د.نجم عبدالكريم: عبق مدينة رسول الإنسانية

زاوية الكتاب

كتب د. نجم عبدالكريم 949 مشاهدات 0


رغم أن المدينة المنورة قد ارتفعت فيها العمارات الشاهقة، والفنادق العالمية مستمرة في البناء بها، ورغم تدفّق الملايين ممن يزورونها من كل قارات العالم، فإنّ صورة المدينة المتجذرة في وجداني تاريخياً، هي ليست هذه المدينة المقدسة، وكلما زرتها أجد نفسي أسيراً لذلك التاريخ.

وعندما أطوف في شوارعها وأزقّتها وبساتينها ومساجدها ومقابرها، فإن كثيراً ما يدفع بي الخيال إلى تصوّر ماضٍ سحيق يحمل لي تاريخاً هو أقرب ما يكون إلى تاريخي الشخصي، لشدّة ارتباطي بهِ والأحداث التي وقعت فيه، والتي أكاد أحفظ تفاصيلها عن ظهر قلب.

وما إن أقف أمام مقبرة البقيع - مثلاً - حتى تتفجّر بداخلي ذكرى قائمة طويلة من الأسماء التي ترقد فيها، لشعوري أنني تعايشت مع البعض منهم، أكثر بكثير من معايشتي لأحياء يشاركونني الحياة المعاصرة.

***

وبرغم العناية الهندسية الفائقة التي بُني بها قبر رسول المحبة، صلى الله عليه وسلم، فإنني عندما أقبل على الروضة الشريفة سرعان ما يقودني الخيال نحو تلك الغرفة المتواضعة التي أوصى، سلام الله عليه، بأن يُدفن فيها، وبالطبع فلا بدّ لخيالي أن يقودني لتخيُّل الإمام علي والفضل بن العباس، وهما يُنفّذان وصيته، عليه الصلاة والسلام، بإتمام موجبات ما قبل وضع جسمه الشريف في اللحد الذي حفراه وهما يُعانيان شدة حزن فاطمة الزهراء وبكاء زوجاته ونحيبهن، رضي الله عنهم أجمعين.

***

وعندما أجلس في مسجد الرسول الأعظم، عليه الصلاة والسلام، منتظراً صوت الأذان، أكاد لا أرى الذين جاؤوا من كل بقاع العالم بأشكالهم المتميزة، وهم يُحيطون بي، حيث يذهب بي الخيال إلى السنوات الأولى من القرن الهجري الأول، لأرى نفسي أجلس بالقرب من أبي ذرٍّ الغفاري، وبلال بن رباح، ويجلس أمامي عبدالرحمن بن عوف، وبالقرب منه سلمان الفارسي، رضي الله عنهم جميعاً.

***

أما عندما وقفت قُبالة قبر سيدي ومولاي النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، وكيف توجهت إليه بخطابٍ دامع، فالحديث هنا ذو شجون، ولكن هل أستطيع أن اُفصح عمّا بحتُ به لنبي الأمة، صلى الله عليه وسلم، مما تفجّر وقتها بداخلي؟!

تعليقات

اكتب تعليقك