وليد الجاسم: الغضبة المُضرية ونواب الحرية
زاوية الكتابكتب وليد الجاسم أغسطس 26, 2023, 10:27 م 912 مشاهدات 0
غضب النواب - نواب الحرية - غضبة مضرية، هاجوا وماجوا... وأزبدوا وأرعدوا... وهددوا وتوعدوا، إن مرّ قانون الإعلام الجديد... بل إن قُدِّم فقط لينهينّ المستقبل السياسي للوزير وربما معه الحكومة كلها.
تمام... ممتاز... قواكم الله... الآن، وبعدما هدأت الأنفس قليلاً بعد إعلان وزارة الإعلام عن الندوة النقاشية الخاصة بالقانون، نقدر نقول راحت الغضبة وجاءت الفكرة، وأنا - كشخص ممارس لمهنة الإعلام منذ أيام الغزو العراقي الغاشم لبلادنا الغالية إلى اليوم ولا أعرف غير الإعلام مهنة - أعتقد أن كل ما دار ويدور وسوف يدور من حديث عن الإعلام وقوانينه والحريات وإلغاء عقوبات السجن وكل ما إلى ذلك «خرطي في خرطي»... ولا أزعم هذا الـ«خرطي» ظلماً ولا بهتاناً والله، بل هو «خرطي» مستحق في حق كل قوانين الإعلام القائمة والمقترحة للأسباب التي سأشرحها أدناه.
أولاً، ومن باب الإيضاح، وكذلك «الاحتياط» القانوني - تحسباً لأي عضو يفكر في رفع قضية - فإن كلمة «خرطي» تستعمل في دول عربية عدة، ويمتد استعمال الشعوب العربية لها إلى الجزائر، ويقال إن اصل الكلمة تركي وتعني «الهراء» والقصص العارية من الصحة والكلام غير الصحيح والفارغ أو لا قيمة له، كما تحتمل معاني الكلمة المزاح، بما فيه من كلام مختلق أو مبالغة غير واقعية (وهي من لزوميات الكوميديا التي لا يخلو منها العمل السياسي حتى بات بديلاً ناجحاً للمسرح)، ومن أهم المعاني المفسرة لكلمة «خرطي» خلط الكلام والفارغ... وهنا بيت القصيد لي ولاستخدامي لهذه المفردة.
فموضوع الحريات يتعرض دوماً إلى الـ«خرط» في الكلام، أي خلطه، فتجدون كلمات رنانة متنوعة ووعوداً متعددة وتعهدات كثيرة، لكنها في النهاية تنتج لنا قوانين فارغة من الوعود التي سمعناها، فالنتيجة دوماً واحدة لكل تعديل... إلى مزيد من التقييد وإلى مزيد من التكميم وإلى مزيد من المحاصرة رغم انضوائها تحت عناوين الحرية الفارغة.
والتاريخ يشهد كم تحالفت اللجان البرلمانية ذات الصلة مع الحكومات وأنتجت لنا قوانين شؤم مزدانة بالكلمات غير الواقعية، وكلنا نعلم أن هكذا نتائج لهكذا تشريعات هي في الحقيقة مخالفة للدستور نصاً وروحاً! ولكن ماذا نقول عن هذا الـ«خرط» النيابي الذي يطالبنا بالتصفيق لقوانين متذاكية تقودنا إلى مقصلة إعدام الأقلام وقص الألسن.
هل تعلمون أن قوانين «تعزيز» الحريات الإعلامية التي تدعمها «خرطاً» الحكومات المتتابعة وتصوّت بالموافقة عليها المجالس المتعددة هي قوانين «هراءً» بلا معنى ! وذلك لسبب بسيط جداً، وهو أن الإعلامي المستهدف نضع له قوانين إعلامية شكلية، ونتشدق بمنع السجن وبالحريات الإضافية فيها، ثم ندس فيها جملة صغيرة (وكأننا لا نعلم) مثل جملة «مع عدم الإخلال بتطبيق عقوبة أشد»! فتجعل قوانين الاعلام «خرطاً خاوياً» وتحيلنا إلى قوانين أخرى.
هل تعلمون أن الصحافي والإعلامي الذي ينشر أو يتحدث في وسيلة إعلامية مرخصة عرضة لعقوبات ثمانية قوانين وليس قانوناً واحداً؟
هل تعلمون أن الإعلام اليوم محكوم بقوانين بالجملة؟... كبّلته وأثقلت حركته، فأنعشت وسائل الإعلام الخارجية وغير المرخصة؟
إليكم القوانين التي تحاصر من يدخل عالم الإعلام وتحاصره أيما حصار... إذا أفلت بهذا القانون صاده قانون آخر... وهل ينجو من تحاصره ثمانية قوانين؟
• قانون المطبوعات والنشر.
• قانون المرئي والمسموع.
• قانون الجزاء.
• قانون أمن الدولة.
• قانون الوحدة الوطنية.
• قانون هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات.
• قانون جرائم تقنية المعلومات.
• قانون الإعلام الإلكتروني.
هل رأيتم الـ«خرطي»؟ هل علمتم الآن أن ادعاءات الحريات مجرد خلط في الكلام وفراغ في المعاني؟
تبون الزبدة؟
... أتمنى على الإخوة النواب الذين فزعوا فزعة جميلة (شكلاً)، وغضبوا غضبة مضرية (قولاً)، أن يكملوا معروفهم ويترجموا مواقفهم هذه ترجمة عملية، ويقروا قانوناً واحداً للإعلام يدسون فيه وهم يعلمون «نصاً صغيراً» يقول التالي... «ولا يجوز بحال من الأحوال إحالة الإعلامي الذي أدلى برأيه في أي وسيلة إعلامية مرخصة، سواء كان هذا الرأي مكتوباً أو مسموعاً أو مرئياً، إلا وفق هذا القانون»...
هنا فقط ستكون فزعتكم للحرية والديموقراطية والدستور حقيقية لا «خرطاً».
وإلى أن يتحقق هذا «الحلم»، ستظل أطروحات النواب في الدفاع عن الحريات ضمن خانة الـ«خرطي».
تعليقات