شريفي أم وحيدي؟

عربي و دولي

وزير الدفاع الإيراني الجديد

1691 مشاهدات 0

وحيدي

 
في سجله المتداول عمل وزير الدفاع الإيراني الجديد أحمد وحيدي لفترة طويلة في الحرس الثوري، وكان رئيسا لمؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية إلى جانب توليه المسؤولية عن تطوير منظومة الصواريخ، وشغل أيضاً منصب نائب وزير الدفاع خلال فترة الرئاسة الأولى لأحمدي نجاد.
أما تحت اسمه الحركي (شريفي) فقد أفاد الموقع الاستخباري الإسرائيلي «ملفات ديبكا» (Debka Files) أنه إرهابي مطلوب للإنتربول، لتورطه في العديد من عمليات الإرهابية عدة، وقد تفنن الصهاينة في نشر الغسيل غير الشريف لشريفي، حيث كان قائداً لكتيبة لبنان بالحرس الثوري الإيراني كما يقولون، ومن منصبه هذا في الثمانينيات جند عناصر من حزب الله وكان على صلة بعماد مغنية، حيث نجحا معاً في دخول المجد من أوسع أبوابه بخطف وليم باكلي (William Buckley) رجل المخابرات الأميركية (CIA) في لبنان عام 1984، وإدارة عملية (إيران- كونترا) حين كانت حكومة رونالد ريغان تعتزم في تناقض صارخ مع السياسة الأميركية المعلنة بيع (صواريخ تاو) المضادة للدروع لعدوتها إيران التي كانت تحارب العراق عام 1985م، واستعمال أموال بيع السلاح لتمويل أنشطة (الكونترا) المناوئة للنظام الشيوعي في نيكاراغوا. لكن الفصيل الشيعي الذي كان محتجزا وليم باكلي قام بإعدامه، كما فضحت العملية مجلة الشراع اللبنانية فتفجرت قضية (إيران- كونترا) فانهارت الصفقة بعد أن أوصلت طائرات النقل الأميركية 96 صاروخاً فقط لطهران. وعند توليه قيادة الحرس الثوري سابقاً جعله أكثر ثورية، لكن عملية بيونس آيريس 1994م التي أسفرت عن مقتل 85 شخصاً وجرح أكثر من 300 فرد وكانت ضد مركز يهودي أو وكر تجسس إسرائيلي هي التي أوصلته إلى قائمة المطلوبين للإنتربول كمشتبه به. وقد أدانت الأرجنتين التي تضم أكبر جالية يهودية بين دول أميركا الجنوبية خطوة ترشيحه كوزير، ووصفت ذلك بأنها إهانة لضحايا التفجير الذي وقع قبل 15 عاما. لقد جاء التصويت في البرلمان الإيراني لتوزير أحمد وحيدي وفاز فيه بـ 227 صوتا من 286 شاركوا في التصويت متزامنا مع استدعاء وزارة الخارجية الإيرانية القائم بالأعمال الأرجنتيني في طهران وتقديم احتجاج على مواقف حكومته بشأن اختيار وحيدي لتولي هذا المنصب. هذا الرد من نواب البرلمان الإيراني باختلاف توجهاتهم السياسية يشير إلى وحدة الموقف الإيراني تجاه الكيان الصهيوني، فلم يحدث أن حصل وزير على هذا العدد من الأصوات كما في حالة وحيدي.
ورغم أنه من المعتاد أن يكون خطاب رئيس الحكومة فقط عند توليه منصبه هو محط اهتمام المراقبين، فإن اهتمامنا بقضايا أمن الخليج العربي، وما أحاط بتولية الجنرال وحيدي من جدل جعلنا نتمعن في الخطاب الذي ألقاه أمام البرلمان الإيراني. فقد كان وحيدي واعيا لنظرة العالم لبلاده حين قال «نظرا لموقع بلادنا الجيوسياسي والاستراتيجي تحتل إيران مكانة خاصة في المنطقة وتواجه تحديات كبيرة في الشرق الأوسط»، وأكد أنه «نظرا للأوضاع السائدة على الصعيد الأمني الإقليمي والدولي فإننا بحاجة إلى استمرار التطور والنهوض بالقدرات والإمكانيات المتاحة وابتكار معدات وأجهزة جديدة لزيادة السرعة والمباغتة لدى القوات المسلحة وتحقيق القدرة لاختيار استراتيجيات عملية مناسبة». وأكد على «ضرورة الاستمرار في تطوير المنتجات الدفاعية بهدف رفع قوة الردع في مجالات الدفاع الجوي والاتصالات والصواريخ والعمليات القتالية والبرية والجوية والبحرية والرقابة المعلوماتية». وقال «إن إيران ستتخطى بشكل جيد جميع التحديات الكبيرة خاصة في منطقة الشرق الأوسط والكيان الصهيوني الذي يعد الكيان الأكثر مقتاً في العالم»، ليسهب بعد ذلك في الوعظية العاطفية التي حققت ما يريد حين تحدث عن العدو الإسرائيلي واستعداد إيران للرد القاسي على مخططاته مما جعل البرلمان يهتف بصوت واحد «الموت لإسرائيل».
