ما تطلب، ولكنّي سأحاول.
كان يستمع برهافة حس، ويعدّد محاسن الحسن عبد العزيز، وجمال ما يكتب، (فقط إذا فعل كذا، أو لم يفعل كذا).
قلت له: إنما طلبت منك ما طلبت لأجل حاتم، قال: تراكيبه، ولغته، وعباراته، فصيحة سليمة مصقولة، ولكنك تعرف الشعر عندي، أما نثره فجميل، في باب النثر. وأما تفعيلته فجميلة في باب الشعر. ولو كتب القصيدة الخليلية... قلت مقاطعًا: إنما بها ابتدأ، ولكنه الآن تجاوزها إلى براح جديد.
الا رحم الله أستاذي عبد السلام كامل، وأحسن نزله، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وجعله من أصحاب اليمين. فإني أحمد للرجل غيرته على ما يحب! وقد كان محبًّا لدينه، ولغته، وشعره!!
إنا لله وإنا إليه راجعون.
تعليقات