شرح قصيدة (أسئلة سقف الليل) للشاعرة عائشة السيفي.. بقلم د. أحمد كُريّم بلال

فن وثقافة

الآن 2092 مشاهدات 0


أثارت هذه القصيدة كثيرًا من الجدل ما بين مؤيد ومعارض، وقد تابعتُ كثيرًا من الكتابات التي دارت في جُلّها حول تهافت تلك القصيدة وتفككها وتغييبها للمعنى ...إلخ، ومن وجهة نظري هي قصيدة جيدة؛ ليست رديئةً، ولا مفككةً، إنها قصيدة (كثيفة) على عادة الشعر الحديث، ولذا أثارت (كما يثير هذا النوع من الشعر) ردود أفعال متباينة ومتناقضة للغاية.
وأرى فكرة الشرح (مع أن تيارت النقد الأدبي الحديث ترفضها) هي الأحرى بهذا المقام تحديدًا، وفكرة (شرح الشعر) هي فكرة تراثية عتيقة لها أصول راسخة، وأنا مؤمن جدًا بشرح الشعر، مع ما تلاقيه هذه الفكرة من رفض ونكران من جمهور النقاد. وكنت (منذ زمن) قد قدمت شرحًا لقصيدة: (بوابة الريح والنخيل) للشاعر السعودي محمد الثبيتي، ووجدتها وقد لاقت قبولاً حسنًا بين جمهور المتابعين، ومن ثمَّ أقدم شرحًا لهذه القصيدة التي أصبحت موضع جدل وحوار.
(رؤية كلية)
موضوع القصيدة: (قدرة الشاعر على تغيير العالم) لأنه يصنع عالمـًا آخر من خيال، واستبطان الذات الشاعرة التي يكون في وسعها أن تبدع قصيدةً لا تشابه قصائد الآخرين.
وتدور القصيدة في محورين: (أولهما محور التعبير عن التجربة الإبداعية) من خلال (حديث الشعر عن الشعر)، ثم (محور الوجع القومي)، في وطن سليب مُستبّدٍ به، (وأحسب الشاعرة تعبر عن الوطن العربي في جملته).
وتلتحم الدائرة بين المحورين في نهاية القصيدة، عندما تَفِرّ الشاعرة من وجيعة الفقد والاستبداد إلى قصيدتها؛ لتأنس بها، وتستظل بدوحتها من هجير العالم الواقعي.  
(1) وما حاجتي للبكاء الطويلِ إذا كنتُ سيدةً من غناء

الغناء استعارة تعبر عن (الشعر)، وطالما وصف الشعراء أنفسهم بكونهم مغنين، وطالما وصِفَت القصيدةُ بكونها أغنيةً، ونحن نعلم أن الشعراء الرومانسيين قد جعلوا (الحزن) جسرَ الولوج إلى القصيدة، فالحزن هو باعث إبداع الشعر الصادق عندهم؛ لكن الشاعرة ليست محتاجةً إلى (البكاء الطويل)؛ لأنها على كل حال سيدة (الغناء/ الشعر)، وهو: (أي الشعر) أطوعُ لها من أن تستجديه بالبكاء الطويل، وهي هنا تضع الشعر في موضع التناقض مع الحزن، فالشعر عندها باعث للابتهاج والسعادة، وليس مدخلاً للأحزان!
(2) وما حاجتي إن غدا البحر أرجوحتي وسريري السماء

الشاعرة تعتد اعتدادًا كبيرًا بسموقها الشعري، وما زالت (في هذا البيت) تتابع إعلان استغنائها عن (البكاء الطويل) الذي تُستجدى به القصائد؛ فالبحر (وهو استعارة تعبر عن الطاقة الشعرية الزاخرة) أرجوحة لها، ولعلها شبهته بالأرجوحة لتَجَانُسِ اضطراب موجاته مع حركة الأرجوحة المضطربة، وهذا الاضطراب هو تتابع الدفقات الشعريّة المتوالية الماتعة التي تنعش حواسها وكأنها أرجوحة، وعند استيفاء القصيدة تتبوأ مكانتها العليّة، فتصبح ساكنةً في السماء، والسماء تدل بدايةً على المكانة العالية، وقد شُبّهت بسريرٍ لتدلَ على القرب والاعتياد والسكينة والهدوء، فهي ترى إيفاد الشعر لها نحو سماء المجد أمرًا معتادًا أليفًا.  
(3) وما حاجتي للمرايا إذا أودعتني وجوهَ جميعِ النساء.