لقد حاولنا أن نتفاعل مع محتويات خطاب الجنرال وحيدي، لكن المتمعن في محتويات هذا الخطاب يجد أنه لم يأت بجديد بل هو امتداد لسياسة أحمدي نجاد الصِدامية مع الغرب والصهيونية، أما الإشارات التي كان لها دلالات خاصة فحديثه عن تطوير المنتجات الدفاعية ورفع قوة الردع في مجالات الدفاع الجوي، وكانت أهم تلك الإشارات حول الاتصالات والرقابة المعلوماتية، حيث إن رقابة المعلومات في الشبكة العالمية لأغراض الأمن الوطني علمٌ جديد في المجال العسكري يدل على مواكبة هذا الرجل لما يجري في مجال عمله خصوصاً أنه كان رئيساً لمؤسسة الصناعات الجوية الإيرانية إلى جانب توليه المسؤولية عن تطوير منظومة الصواريخ الإيرانية، مما يقطع الشك حيال استمرار إيران في برامجها الرامية إلى استخدام الفضاء، والمضي قدما في صنع الصواريخ القادرة على حمل الأقمار الصناعية.     
لقد كان خطاب وحيدي بياناً عاماً في الشق العسكري للمرحلة الإيرانية المقبلة، ومن الصعب الجزم بما إذا كانت ستتحقق أو تبقى مجرد طموحات وآمال، أو أنها حرب نفسية لا يكل جيراننا الإيرانيون عن ترديدها. لكننا لا نتفق مع وحيدي في أن أكبر تحدٍ يواجه إيران يتمثل في (خيار التآمر الاستراتيجي للصهيونية الدولية)، بل نرى أن أكبر تحد يواجه جارتنا العزيزة هو في عجزها عن بناء جسور الثقة مع جيرانها العرب بدل التلويح بصناعة طائرة تجسس بدون طيار وصاروخ يغطي الجزيرة العربية كلها وغواصة من طراز (غدير) قادرة على الوصول إلى بحر العرب. وبدل الخطب التي يعتقد أن صداها سيهز صهاينة كريات شمونة في الجليل الأعلى، أو سيرعب فتية طهران المرفهين المدججين بكاميرات هواتفهم النقالة فقط، والذين أنزلهم حسين موسوي للشوارع ولا يزال بعضهم في انتظار جولة جديدة مع القرويين من مجندي الباسيج. إن ما يجعلنا في حذر من أحمد وحيدي هو أنه من جيل الثورة وقد تربى في أحضانها. وحسبما نشر عنه مؤخرا فهو عسكري بامتياز، وقد تولى قيادة «قوات القدس» لسبع سنوات، وكان من إنجازاته تدريب العشرات من الثوريين الأكراد ومن مسلمي الفلبين بل وحتى من المتمردين الخليجيين.     
ولطالما تحدث منتقدو نجاد بحسدٍ عن قدرته على الإفلات باستمرار من الأخطاء التي وقع فيها، بل إنه من السهل علينا دائماً وصف اختيارات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بغير الموفقة، فها هو يهدم بمعول الجنرال وحيدي العلاقات الإيرانية مع دول أميركا اللاتينية التي سعى نجاد لتوثيقها يوما بعد آخر منذ توليه الحكم، وكلفه ذلك رحلات طويلة لاحتضان وتقبيل هوغو شافيز في فنزويلا. لكنه من جهة أخرى أجبرنا على ملاحظة أن أقوى لبنة استخدمها بنجاح في ترميم شروخ وتصدعات الوحدة الوطنية الإيرانية هي اختيار العميد أحمد وحيدي كوزير للدفاع في الحكومة الإيرانية الجديدة، فحصوله على ثقة البرلمان بالغالبية الساحقة من النواب يعكس النزعة المعادية للصهيونية التي وجدت دعايتها بالعملية الأرجنتينية صدى معاكسا في مجلس الشورى الإيراني.
 

د.ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك