حسن العيسى: تلك الحياة لا نريدها

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 518 مشاهدات 0


في شهر مايو 2018 تناقلت الصحف الأجنبية عدة أخبار عن الأسترالي ديفيد غودول، وهو عالم شهير في البيئة وعلم النبات ويدرس بالجامعة الأسترالية، بلغ ديفيد من العمر مئة وأربعة أعوام، لم يكن يعاني أو يشكو من مرض ما غير ثقل العمر الطويل، فأصدقاؤه بالجامعة لم يعودوا أحياء، وحياته أضحت نمطية مملة، يفطر في الصباح وينتظر موعد الغداء ثم العشاء، أضحت ذاته حملاً قاتلاً على ذاته، لم يعد يستطيع ركوب الباص دون مساعدة أحد كي يلقى محاضراته بالجامعة، ربما فكر في أنه يحتاج إلى مقعد نقال وهو لا يريد ذلك... وبالتأكيد سيحتاج أموراً أخرى كلما طفا مهمشاً فوق تيار الزمن.

قرر حسم أمره، فلا معنى لهذه الحياة حين أضحت مأساة يفقد فيها الإنسان حريته، واشترى تذكرة «ون وي» (ذهاب دون إياب) لسويسرا، وفي الطريق توقف في دول أوروبية ليودع ابنته وأحفاده، وهناك في مدينة بازل السويسرية، حيث يسمح القانون السويسري بالموت الرحيم طالما كان طالب الحجز لدار الفناء كامل العقل، ويستند في طلب الرحيل الأخير إلى اعتبارات معقولة، أنهى ديفيد حياته بصمت، لم يتعب أحداً، وواجه الموت بقرار منه دون انتظار مداعبات عزرائيل في لحظات النهاية.

ليس من حقنا أن نطلق الأحكام الأخلاقية وليدة ثقافاتنا وقيمنا الخاصة على قرار العالم ديفيد بإنهاء حياته، ولكن تعالوا واقرأوا المادة 18 من قانون ممارسة المهن الطبية، والتي تقرر «... يحظر على مزاولي المهن الطبية إنهاء حياة المريض أياً كان السبب ولو طلب المريض نفسه ذلك، ويجوز للطبيب المختص إعطاء المريض أدوية وعقاقير طبية لتخفيف آلام ومعاناة المريض... إلخ»، ليست الرسالة هنا أن نحاكي مدينة بازل السويسرية، وندرك أن لدينا عيادات للعلاج التلطيفي، ولكن صياغة المادة التشريعية السابقة تضع الأغلال على يد الطبيب المختص ببند تحريم إنهاء حياة المريض أياً كان السبب...: ما معنى عبارة «أيا كان السبب»، فإذا كان مرض السرطان مثلاً قد خيم على جل خلايا المريض، ولا جدوى من المسكنات والمورفين في تخفيف عذاب المريض... ما العمل عندها...؟!

هل نلقى بيقين حتمية التجربة العلمية من أجل قناعة فارغة بأنه قد تحصل معجزة تشفي المريض، بينما أشباح العذاب تلج ذاتها بكل خلايا المريض... معظم التشريعات الجنائية تعطي الخيار للقاضي لاختيار بين الحد الأقصى والحد الأدنى للعقوبة، بينما الطبيب المختص (ودوره هنا أخطر بكثير من عمل المحكمة) وفقاً للمادة السابقة ليس له أي اختيار غير تمديد حياة المريض مهما كانت مأساة إطالة عذاب المريض... أيضاً كيف نفهم أحياناً قرار بعض أهالي المرضى الذين يصرون على إطالة لحظات شقاء المريض كي يبقوا معلقين بوهم معجزات يستحيل أن تحدث، وكي يظلوا فرحين بأن مريضهم مازال بقربهم يتنفس... ولو كانت أنفاسه تخرج من جحيم الألم... ليست هذه حياة... إنما هو موت بألم شديد... وتريدون أن تتفرجوا على المشهد، ما هذه الأنانية؟!

تعليقات

اكتب تعليقك