تعبر الشاعرة في هذا البيت الثالث عن نمط من أنماط التفرد الشعريّ الخاص بها، الذي تراه دالاً على فرادتها وتميزها، فالشعر عند (الشعراء التقليديين) مرايا تعكس الواقع، تعكس صورًا أليفةً معتادةً، وهي مستغنية عن تلك المرايا لأنها تبحث عن (القصيدة/ الأنثى) التي لا يُرَى في ملامح وجهها مثيلات لها من جميع النساء، إنها تبحث عن القصيدة الفريدة التي تعجز المرايا عن إظهار صفحة وجهها؛ لأنها لا تماثل الأخريات.
(4) وما حاجتي للنجومِ إذا كنت أقطفها بيديَّ وألقي بها في الهواء

إنها لا تبحث بقصيدتها الفريدة عن المجد، فهي تسكن سماء المجد بالفعل، إنها لا تسعى لأن تكون نجمًا، هي زاهدة في تلك المكانة التي ترى نفسها أسمى من ذلك كله؛ إنها تقطف النجوم بيديها، ثم تطوّح بها في الهواء، وإذا اعتبرنا (النجوم) هنا استعارة تعبر عن كبار الشعراء؛ فلا بأس من اعتبار البيت مفاخرةً تعلن من خلالها استعلاء قصيدتها، وسموها على منافسيها.  
(5) وما حاجتي للكلامِ وقد عبّأ الله في دمعةٍ كربلاء

إنها تستبطن قصيدتها، وتعلن عن منهجها الشعري الفريد، تريد الشاعرة أن تقول: إن جوهر قصيدتها الجديدة الفريدة المتميزة هو: (التكثيف)، والتكثيف هو الاكتناز بالمعاني، وتداعي المضامين مع قلة اللفظ، وهي تستدل على ذلك بمحاجّةٍ شعريّة فنيّة بديعة، وتمثل لهذا الأمر باختزال فريد للغاية؛ فملحمة (كربلاء) بقضها وقضيضها وتداعياتها وأوجاعها وآمالها وآلامها ...إلخ يمكن أن تُختزَل في (دمعة) واحدة!
(6) وما حاجتي في المساء لحضن من الطين إن كنت أحمل حضني معي مثلما تحمل الريحُ لي ضحك الأصدقاء

ليست الشاعرة في حاجة إلى حضن آدمي يحتويها (الطين مجاز عن الإنسان)، فهي قادرة على احتضان ذاتها، ولها ما يسوغ ذلك من شعرها وإبداعها، فأبداعها الشعري هو الملاذ الذي تحتضن به ذاتها بذاتها. أما تشبيه (احتضانها لذاتها) بـما (تحمله الريح من ضحك الأصدقاء) فوجه المشابهة إنما يقع في (الاستئناس بالبعيد حتى يكون قريبًا)، ولعل في ذلك إشارةً مضمرةً إلى بعض ألوان المكابدة الشعرية، فقد تكون القصيدة بعيدةً تحتاج إلى كد واجتهاد ومعاناة للاستحواذ عليها، مع أنها قارّةٌ في قلب الشاعرة تستأنس بها، وتحتضنها احتضان ذاتها لذاتها، وكذا ضحكات الأصدقاء المطويين في حبَّات القلوب، تحملها الريح من بعيد، فتحمل الأنس والطمأنينة.  
(7) وما حاجتي للحقيقةِ إن كنتُ أنحتها بيديّ كما أشتهي تارةً تلو أخرى؛ فلي من مآربها ما أشاء

