حسن العيسى: شرف المحاولة (3)

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 658 مشاهدات 0


كان استجواب وزير الإعلام السابق المرحوم الشيخ سعود الناصر عام 98 هو المسمار الأخير الذي دق في نعش حرية الضمير. في تلك السنة، وبعد عدة مقالات كتبناها نقداً للرقابة المسبقة، ألغى سعود الناصر، بقرار شجاع، الرقابة على كُتب المعرض الدولي للكتاب في تلك السنة. لم يدفع الوزير ذلك الوقت وحده الثمن بطرح الثقة به، بل دفعت العقلانية والحرية الثمن الرهيب، كنتيجة لاستجواب محكمة التفتيش الكويتية.

تذكر الروائية بثينة العيسى أن ردود الوزير على الاستجواب لم تكن شافية، وجاءت وفق نهج خطاب النواب المستجوبين، فلم يقل المرحوم سعود الناصر إن كتاب «نقد الخطاب الديني» لنصر حامد أبوزيد «... يقدم قراءة غير حرفية للدين، مثلما فعلت أكثر الفرق الإسلامية عبر التاريخ الإسلامي، وما لم يقله الناصر أيضاً أن حرية البحث العلمي مكفولة، مكفولة، مكفولة».

تمنت بثينة «... لو أن سعود الناصر ذكّر النواب الأفاضل بأن جلسات البرلمان بدلاً من أن تصب في محاكمة النيات، وانتزاع سطور من سياقها، يفترض أن تذهب إلى تعزيز سبل الرفاه والعدالة الاجتماعية وتلبية وعود التنمية».

بعد ذلك التاريخ تقرر بثينة أنه تمت تربيتنا وفق منطق الرقابة «وأصبحنا بعد عقدين تلك البلاد التي تقوم بترحيل الوافدين لمجرَّد انتقادهم إجراءات المطار، أو نشرهم مقاطع فيديو تعلِّق على عاصفة ترابية، وأصبح (وطنيونا) المتحمسون يدافعون عن الفشل والبيروقراطية ورداءة الطقس، فكل ما يمس البلاد من جمال وقُبح هو مقدَّس، حتى صِرنا نبرر مصادرة المواطنة من آخرين بحجة اختلاف اللهجة، وننكر حق الإنسان في العيش الكريم، لأنه (مو كويتي)».

وتذكر بثينة أنه تم سجن المرحوم الدكتور أحمد البغدادي عام 99 لمجرد مقابلة في صحيفة، وتمت إعادة د. نصر أبوزيد «شيخاً سبعينياً من مطار الكويت إلى القاهرة، خوفاً من تهديدات النواب الإسلاميين»، وخرجت أصوات نيابية عام 2014 تنادي بمنع دخول الموتى، كجلال الدين الرومي ومعروف الرصافي، إلى الكويت، وأصبح أحد هؤلاء النواب وزيراً للإعلام بيده سُلطة تقرير نوع الثقافة والفكر في دولة يا رب لا تغيّر علينا.

عبط الرقابة، أو بكلام أدق عبط سُلطة اتخاذ القرار بالدولة، ليس له حدود، على سبيل المثال رواية زوربا اليوناني مُنعت وأُجيزت ومُنعت وأُجيزت عدة مرات.

وسألت بثينة التي أضحت صاحبة مكتبة «تكوين»، وأصبحت عين الرقابة مسلطة على كل ما تعرضه هذه المكتبة الجريئة، موظفة في الرقابة عن سبب مراجعتها لكل طبعة تصدر من رواية لعبدالرحمن منيف، فأجابت الموظفة أنه ربما يغيِّر المؤلف رأيه بين كل طبعة وأخرى، رغم أن الروائي عبدالرحمن منيف تُوفي قبل 12 عاماً! ثم هناك كُتب أُجيزت، ثم مُنعت، مثل رواية ماركيز «مائة عام من العزلة»... ويا أمة ضحكت من جهلها الأمم. دولة ثقافة متقدمة وفكر وقانون تجريديين ومؤسسات محايدة... نعم... صحيح «بلي».

تعليقات

اكتب تعليقك