في عالم التدريس.. كانت لنا أيام “13” بقلم أ . د محمد حسان الطيان

فن وثقافة

الآن 921 مشاهدات 0


بيغ رامي بطل العالم في كمال الأجسام

مستر أولمبيا 2020

وتقولون ما علاقة بطل العالم بيغ رامي بعالم التدريس عندك؟!

فأقول إن عالم التدريس عندي لم يقتصر على المدارس والمعاهد والجامعات، بل تعدَّاها إلى المساجد والبيوت والديوانيات، وما أراني مبالغا إذا قلت إني أعيش التدريس في كل لحظة من حياتي، وليس أهل بيتي في نجوةٍ من هذا! فكثيرا ما يكون تعليقي على أمر من أمور البيت أو المعيشة بلغة وسط بين العامية والفصيحة، بل إن الأمر إذا احتدم فالفصحى هي السائدة، وإذا ما سمعها الأهل مني علموا أن الأمر جدٌّ لا هزل فيه، وعزمٌ لا رخصة فيه!

وقد ذكرتني ابنتي منذ أيام بتعليق صديقة لها سمعتني أكلمها في السيارة - وكانت معنا فيها – فقالت مستحسنة ما سمعت: أهكذا يكلمك أبوك؟ نيَّالك!! وأحمد الله أنها كانت من عشاق العربية!

وقد كانت ابنتي دعاء وقبلها عمار وبعدها أوس وعبادة  – رضي الله عنهم - ممن نالوا قسطًا لا بأس به من تجربتي في تربية الطفل على سماع العربية غضةً طريةً ينشأ عليها ويكتسبها بالفطرة والسليقة، على نحو ما بينَّـته في مقال لي يحمل عنوان:"نحو الفطرة ونحو الفطنة".

ما علينا...

كنت أقول إن عالم التدريس عندي شمل المساجد فيما شمل، ولهذا تاريخ طويل يعود لنشأتي الأولى في مسجد السادات بدمشق الشام، بيدَ أني سأتجاوز كثيرا من المراحل لأصل إلى مرحلة ما زلت أحيا فيها، إذ إني أنعم كل يوم بعد صلاة الفجر في مسجد الهاجري بالجابرية بالجلوس في مقرأة قرآنية يقرأ فيها كل جليس صفحة من القرآن، ولا بد أن يكون لي خلالها تعليق يتناول قضية من قضايا لغة القرآن تجويدًا أو تفسيرًا أو نحوًا أو صرفًا أو بلاغة، وقد نشأ عن ذلك تسجيلي لأكثر من مئة وسبعين مقطعا في لغة القرآن وبلاغته، ولله الحمد على ما وفق وأعان.

ومن عادتنا أن نطيل الجلسة في رمضان فنقرأ كل يوم جزءًا، ويطول معها التعليق فتمتد الجلسة إلى ما بعد طلوع الشمس، وقد فوجئنا منذ أكثر من عامين أي في رمضان عام 1439ه= 2018م بضيفٍ ضخمٍ بل عملاقٍ يحلُّ في حلقتنا، كنت ألمحه في كثير من الأحيان يصلي في المسجد، إنه بيغ رامي بطل من أبطال العالم في رياضة كمال الأجسام، وقد رحبنا به، وأخذ مكانه من المقرأة، وبتُّ أترقب قراءته متوقِّعا أن أجد عَنَتًا في تصحيحها، لما أراه من بُعدٍ بين ما فرَّغ له نفسَه، وبين تجويد القراءة، فإذا الحال يأتي عكسَ ما كنت أتوجَّس، إذ قرأ قراءةً جيدة تلمُّ بكثير من قواعد التجويد والأداء، لم أحتجْ أن أردَّه فيها إلا ردًّا يسيرًا، أدخل على قلبي السعادة والسرور، وأعاد إلى ذاكرتي بطل العالم السوري قاسم يزبك (أبو عبده) الذي كان يقرأ في حلقة خالي المقرئ الحافظ الدكتور الصيدلي عبد الهادي مسوتي رحمه الله، ويحفظ من القرآن أكثره إن لم يكن قد أتمَّـه!.

وبقي بيغ رامي – وهذا لقبه واسمه ممدوح محمد حسن السبيعي- أكثرَ الشهر مواظبًا على حلقتنا، وتكشفت لنا خلالَ ذلك جوانبُ من أخلاقه ونبله وحيائه، ومودته ونقائه، ولا تسلْ عن شدة خجله وحيائه من موقفٍ حصل معه، إذ كُسر المقعد الذي كان يجلس عليه، فاحمرَّ وجهه خجلًا، وانبرى أحد الإخوة الأفاضل يبحث عن كرسي مناسب له، يحتمل هذا الوزن الثقيل ذا الحياء الجميل، وغدا يضعه له يوميا ليجلس عليه خشية أن يأتي على كل المقاعد التي في المقرأة!

وقد تأخرت عن المقرأة مرة فلما التحقتُ بها تنفَّس أخونا الحبيب الشيخ حسين الصعَداء وهو يضحك قائلا: خشيتُ أن أردَّه فيزعل مني! 

أكتب هذا الكلام لأؤكد أن عالم البطولة والنجومية والرياضة والفن لا يقتضي أبدا الانسلاخ عن الدين كما قد يظن البعض، فما أكثر النجوم الذين حافظوا على أخلاقهم ودينهم والتزامهم، وما محمد صلاح ومحمد علي كلاي وحبيب نور محمدوف منا ببعيد!

وما زلت أذكر أنني حين مارست هذه الرياضة في مطلع شبابي في نادي بوظان الرياضي بدمشق، فوجئت بوجود رجلٍ من أكثر المصلين حرصًا على صلاة الفجر خلف إمامنا الشيخ بشير الشلاح، وهو محمد اصطيف أبو عدنان، وهو يحتلُّ المكانة الأولى في النادي، وكان إذا ما وصل إلى تمرين الصدر جمع معظم حديد النادي ليرفعه، ووقف الجميع يرقبونه، ووقف فوق رأسه مدرِّبُ النادي وصانعُ أبطالِالعالم حلمي بوظان رحمه الله احترازًا من أي طارئ، وقد حدثني أخي الأستاذ رضوان الطيان منذ أيام أنه ما زال مواظبًا على صلاة الفجر في مسجد السادات وقد ذرَّف على التسعين!.

هنيئا لأخينا الحبيب بيغ رامي السبيعي بفوزه المستحق، وهنيئًا لمصر بفوز ولدٍ من أولادها ونجل من أنجالها، بل لتهنأ الأمة العربية والإسلامية بمن يمثِّلُها تدينًا وأخلاقًا والتزامًا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

   الكويت  10 جمادى الأولى 1442ه

          25/12/2020  

تعليقات

اكتب تعليقك