هي مستغنية عن (الحقيقة)؛ لأنها – كما ذكرنا – تصنع عالمها الخاص من (خيال محض)، لكن ذلك العالم الخيالي يبدأ من (الحقيقة)، فالخيال لا يُبتدَع ابتداعًا من المجهول المطلق؛ وإنما يبدأ من (الحقيقة) التي يُعاد تكوينها وتأليفها على نحو جديد لم يعتد البشر أن يروه أو يألفوه على هذا النحو غير المعهود، فالخيال يبدأ من الواقع، ثم يعيد تشكيل الواقع وفق رؤية جديدة غرائبية لا مثيل لها، ولذا تقول الشاعرة إنها مستغنية عن (الحقيقة) في صورتها الخالصة؛ لأنها تُعيد (وهي تصنع قصيدتها) تعيد نحتها على نحو جديد غير معهود ولا مألوف، تصنعها كما تشتهي، ولها من مآربها ما تشاء!
(8) يدٌ غضة تفرك الغيم، قطٌ يطير برجلين، بحرٌ على تلّة يجلس القرفصاء

وهذا البيت الذي أربك الناس، ونزعوه من سياقه، واستشهدوا به على أن الشاعرة إنما تقول مجرد عبث فوضوي، وإنما البيتُ وليد السياق، وإنما هو ابن البيت الذي يسبقه، فهي قالت في بيتها السابق: إنها غير محتاجة إلى الحقيقة؛ لأنها تعيد تشكيلها كما تشاء، ووفق ما تحب، وعلى أي نحو تريد، وها هي تمثل – هنا في هذا البيت – لتلك الحقيقة التي تعيد تشكيلها وتحويرها كما تشاء، فتبدو يدها الغضة وهي تستمطر الشعر حين (تفرك الغيم)، فتتوالى الصور المدهشة الفريدة التي لا تماثل غيرها؛ والتي تستغني بها الشاعرة عن (الحقيقة المطلقة)، وكلها تبدأ من الواقع، ويعاد تشكيلها وفق ما شاءت الشاعرة فنرى (قطًا يطير بجناحين)، و(بحرًا على تلة يجلس القرفصاء)!
(9) وما حاجتي "لرخامٍ" إذا كنت زوجة هذا التراب وأمَّ الصحاري التي تنجبُ الأنبياء

تبدأ القصيدة من هذا البيت في المحور الثاني وهو محور الانتماء، وهنا تضع المفارقة بين صورتين:
- (الرخام) ويمكن اعتباره (مجازًا جزئيًّا عن القصور) ليدل على الحياة الرغدة الهانئة المنعّمة.
- (التراب والصحراء)، وهي (مجاز جزئيّ يدل على البادية والوطن).
والشاعرة تعلن استغناءها عن الحياة الرغدة المنعّمة إذا لم تكن تلك الحياة في ظل وطنها، وإن كان ترابًا وصحراء مجدبة، إنها تعلن انتماءها لتراب الوطن، واعتزازها بصحرائها التي أنجبت الأنبياء، وقد يكون هذا البيت إعلانًا ضمنيًّا مُضمرًا لانتمائها إلى التراث الذي تبدو قصيدتها وكأنما هي ناتئة عنه، وثائرة عليه!  
(10) وما حاجتي للخريطةِ مذ أخبرتني البلادُ بأن "النعوش" بلاد المدانين بالانتماء

قد يبدو هذا البيت (للوهلة الأولى) مناقضًا لسابقه، فهي تعلن في البيت السابق انتماءها لتراب الوطن، وهي – هنا –  تعلن استغناءها عن (الخريطة/ الوطن)، لأن الوطن يغتال أبناءه لمجرد انتمائهم، والتناقض الظاهري بين البيتين لا يدل على تحول الموقف؛ وإنما يدل على شيء من العتاب، فالاستغناء هنا أشبه شيء بقول الشنفرى: (أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم؛ فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لأمْيَلُ)، والأبيات التالية سوف تُفصّل بواعث تلك الملامة التي توحي – في ظاهرها – بالتدابر، وتدل في جوهرها على عميق الانتماء..
(11) وما حاجتي "للأنا" والهواء الذي في الرئاتِ لنا كلِّنا

