في عالم التدريس .. كانت لنا أيام.. بقلم أ.د محمد حسان الطيان"12”
فن وثقافةالآن سبتمبر 2, 2023, 7:29 م 1402 مشاهدات 0
الجنى الطيب في تدريس العروض
ما من مكان درَّست فيه العروض - بطريقتي التي أشرت إليها –إلا شعرت أن الطريقة آتت أكلها على خير ما كنت أرجو وأؤمل من جهة، وأن الطلبة قد تفاعلوا معها على نحو رائع من جهةٍ أخرى، وسأورد فيما يأتي مشاهد تشير إلى هذا:
1. زادت نسبة نجاح الطلبة في قسم التخصص من معهد الفتح الإسلامي في مقرر العروض على ثمانين بالمئة وهي نسبة لا أذكر أني حظيتُ بها أو حلمت بتحقيقها في تدريسي لأيِّ مادة تخصصية خلال تجربتي الممتدة إلى نحو أربعين سنة، ومن المعروف أن نسبة النجاح إن زادت على الثمانين أو نقصت عن العشرين تحتاج إلى تقرير يعللها لأنها في الحالين غير طبيعية. وبرغم ذلك فقد كنت في غاية السعادة، لأني كنت على يقين أنها نسبة حقيقية، وأن الطلبة الذين حققوها قد أتقنوا ما أخذوه من فن العروض.
2. أذكر أني بعد شرحي بحر الهزج، في العام الدرسي(1996 / 1997م) أمليت على الطلبة – في قسم التخصص من معهد الفتح الإسلامي - أبيات الْفِنْد الزِّمَّـانِيّ:
1 - صفَحْنَا عنْ بني ذُهْلٍ... وقُلْنَا الْقوْمُ إِخْوانُ
2 - عَسَى الأيَّامُ أَنْ تُرجْـ ... ـعَ قَوْمًا كَالَّذي كَانُوا
3 - فَلَمَّا صَرَّحَ الشَّرُّ ... فَأَضْحَى وهْوَ عُرْيانُ
4 - وَلَمْ يَبْقَ سوَى الْعُدْوَا ... نِ دِنَّاهُمْ كَمَا دَانوا
5 - وَفي الْعُدْوَانِ للْعدْوا ... نِ تَوْهينٌ وإقْرَانُ
6 - شَدَدْنا شدَّةَ اللَّيْثِ ... غدَا وَاللَّيْثُ غَضْبَانُ
7 - بضَرْبٍ فيهِ تَأْييمٌ ... وإيتَامٌ وإرْنَانُ
8 - وَطَعْنٍ كَفَم الزِّقِ ... وَهَى وَالزِّقُّ ملآنُ
9 - وَفي الشَّرِ نَجَاةٌ حيـ ... ـنَ لا يُنْجيكَ إحْسَانُ
وسألتُ الطلبة تقطيعَها، فاستأذنني طالب يدعى نضال داود - وهو اليوم باحث معروف وصديق حبيب – بأن يقطِّع أبياتًا نظمها على شاكلتها وزنًا وقافية، فأذنت له، فانطلق ينشد:
وشادٍ أطربَ الكونَ ... يغنِّي وهْوَ نشوانُ
أهازيجًا لها شجوٌ ... عجيبُ الوقعِ رنَّانُ
فترجيعٌ وتطريبٌ .... وترنيمٌ وإحزانُ
فلا تسألْ عن الشادي.. هو الطيانُ حسَّانُ
فضحكتُ وسعدتُ بهذا الشجو واللَّسنِ، والفصاحة والبيان، وضحك الطلاب معي، وطالبوا بإملائها عليهم، فاستجبتُ لرغبتهم، وجعل الطالب الشاعر يملي، وأنا أعجب من صنعه!
3. والعجيب أني في العام التالي (1997 / 1998) أمليتُ الأبيات نفسها فوافاني طالبٌ آخر اسمه عبد الرحمن ناجي - وهو اليوم إعلامي معروف - بأبيات قال فيها:
أحسَّانٌ وطيَّانُ...أمِ الأزهارُ والبانُ
أمِ النَّهرُ يفيضُ الما ...ءَ رقراقًا ويزدانُ
هوَ النورُ لأهل النو...رِ وقَّادٌ وحسَّانُ
4. أقام القائمون على مسجد الفارس بالكويت دورة في العروض حضرها رهط من طلبة العلم، ومضيت أعطي على طريقتي نغمًا وإيقاعًا، وفي ختام الدورة فوجئت بأخ كبير يسلمني ورقة، وقد كتب فيها بخطِّه:
"وقلت في أستاذنا الدكتور محمد حسان الطيان وقد أفادنا بعلم العروض مساء الثلاثاء 26/6/2012:
إلى ما يقودُ محمَّدُنا ...إلى علمِ نظمٍ عروضٍ هدى
وقد فصَّلَ الدرْسَ جالَ بنا ...وصالَ بوقعٍ شديدِ المدى
فياربِّ باركْ له علمَهُ...يدمْ درسُهُ للعقولِ غدا
بمسجدِ فارسِ فيحا أتى...مساءَ الثلاثا فقد أسعدا
د. عماد العتيقي
أتدرون أيها السادة من أ. د. عماد العتيقي، إنه رئيس جامعة وكلية الشرق الأوسط الأميركية في الكويت، والأمين العام لمجلس الجامعات الخاصة سابقا...
5. من أطرف ما مرَّ معي في دورات العروض أن وزارة الأوقاف كلفتني إقامة دورة في مسجد الدولة الكبير حضرها رهط من أهل العلم أيضا كان منهم د. أحمد الزعبي ود. جلال الخانجي، على أن أعجب الحضور إليَّ كان رجلا بلغ الثمانين هو الشيخ عبد الله محمد جاسر الرفاعي من الصومال، وقد حضر جميع المحاضرات، وشارك في تقطيع كثير من الأبيات، ورأيته غير مرة يقف بعد المحاضرة ليركب مع بعض المشاركين في الدورة لأنه لم يكن يمتلك سيارةً خاصة.
6. وختاما فقد كتب لي أمس الشيخ محمد صالح الفرفور ابن شيخنا الدكتور عبد اللطيف رحمه الله بعد أن قرأ الحلقة السابقة عن الإيقاع والتكتكة:
"الله الله الله الله!
ياليتني كنت معهم فأفوز..!
جزاكم الله كل خير..
وإن لم أكن قد حضرت فإنني بقولك وتصويرك قد تصورت، فكأنني حضرت وتعلمت ودقدقت وتكتكت...
ومن العلم ما يأتيك على شكل جَمال منسكبٍ في رسائل بليغة..!
فلله در أستاذنا الحبيب!
وبانتظار المزيد..
دمتم ودام عطاؤكم!
حسّاننا طوبى لكا ...لله درُّ حسنِكا
تك تك تتك تتك تكا ...علمٌ يجيءُ محكَّكا
فقْتَ الخليلَ والسَّكَا...كيَّ بتلكَ التكْ تكا
فكتبتُ له:
تِكْ تك تكا تِـتِك تكا...إِيْـهٍ خبيرَ التكْتكَهْ
من بيتِكم خرجَ العرو...ضُ فأنتَ قِرْمُ المعرَكَهْ
الكويت 10 جمادى الأولى 1442ه
24/12/2020
تعليقات