قراءة في نص"وحدهن الأمهات يعرفن" للشاعرة عائشة العبدالله.. رؤية الكاتب فهد الهندال

فن وثقافة

الآن 1434 مشاهدات 0


في نصها الأخير، تقدّم الشاعرة عائشة العبدالله، مزيجا من المشاعر الإنسانية التي جوهرها حب الأم، فقد التقطت مفردات الحياة اليومية لكل أم عاشقة لأبنائها تعلّمهم وجه الحياة الصادق النابع من الحب بعيدا عن السائد من الأفكار:

لا أظنّ أنّ أمّاً في العالمِ ستردّد مايقوله الرجال
‏‎بثقةٍ وسذاجة:
‏‎”الحب وحده لا يكفي“


قد يعتقد من يقرأ النص، أن هناك انتصارا لفكرة نسوية ضد أخرى ذكورية، ولكن يفوت على من يعتقد ذلك أن أصل الحياة حب أنثوي، يتجسد في أدوار الأم ومن يقوم مقامها:

جروحنا أكثر انفتاحاً ووضوحاً
لا نشيرُ إلى اللسعةِ، بل نعلنُ شراسةَ الألم، نقاط ضعفنا تمشي على قدمين،
ولذا نخافُ الشوك، والشارع، والعابرين.


ولعل الجملة السابقة هي المفتاح لكل النص، فاختصرت الفعل دون القول، والتشييد لفكرة الأمومة
التي لا تحتمل أي قناع أو استعراض:

صرنا نشبهُ أنفسنا تماماً..
‏‎لأننا نخافُ من بيتٍ يخبئ الأقنعة


فالأم الفعلية، ليست مستعدة للعب دور البطولة الاستعراضية، ميزانها الحسّاس في ذلك، ومع كل من حولها:

‏‎(الأمهات وحدهنّ..
‏‎يعرفن أن “تأنيب الضمير” هو التوأمُ
‏‎لأطفالهنّ.)


لذا ليست مستعدة لأية مباهاة غير شرف الأمومة مهما كانت متطلباتها، السهر الدائم على أطفالها في حالاتهم المختلفة، معينها في ذلك طرد كل ما قد يصعّب المهمة، بالاستئناس بوحدة مشاعر الأم في ظروفها المتعددة في وصف بليغ:

‏‎نشرب القهوة باردةً دون أن يصيبنا إحباط،
‏‎ننامُ على “الكنبة” رغم تقلّص عضلاتنا،
‏‎نحتفظُ بهالاتنا السوداء في علبٍ صغيرة،
‏‎ونقاوم بأقلامِ الحمرةِ ليالٍ جففتنا بالوحدة.


ومهما تكن المقاومة فلا أجمل ما يرسمه حب الأمومة حتى في العلاقة مع الآخرين والمجتمع:

‏‎وكيف تصير وجوهنا من أثر الحب
‏‎خرائط حقيقية.


ونتاج هذه الأمومة، ما ترسمه أحلام الطفولة داخلهم، ويعيد رسمها أطفالهن وما تحقق منها وهم أمهات، بعدما كنّ أطفال أمهاتهن، لتعود الشاعرة لأول نقطة الدائرة في النص كما هي الحياة:

‏‎صرنا أمهات..
‏‎ثم لم نعد نعرفُ كيف يكون الحبّ
‏‎في غير هذا السياق.


هذا الحب غير المشروط، والبعيد عن فجاجة الواقع والطفح الذي أصاب العالم، ليس منعكسا على عالم الأم، فأبناؤها سبب وجودها وبقائها:

‏‎وحدهنّ الأمهات..
‏‎ يعرفن الحبّ الخالص الذي لا تشوبهُ شروط،
‏‎الحب الذي يجعلهنّ يصفقن العالمَ
‏‎في وجهه
‏‎الحبّ الذي يجعلُ أطرافهنّ سلاحاً
وعيونهنّ رماحاً مصوّبة.


أجادت الشاعرة عائشة العبدالله في سكب هذه المشاعر المتدفقة بالحب في نفوس الجميع، وخصوصا من يعرف مثل هذا الحب المنتصر فوق كل شئ.

تعليقات

اكتب تعليقك