لا ينبغي أن نفهم أن الشاعرة – هنا – بعد أن كرست في أبياتها السابقة لـ  (الأنا الشاعرة) المتضخمة العالية تبدأ في سحبها، فالأنا في هذا البيت إنما تعني (أنا) المستبدين، وهي هنا تتقمص شخصية المستبد لكي تقول له لستَ محتاجًا إلى (الأنانية)؛ لأن هواء الوطن مملوك للجميع. ولعل تقمص الذات المـُعاتَبَة أدل على (اتصال المنفصلين) بمد جسور التآخي؛ فالسياق يستدعي أن تقول: (وما حاجتك للأنا)، لكنها قالت: (وما حاجتي) للتدليل على وحدة الكيان، وهي تذكرني أيضًا ببيت الشنفرى سالف الذكر؛ إذ قال: (أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم)، والسياق يستدعي أن يكون هو الذي يقيم صدر مطيته؛ لأنه الراحل، لكنه يستبقي جسور وحدة الكيان مع قومه، فرحيله رحيلهم، ورحيلهم موجع، كما أن رحيله عنهم موجع!
(12) والسماء التي تسحبُ الشمسَ من وجنتيها لنا كلِّنا

مازالت تخاطب (المستبد)، وتقول: إن السماء التي تسحبُ أنتَ الشمس منها مملوكة للجميع، ولعلنا لاحظنا تكوين صورة الوطن المـُغْتَصَب في هذا البيت، وذلك الذي يسبقه  من عناصر الحياة: (الهواء/ الشمس)، فاستحواذ المستبد على هذه العناصر إنما هو سلب لحياة المقهورين.
(13) والتراب صديق القبور لنا كلنا والغروبُ ورائحة البحر والظلّ والظلمات لنا كلُّنا والفضاء

تُعَدّدُ الشاعرة عناصر الصورة التي يتكون منها الوطن المسلوب، (التراب، الغروب، رائحة البحر، الظل، الظلمات، الفضاء). ولعل من اللافت جدًا وصف التراب بكونه (صديق القبور)، وهي صورة بديعة؛ لأنها من ناحية تختزل صورة الوطن في التراب، وتجعلها لصيقةً بالإنسان؛ إذ ترافقه إلى قبره حين يموت فيغدو ترابًا من تراب الوطن، ومن ناحية أخرى تومئ إلى مصير الطغاة والمستبدين مهما استحوذوا على عناصر الحياة!
(14) وما حاجتي وأنا حين ينتصف "الليلْ" تَنْبُتُ أجنحة من موسيقى، وأصبحُ سيدةً من غناء.

وأخيرًا تكتمل الدائرة، دائرة الاستغناء والاستعاضة، الاستعاضة عن كل ماديات الحياة ومتاعبها ومواجعها بذلك العالم الخيالي البديع الذي تصوغه شعرًا عند انتصاف الليل (بما يدل عليه من قسوة وألم)، وتتداعى أبيات الشعر (أجنحةً من موسيقا)، وتصبح الشاعرة سيدة (الشعر/ الغناء). وهكذا يتغير العالم، ويتحول إلى عالم من الخيال، تصنعه كما تشاء.

