أ. د عبداللطيف بن نخي: ديوان الرقابة الشعبية
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يوليو 19, 2023, 11:54 م 526 مشاهدات 0
في نوفمبر 2006، اجتمعت مجموعة كبيرة من الأكاديميين بثلاثة نوّاب للتحاور في شأن مشروع قانون مثير للجدل. وكان الموقف السائد في الاجتماع ضد المشروع بشدّة، في حين الموقف العام خارج الاجتماع كان مطالباً بإقراره. ثم في يوم الجلسة، غاب عنها أحد النوّاب الثلاثة بذريعة المرض المفاجئ، وأقرّ مشروع القانون بمداولتين.
الشاهد أنّ هذا النائب الذي غاب عن جلسة مداولة مشروع قانون يمس حريّات الشعب الدستورية، لم يُحاسب عن غيابه، بحجّة أنه كان بعذر، رغم أن حضوره مقعداً على كرسي متحرّك – كما فعل عدد من ناخبيه في يوم الانتخابات – كان سيمنحه زخماً إعلامياً معزّزاً أمام رأي الأغلبية.
ذلك الغياب من الجلسة المهمة، تذكّرته يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، عندما غاب نوّاب عن التصويت على طلب التحقيق بتدخل الحكومة في انتخابات المجلس الأولمبي الآسيوي، رغم تواجدهم أثناء مناقشة الرسائل الواردة. فالغيابان كانا أثناء تداول قضيّة بالغة الحساسية، وكلا الغيابين مرّ بسلام من دون تدقيق الناخبين في مدى استحقاق الغياب، خصوصاً بعد ملاحظة أن الخروج من القاعة كان قبل نهاية البند الأوّل «مناقشة الرسائل الواردة»، وتحديداً قبل موعد التصويت على الرسائل التي تحتاج إلى قرار.
تكرار حالات الغياب التكتيكي من قِبل عدد من النوّاب، يستدعى إصلاحاً سياسياً، وتحديداً في اللائحة الداخلية للمجلس، يُمكّن الشعب من رصد هذه الحالات. فإلى جانب حق النائب في الغياب عن جلسة أو جزء منها كمناورة نيابية أو لأسباب أخرى، يوجد حق أصيل للشعب بالاطلاع على حالات الغياب ومبرّراتها. لماذا لا يُوثّق مخرج التصوير التلفزيوني حضور الجلسة من النوّاب، بوتيرة يقرّرها المجلس، كل ربع أو نصف ساعة مثلاً، وبالتزامن مع التوثيق التصويري يُسجّل النائب «المراقب» أسماء الحضور في كشوفات حضور دورية تُلحق بمضبطة الجلسة؟
ومن أجل الإصلاح السياسي عبر تمكين الناخب من متابعة أداء النائب، وتحديداً لمواجهة التشكيك والتزوير في كشوفات التصويت، لماذا لا توافر أمانة المجلس التصويت الإلكتروني بضغط زر، عوضاً عن التصويت برفع اليد، على أن تعرض الآراء فورياً على شاشات المجلس، على أن يوثّق كشف التصويت في مضبطة الجلسة مثلما يوثّق كشف التصويت بالنداء بالاسم؟
وإلى جانب المقترحين المبطّنين في السؤالين السابقين، أتساءل لماذا لا ينشئ المجلس كياناً استشارياً مستقلّاً، مناظراً لديوان المحاسبة من حيث الارتباط الإداري بالمجلس، غرضه الأساس تعزيز الرقابة الشعبية على أداء النوّاب؟
فالحاجة لإنشاء «ديوان الرقابة الشعبية» تضاعفت إلى مستوى الضرورة في السنوات الأخيرة، بسبب تزايد المشاهد – غير المرصودة من قبل الشعب – الخاصة بالتبدّل والانقلاب في مواقف الكثير من النوّاب.
فكما أنه من حق النوّاب الاطلاع على جدول مبسّط للمقارنة بين نسخة مشروع قانون بعد المداولة الأولى ونسخته المقدّمة من اللجنة المختصة للمداولة الثانية، من حق الشعب أيضاً الاطلاع على تقارير مبسطة للفروقات والثوابت في مواقف النواب تجاه القضايا المحورية والمصيرية.
أحدث هذه القضايا المحورية المصيرية التي تحتاج إلى تقرير موضوعي مبسط من «ديوان الرقابة الشعبية»، هو برنامج عمل الحكومة ومواقف النوّاب منه. فالعديد من النوّاب لجأوا إلى خديعة التصعيد والشدّة في انتقاد مشاريع البرنامج الحالي للتستّر على انقلاب مواقفهم تجاه مقدّم البرنامج رئيس الحكومة. فانبهر وانشغل الشعب بشدّة الخطاب، وغفل التحول في المسؤول المستهدف بالخطاب.
فرغم التطابق الواسع بين البرنامج الحالي وبين الذي قدّمته حكومة صباح الخالد، في 2021، إلا أن النوّاب الذين طالبوا في حينه بإقالة الخالد على خلفية البرنامج، اكتفوا هذه الأيّام بالمطالبة بإقالة مستشاري رئيس الحكومة الحالي.
إلى جانب كشف حالات الثبات والتقلب لدى النوّاب، تبسّط تقارير الديوان مشاريع القوانين وتكشف حقيقتها وخديعتها، كخديعة اكتتاب المواطنين لتمرير قانون خصخصة الرعاية السكنية...
اللهمّ أرنا الحقّ حقاً وارزقنا اتباعه.
تعليقات