تلة يجلس القرفصاء)!
(9) وما حاجتي "لرخامٍ" إذا كنت زوجة هذا التراب وأمَّ الصحاري التي تنجبُ الأنبياء
تبدأ القصيدة من هذا البيت في المحور الثاني وهو محور الانتماء، وهنا تضع المفارقة بين صورتين:
- (الرخام) ويمكن اعتباره (مجازًا جزئيًّا عن القصور) ليدل على الحياة الرغدة الهانئة المنعّمة.
- (التراب والصحراء)، وهي (مجاز جزئيّ يدل على البادية والوطن).
والشاعرة تعلن استغناءها عن الحياة الرغدة المنعّمة إذا لم تكن تلك الحياة في ظل وطنها، وإن كان ترابًا وصحراء مجدبة، إنها تعلن انتماءها لتراب الوطن، واعتزازها بصحرائها التي أنجبت الأنبياء، وقد يكون هذا البيت إعلانًا ضمنيًّا مُضمرًا لانتمائها إلى التراث الذي تبدو قصيدتها وكأنما هي ناتئة عنه، وثائرة عليه!  
(10) وما حاجتي للخريطةِ مذ أخبرتني البلادُ بأن "النعوش" بلاد المدانين بالانتماء
قد يبدو هذا البيت (للوهلة الأولى) مناقضًا لسابقه، فهي تعلن في البيت السابق انتماءها لتراب الوطن، وهي – هنا –  تعلن استغناءها عن (الخريطة/ الوطن)، لأن الوطن يغتال أبناءه لمجرد انتمائهم، والتناقض الظاهري بين البيتين لا يدل على تحول الموقف؛ وإنما يدل على شيء من العتاب، فالاستغناء هنا أشبه شيء بقول الشنفرى: (أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم؛ فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لأمْيَلُ)، والأبيات التالية سوف تُفصّل بواعث تلك الملامة التي توحي – في ظاهرها – بالتدابر، وتدل في جوهرها على عميق الانتماء..
(11) وما حاجتي "للأنا" والهواء الذي في الرئاتِ لنا كلِّنا
لا ينبغي أن نفهم أن الشاعرة – هنا – بعد أن كرست في أبياتها السابقة لـ  (الأنا الشاعرة) المتضخمة العالية تبدأ في سحبها، فالأنا في هذا البيت إنما تعني (أنا) المستبدين، وهي هنا تتقمص شخصية المستبد لكي تقول له لستَ محتاجًا إلى (الأنانية)؛ لأن هواء الوطن مملوك للجميع. ولعل تقمص الذات المـُعاتَبَة أدل على (اتصال المنفصلين) بمد جسور التآخي؛ فالسياق يستدعي أن تقول: (وما حاجتك للأنا)، لكنها قالت: (وما حاجتي) للتدليل على وحدة الكيان، وهي تذكرني أيضًا ببيت الشنفرى سالف الذكر؛ إذ قال: (أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم)، والسياق يستدعي أن يكون هو الذي يقيم صدر مطيته؛ لأنه الراحل، لكنه يستبقي جسور وحدة الكيان مع قومه، فرحيله رحيلهم، ورحيلهم موجع، كما أن رحيله عنهم موجع!
(12) والسماء التي تسحبُ الشمسَ من وجنتيها لنا كلِّنا
مازالت تخاطب (المستبد)، وتقول: إن السماء التي تسحبُ أنتَ الشمس منها مملوكة للجميع، ولعلنا لاحظنا تكوين صورة الوطن المـُغْتَصَب في هذا البيت، وذلك الذي يسبقه  من عناصر الحياة: (الهواء/ الشمس)، فاستحواذ المستبد على هذه العناصر إنما هو سلب لحياة المقهورين.
(13) والتراب صديق القبور لنا كلنا والغروبُ ورائحة البحر والظلّ والظلمات لنا كلُّنا والفضاء
تُعَدّدُ الشاعرة عناصر الصورة التي يتكون منها الوطن المسلوب، (التراب، الغروب، رائحة البحر، الظل، الظلمات، الفضاء). ولعل من اللافت جدًا وصف التراب بكونه (صديق القبور)، وهي صورة بديعة؛ لأنها من ناحية تختزل صورة الوطن في التراب، وتجعلها لصيقةً بالإنسان؛ إذ ترافقه إلى قبره حين يموت فيغدو ترابًا من تراب الوطن، ومن ناحية أخرى تومئ إلى مصير الطغاة والمستبدين مهما استحوذوا على عناصر الحياة!
(14) وما حاجتي وأنا حين ينتصف "الليلْ" تَنْبُتُ أجنحة من موسيقى، وأصبحُ سيدةً من غناء.
وأخيرًا تكتمل الدائرة، دائرة الاستغناء والاستعاضة، الاستعاضة عن كل ماديات الحياة ومتاعبها ومواجعها بذلك العالم الخيالي البديع الذي تصوغه شعرًا عند انتصاف الليل (بما يدل عليه من قسوة وألم)، وتتداعى أبيات الشعر (أجنحةً من موسيقا)، وتصبح الشاعرة سيدة (الشعر/ الغناء). وهكذا يتغير العالم، ويتحول إلى عالم من الخيال، تصنعه كما تشاء.

تعليقات

اكتب تعليقك